جدير بالذكر، أن التخوفات المغربية ترتبط بإشكالية التحالفات الظرفية ما بين الحركات الجهادية وخاصة تنظيم القاعدة بالساحل والصحراء وحركة انصار الدين الناشطة بمالي و تنظيمات الجريمة الغير المنظمة والحركات الانفصالية ... وبشكل قوي بالتحالف بينها وبين «جبهة البوليزاريو»؛ لاسيما وان هذه المخاوف تعززت بظهور مؤشرات سابقة تؤكد تورط الجبهة في التعامل مع تنظيم القاعدة، خصوصا عبر تسهيل عملية خطف الأجانب في المنطقة مقابل الفدية، ولعل ابرز دليل على ذلك ما عرف بقضية عمر الصحراوي المشرف على اختطاف الاسبان وتسليمهم للقاعدة. وجددت الخارجية المغربية الدعوة إلى العودة للشرعية الدستورية بما يكفل استقرارا سياسيا وامنيا بالمنطقة، غير أن هذه الدعوات قوبلت بالتعنت وباستهداف مباشر للآثار التاريخية لجوهرة الصحراء تمبوكتو عبر التخريب المتعمد لعدة أضرحة ومآثر أدرجت ضمن لائحة التراث العالمي منذ 1988،عملية التدمير أثارت حفيظة الدبلوماسية المغربية فأدانت هذا الفعل واستنكرت استهداف المآثر التاريخية للشعب المالي واعتبرته تخريبا للموروث الثقافي والحضاري للشعب المالي، وأكدت الحاجة إلى تحرك دولي يكفل وقف عمليات التخريب حفاظا على هوية وأصالة وتاريخ الجمهورية المالية. ونتيجة للتحركات الإقليمية وللدعوات المغربية الساعية إلى احتواء الأزمة المالية، اصدر مجلس الأمن )قرار2071 في 15 أكتوبر 2012( بناءا على الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، ويدعو لتأسيس مجموعة الدعم والمتابعة والتي حدد لها مهلة 45 يوم من اجل تدارس خطط العسكرية لاستعادة الشمال المالي، عبر دراسة تفاصيل حول هذا التدخل؛ أهدافه و صور لعملياته وقدرات القوات وقيادتها ... أعقبه في 19 أكتوبر2012 اجتماع دولي ببماكو يدرس تفعيل القرار الاممي الأخير (2071). في ارتباط بوضع المنطقو بعد سيطرة الحركات الجهادية او المتشددة كما يوصف التحالف بين ، أظهرت تقارير عن التحاق مقاتلي «جبهة البوليزاريو» القادمين من تندوف بتمبوكتو وغاو معقل الحركات الجهادية، بالإضافة إلى مقاتلين أجانب بصفوف قوات التحالف المسيطرة على هذه المنطقة، لتعزيز صفوفها في مواجهة الاستعدادات الإقليمية والدولية للتدخل بالمنطقة، وتظهر هذه المستجدات صحة المخاوف المغربية من «صوملة مالي» و جعله «أفغانستان ثانية»، ومن تحالف «جبهة البوليزاريو» مع مقاتلي الحركات الجهادية بالساحل والصحراء. مرونة الدبلوماسية المغربية : يظهر أن متابعة الدبلوماسية المغربية للازمة المالية كانت من ثلاث زوايا، الانقلاب فالانفصال وأخيرا الإرهاب، بداية حرصت الرباط على إدانة الانقلاب لإخلاله بالتداول السلمي للسلطة ولانتهاكه للشرعية الدستورية ولأنه سيفتح الواقع المالي على إشكاليات جديدة على الواقع المالي. الأمر الذي تعزز بإعلان الحركة الوطنية لتحرير الازواد انفصال الشمال وتشكيل ما سمي ب «دولة ازواد» والتي لم يكتب لها الاستمرار، مما عجل بسقوط الشمال تحث سيطرة الحركات الجهادية خاصة فرع تنظيم القاعدة بغرب إفريقيا، فجات التحركات المغربية لدرء الخطر وللتحرك لوضع حد للازمة قبل تفاقم الوضع؛ وعيا من صانع القرار الخارجي بخطورة الانفصال وما قد يحمله من تداعيات على المنطقة وعلى شمال إفريقيا، ولان سيطرة الحركات الإرهابية على الشمال سيجعل منه ملاذا آمنا للحركات الجهادية وللمنظمات الإجرامية خاصة شبكات التهريب الدولي وغير ها مما سيزيد من تفاقم الوضع الأمني بمنطقة الساحل ويهدد امن منطقة شمال إفريقيا. التحركات المغربية