قبل عدة سنوات انتشر بين نقاد الدراما السورية مصطلح «هجرة الفنانين السوريين» مشيرين إلى ظاهرة قيام عدد من نجوم الدراما السورية وبعض مخرجيها ببطولة وإخراج مسلسلات تلفزيونية في مصر. لم تكن الظاهرة في حينها واسعة الانتشار واقتصرت على عدد محدود من الممثلين والمخرجين، حتى أن بعضهم لم يقصر أعماله في حينها على مصر فقط بل شارك في أعمال سورية ومصرية في موسم واحد أو في فترات زمنية متقاربة، إلا أن ذلك كان كافيا لبعض النقاد للتحذير من موجة هجرة جماعية باتجاه مصر حيث الأجور أعلى والحضور الجماهيري أوسع والخبرة الفنية أقدم. ومن أبرز الفنانين السوريين الذين ظهروا في أعمال مصرية مهمة نذكر الفنان جمال سليمان الذي قام ببطولة أكثر من عمل، وتيم حسن، وسلاف فواخرجي، والمخرجة رشا شربتجي، وآخرين. واليوم تشهد الدراما السورية موجة هجرة جديدة إلا أنها تبدو أكثر خطرا في تأثيرها البنيوي على المسلسلات السورية، لأن هذه المرة تبدو قسرية حينا، وكخيار وحيد حينا آخر، أو بحثا عن فرصة عمل قد لا تتوفر في الداخل. وتشهد الهجرة الفنية السورية إلى الخارج هذه المرة أيضا، مغادرة نخبة من فناني البلد إلى وجهات متعددة، لا تقتصر على مصر فقط، فمنهم من ذهب إلى أوروبا ومنهم من وجد في مصر حضناً دافئا ومنهم من اتجه إلى دول عربية أخرى كلبنان والخليج. ويتنوع مهاجرو الموجة الجديدة بين مهاجرين لأسباب سياسية وآخرين لأسباب فنية، أو للاثنين معا، وأبرز هؤلاء نذكر مرة أخرى جمال سليمان في أرض الكنانة، إذ يبدو أنه أحرق مراكب العودة إلى سوريا قبل تغيير النظام السوري، وهاجمه بشدة في إطلالات إعلامية متعددة وكتب مقالين في صحيفة الحياة اللندنية خصصهما لانتقاد العقلية الأمنية المسيطرة على حكام دمشق. وتنوعت منافي المهاجرون لأسباب سياسية من الفنانين المعارضين للنظام السوري، بين فرنسا والأردن ومصر، ومن هؤلاء يارا صبري وفارس الحلو وسلافة عويشق وعبد الحكيم قطيفان ولويز عبد الكريم وعبد القادر المنلا وكاتبة السيناريو ريما فليحان وغيرهم. إلى ذلك، ظهر عبد القادر المنلا الذي خرج من سوريا منذ فترة قريبة، على شاشة قناة النيل في برنامجين حواريين ليشن هجوما كاسحا على السلطات السورية، ويعلن تأييده المطلق للثورة، أما لويز عبد الكريم فأصبحت من أبزر وجوه المعارضة السورية المقيمة في القاهرة وشاركت في عدد من الفعاليات التي أقامتها المعارضة في القاهرة سواء المظاهرات أو الإضرابات وغيرها. وضمت الهجرة الفنية اليوم أسماء بارزة، قد يشكل غيابها عن الدراما السورية ضربة موجعة، خصوصا في ظل التراجع الإنتاجي، وهروب لرأس المال إلى الخارج، ومنها سلافة معمار التي ظهرت في رمضان الماضي في مسلسل «الخواجة عبد القادر» إلى جانب يحيى الفخراني، إضافة إلى ظهورها في مسلسل سوري هو «أرواح عارية» على أن تظهر مجدداً في عمل مصري قيد التحضير، فيما لم يتوارد أي نبأ عن مشاركتها في عمل سوري، وكذلك، تنطبق الحالة نفسها على الفنانة كندة علوش التي تواصل تصوير «على كف عفريت» في مصر. كما سيتجه المخرج والممثل سيف الدين سبيعي إلى الدراما اللبنانية من خلال مسلسل «مراهقون» وهو الاسم الجديد ل«ولاد كبار» للكاتبة كلوديا مرشليان وإنتاج «مروى غروب»، أما الفنانة نسرين طافش، التي ستنتج وتقوم ببطولة مسلسل «العشق الإلهي» الذي يتناول سيرة رابعة العدوية فقررت الانتقال بالعمل إلى مصر حيث سيتم تصويره بالكامل هناك. أما المخرج حاتم علي، فقد يكون مسلسله الجديد الذي يتناول سيرة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، فرصة كبيرة لاستقطاب عشرات الفنانين والفنيين السوريين للعمل معه في تجربة مماثلة لمسلسل عمر الذي عرض رمضان الفائت، علما أن بطل مسلسل عمر، الممثل الشاب سامر إسماعيل، فضل البقاء في إمارة دبي بعد عرض العمل.