فقدت الساحة السياسية الوطنية يوم الجمعة الماضية، بالدار البيضاء، واحدا من خيرة مناضلي الحركة الوطنية، والحركة الاتحادية، الذي رحل في صمت، رغم أدواره الحاسمة في لحظات مفصلية من تاريخ هذه الحركة التقدمية. بل إنه رحل بذات الإباء الذي ميز حياته ومساره النضالي الغني بالمواقف التي لا تكون لغير الرجال، ساعة الامتحانات النضالية الكبرى. إنه الراحل عبد الحي الشامي الخزرجي، الذي قاوم سنوات طويلة من المرض وحيدا، ولم يجد إلى جانبه، إلا أفراد عائلته الصغيرة الذين ظلوا يقاومون معه إلى أن التحق بالرفيق الأعلى. ويمثل الرجل، عنوانا من عناوين الوفاء للرفقة النضالية، هو الذي كان واحدا من قيادات حزب الاستقلال الذين التحقوا، من موقع مسؤوليتهم المركزية الوازنة بالحركة الاتحادية، مثلما أنه بعد الانفصال عن الاتحاد الوطني وتأسيس الاتحاد الاشتراكي، اختار تجميد نشاطه السياسي الغني، وفاء للرفقة التي جمعته بالراحل عبد الله إبراهيم وبصديقه الحاج السعيدي. وفي اتصال مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والأستاذ محمد بنسعيد آيت يدر، اللذين كانا من رفاقه واصدقائه، فقد أجمعا على مركزية الرجل في النضال الاتحادي والوطني، هو الذي شغل منصب المدير المالي والإداري لجريدة التحرير، حين كان يرأس تحريرها الأستاذ اليوسفي ويديرها الراحل الفقيه البصري في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي. مثلما أكدا، أنه كان واحدا من ثلاثة مفتشين بحزب الاستقلال الذين التحقوا بالحركة الاتحادية سنة 1959، إلى جانب المناضل الكبير، الراحل الحبيب الفرقاني والمناضل البركاني الصلب قدور الورطاسي. (أكد الأستاذ عبد الهادي خيرات أن المرحوم عبد الرحيم بوعبيد اثناء اعتقالهم بسجن سلا اخبرهم ان الشهيد المهدي بنبركة هو مؤسس تنظيم المفتشين بحزب الاستقلال، وان ثلاثة منهم التحقوا بالحركة الاتحادية من أولها وهم الاسماء المذكورة فوق). وأكد كل من اليوسفي وبنسعيد أن الراحل عرف بأخلاقه العالية ونزاهته الفكرية وصفاء ذمته، وأنه من جيل مغربي نادر، شكل مكسبا للصف التقدمي المغربي. وتأسفا معا كثيرا،أنه لم يلق الاهتمام اللازم في مراحل معينة من مقاومته للمرض، خاصة أنه من النوع الذي لا يطرق الأبواب قط، بل له عزة نفس نادرة. وأجيال اليوم، يجب أن تتمثل سيرته بافتخار واعتزاز خاص، كواحد من أنظف من أنجبتهم الحركة التقدمية المغربية في مسارها الطويل. ويحق لأبنائه (سمية، سهام، سناء، أوبابة وسي محمد) وزوجته ورفيقة حياته الفاضلة السيدة ليلى، أن يفخروا به عاليا، لأنه رحمه الله كان وظل ابنا وفيا للقيم النبيلة، المنتصرة للإنسان وللحق والعدل. رحم الله رجلا، كان اسمه عبد الحي الشامي الخزرجي، فقد عاش كريما، عفيفا، ومات كريما، عفيفا. هيت له.