ارتبطت بالتحرك الفعلي على الساحة الدولية؛ خاصة في مراكز صنع القرار العالمي بمجلس الأمن وفي الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ناهيك عن التحرك إقليميا بدعم التوجه العام الذي سطره مجلس الأمن القاضي بمساندته للتدخل في المنطقة عبر قوات افريقية تكفل لها الأممالمتحدة الدعم اللوجيستيكي والقانوني للتدخل لإنهاء أزمة مالي الحالية. وتتوخى الدبلوماسية المغربية المرونة في تدبير أزمة مالي، في ظل الاستعدادات التي تجري على نطاق واسع من اجل حسم القرار السياسي دوليا وإقليميا من اجل التدخل وصيغته بالمنطقة لإنهاء الأزمة المفتعلة؛ ويرتبط التحرك المغربي بمقاربة إقليمية للأزمة تربط مصير منطقة الساحل والصحراء بإنهاء هذه الأزمة، ونتيجة لعجز الحكومة المالية على إنهائها و الاستعداد الإقليمي للتدخل من اجل إنهاء هذه الأزمة، يظهر أن الإستراتيجية المغربية ترتكز على ثلاثة محاور من اجل إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها : أولا: التشبث بوحدة أراضي هذا البلد؛ وعيا من صانع القرار الخارجي المغربي بخطورة السماح بانفصال أو بتقسيم هذا البلد، وفي هذا الإطار جاء انفتاحه على أطراف الأزمة بمالي من مسئولين حكوميين وقادة حركة الطوارق، في هذا المنحى جاءت الزيارات التي قام بها كلا من الوزير الأول للرباط الشيخ «موديبوديار» التي جدد فيها الدعوة إلى مساعدة بلاده لاستعادة وحدته وسيادته على أراضيها، بالإضافة إلى الزيارة الغير المعلن عنها من طرف مسئولين من «حركة الوطنية لتحرير الازواد» إلى الرباط، وعلى هذا الأساس يتمسك المغرب بالدعم الكامل للحكومة المالية على كافة الأصعدة من اجل الحفاظ على وحدة البلاد. ثانيا: مساندة الجهود الإقليمية والدولية لاحتواء الأزمة عبر مساندته لتجمع دول غرب إفريقيا تأكيد جددته الرسالة الملكية الى الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مقاربة الدبلوماسية المغربية في هذا المجال ترتكز على دعم دول الجوار المالي من اجل ضبط الحدود بناءا على رؤية المغرب لاستقرار منطقة الساحل والصحراء إذ يربط استقرارها باستقرار مالي. ثالثا : الدعوة الى تحرك دولي من أجل الإسراع بوضع حد لهذه الأزمة خاصة بعد أن أخذت طابع التدهور الأمني بعد سيطرة حركات التوحيد والجهاد وأنصار الدين على ثلثي مساحة البلد، تحرك الهدف منه تأييد للحكومة الانتقالية وعبرها للتحركات الإقليمية الساعية لإعادة الاستقرار إلى الشمال المالي، خاصة مع تأكد المخاوف المغربية من انعكاس الأوضاع بمالي على المنطقة، حيث أبرزت تقارير مؤكدة عن التحاق مقاتلي «جبهة البوليزاريو» بشمال مالي لمساندة الحركات المسيطرة على الشمال المالي . ختاما، يظهر أن السلوك الدبلوماسي المغربي اتجاه أزمة مالي جاء كرد فعل أملته التطورات المتلاحقة بالبلد، وأضحى يبرز كرؤية مغربية للأزمة؛ استندت على أن الأوضاع بمالي تستدعي عملا حاسما وتعاونا جديا إقليميا ودوليا لإنهائها، منطلقاتها ربط استقرار مالي باستقرار منطقة الساحل والصحراء. وعلى هذا المستوى، واكبت الدبلوماسية المغربية مسار الأزمة ولا تزال حيث تابعت باهتمام التحركات الإقليمية والدولية، وساهمت في أروقة صنع القرار العالمي لإنهاء هذه الأزمة، ووضع إستراتيجية انصبت على احترام سيادة ووحدة الأراضي المالية عبر دعم الحكومة المؤقتة و مساندة تحركات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ليبقى السؤال منصبا عن إمكانية مشاركة المغرب في دعم المجهود الحربي من عدمه.