على إثر مصرع عامل ثان بمناجم عوام، إقليمخنيفرة، وأمام تناسل الوفيات العمالية بهذه المناجم التابعة للشركة المنجمية تويسيت (سي. إم. تي)، دخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (فرع مريرت) على الخط، ودعت مكتبها المحلي لاجتماع استثنائي طارئ، يوم 24 أكتوبر 2012، على ضوء ما توصلت إليه من معطيات أولية حول العاملين اللذين لقيا حتفهما خلال أيام معدودة جداً، ما أكد لهذه الجمعية الحقوقية «غياب أدنى شروط الصحة والسلامة»، ما اعتبرته «انتهاكا سافرا للحق في الحياة» وللحقوق الواجب توفيرها للعمال المنجميين بالمنطقة. وفي هذا الصدد، سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمريرت، ضمن بيانها الذي حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منه، عدة خروقات قائمة بهذه المناجم، منها أساسا «عدم تطبيق بنود مدونة الشغل وقانون العمل بالمناجم رغم علتها»، إلى جانب «الاستمرار في استغلال العمال عن طريق المقاولات بالمناولة، والتي لا تحترم أبسط الحقوق الشغلية»، حيث وقفت في هذا المضمار عند «محاولات تسريح عمال مقاولة (أو سي جي) دون منحهم التعويضات القانونية، ودون مراعاة حتى للسنوات الطويلة التي قضاها العمال المعنيون تحت نير الاستغلال»، كما لم الجمعية تسجيل «التأخر في صرف أجور عمال مقاولة (ستار ميلتي ترافو)»، فضلا عن «الحرمان من أبسط الحقوق الشغلية، ولا أقلها التعويض عن الأقدمية، بطاقة العمل، العطل الأسبوعية والسنوية»، إضافة إلى «مظاهر تشغيل العمال بعقود عمل لا تحترم أدنى الشروط القانونية»، حسب بيان الجمعية الحقوقية. وصلة بالموضوع، سجلت ذات الجمعية «غياب شروط الصحة والسلامة بمواقع العمل»، الأمر الذي نتج عنه مصرع العاملين السابق ذكرهما، مع إشارتها إلى الارتفاع الرهيب في نسبة حوادث الشغل بالمناجم المذكورة، ولم يفتها بالتالي التنبيه لغياب الحماية الفعلية للحقوق العمالية وللحريات النقابية. الجمعية الحقوقية، وانطلاقا من نضالها من أجل إقرار واحترام حقوق الإنسان كما هو منصوص عليها ضمن المواثيق والاتفاقيات الدولية، وكذا التشريعات الوطنية، لم يفتها التعبير عن تعازيها الحارة لأسرتي العاملين المتوفين، ولكافة عمال مناجم عوام، داعية الجهات المسؤولة إلى «تحسين شروط العمل والصحة والسلامة، وترسيم كل العمال المستوفين للشروط المطلوبة، وتطبيق الحد الأدنى للأجور»، فيما شددت على «ضرورة احترام الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية، وكذلك احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عبر تعميم تسجيل كافة العمال، والسهر على تصريح المشغلين بكامل الأجور المسددة للعمال»، تضيف في بيانها. وبينما طالبت ب»تمكين كافة العمال من أجور عادلة تضمن لهم عيشا كريما لهم ولعائلاتهم، وتسمح بتطوير مستواهم المعيشي، أعلنت الجمعية الحقوقية عن تحميلها مسؤولية غياب شروط الصحة والسلامة، وهضم الحقوق العمالية، لكل من المندوبية الإقليمية لوزارة الطاقة والمعادن، المندوبية الاقليمية للتشغيل، ولعمالة إقليمخنيفرة، وباقي الأجهزة والسلطات والجهات المعنية بالسهر على تطبيق قوانين وأنظمة الشغل، مع تذكيرها بمذكرة 29 أبريل العام الماضي. ويشار إلى أن مناجم عوام التابعة للشركة المنجمية تويسيت (وعددها ثلاثة)، قد شهدت مصرع عاملين في غضون أسبوعين فقط، أحدها (عصام الراجي)، لقي حتفه، يوم الأربعاء 10 أكتوبر 2012، إثر صعقة كهربائية بباطن الأرض، وكان قيد حياته يشتغل لحساب مقاولة بالمناولة (سطار ميلتي ترافو)، أما العامل الثاني (مصطفى فوغالي) فقد لقي مصرعه، بعد زوال يوم الثلاثاء 23 أكتوبر 2012، بسقوطه في نفق أرضي (بئر) عمقه حوالي 60 مترا، حسب تقديرات مصادر «الاتحاد الاشتراكي» من المنطقة، حيث كان ينوي الصعود من باطن الأرض عبر أحد المصاعد المنجمية الصغيرة، غير أن القدر أوقع به في كف الموت لغياب شروط السلامة والوقاية من الأخطار، وهذا الأخير كان يشتغل قيد حياته لحساب مقاولة (كولد مين)، التي تباشر أشغالها بالمناولة من الشركة الأم، حيث الباطرونا منهمكة في استنزاف الثروات المعدنية للمنطقة، وفي امتصاص عرق وأرواح العمال بشتى أساليب الاستغلال بهدف الربح السريع. بينما سجل الانهيار الثاني، في حدود الساعة الرابعة والربع صباحا ، بالمدينة القديمة، بالضبط بدرب حمان الزنقة 4 المنزل رقم 9 الذي كان خاليا من سكانه. وحسب معطيات من عين المكان، فإن الشرطة ورجال الوقاية لم يصلوا إلى مكان الحادثين إلا بعد حوالي ساعة ونصف من الانهيار، حيث تم نقل الضحيتين إلى مستودع الأموات بمستشفى مولاي يوسف ، مع وضع حراسة أمنية بمحيط المستشفى تكلفت بها عناصر من الصقور. وتتزامن هذه الانهيارات مع نداءات المواطنين وأصوات المجتمع المدني، التي رفعت قبل هذه الانهيارات الجديدة ، والتي أكيد لن تكون هي الأخيرة، للمطالبة بإيجاد حل لسكان المدينة القديمة ومحيطها ، ومراقبة وضعية بعض المنازل الآيلة للسقوط. للأسف ،كل هذه الأصوات لم تجد لحد الساعة آذانا صاغية من لدن المسؤولين القدامى منهم والجدد الذين التحقوا مؤخرا لتدبير الشأن العام وإيجاد الحلول للاختلالات التي تعرفها عمالة مقاطعات الدارالبيضاء أنفا والمصالح التابعة لها ، خصوصا وأن الغضب بهذه المناطق المهددة بالانهيارات، لم يخمد بعد ، رغم التطمينات وإعلانات حكومة بنكيران، التي كانت التوجيهات الملكية الصادرة بخصوصها خلال شهر رمضان الأخير، واضحة في حل إشكالات هذا الملف.