في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الفرنسية لحظر الذرة المعدلة وراثيا، بعد دراسة أظهرت خطرها على الصحة، تفضل الحكومة المغربية كالنعامة دفن رأسها في الرمال، متحاشية الحديث بصراحة عن الكميات الهائلة من الذرة التي تستورد من الولاياتالمتحدةالأمريكية والبرازيل والمكسيك، دون خضوعها للمراقبة مستغلة فراغا قانونيا فظيعا في هذا الجانب والذي يهدد صحة ملايين المغاربة. بينما يدعي المسؤولون المغاربة، ومن ضمنهم مدير مركز السلامة الغذائية وبعض مندوبي وزارة الفلاحة، بأن المغرب غير معني بهذا المشكل لأنه أصلا يتوفر على قانون يحظر استيراد المنتوجات الزراعية المعدلة جينيا، تمكنت «الاتحاد الاشتراكي» من الحصول على وثائق تتضمن معطيات في غاية الخطورة تفند جملة وتفصيلا ادعاءات هؤلاء المسؤولين المغاربة، وتفضح بالأرقام حجم هذه المنتوجات التي تتدفق على موانئ البلاد سنويا وتحت أعين المراقبة الصورية للسلطات، وكيف يتم الالتفاف على القوانين غير الواضحة. وتكشف الوثائق التي بين أيدينا، وهي عبارة عن تقارير صادرة عن مكتب المصالح الخارجية لوزارة الزراعة الامريكية، ويعود آخرها إلى 9 يوليوز 2012 ، أنه وفقا لبيانات التجارة الامريكية، بلغت الواردات المغربية من المنتوجات الزراعية الغذائية من الولاياتالمتحدة رقما قياسيا في عام 2011 حيث بلغت قيمة هذه الواردات 932 مليون دولار، وتتكون هذه المنتوجات في أكثر من 90 في المائة منها من حبوب الصوجا ومنتجات فول الصوجا والذرة ومنتجات الذرة المهيأة بيولوجيا، والقمح بنوعيه : الصلب واللين، والبذور الزراعية. وأوضح ذات التقرير بأن دول أمريكا الجنوبية مثل الأرجنتين والبرازيل هي أيضا من كبار الموردين لمنتجات فول الصوجا والذرة وإلى المغرب. وتشير هذه التقارير، وكلها محررة بالإنجليزية، إلى أن التكنولوجيا الحيوية «لا تزال قضية حساسة سياسيا في المغرب، رغم عدم وجود التشريعات المعتمدة بشأن إدخال واستخدام وتسويق المواد المعدلة وراثيا.» وتقول أنه رغم كون المغرب صادق في 25 أبريل 2011، على بروتوكول قرطاجنة للسلامة الإحيائية الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في يوليوز 2011، فإن المغرب لم يوقف استيراد هذه المنتوجات بشكل نهائي. وتوضح الوثائق ذاتها أن هناك فعلا «مذكرة داخلية صادرة عن وزارة الفلاحة المغربية منذ 1999، تحث على ضرورة إلزام الموردين للمواد الزراعية المعدلة جينيا بضرورة وضع عينات من هذه المنتجات لدى مختبرات الوزارة الوصية قبل الترخيص لهم بإدخالها إلى السوق الوطني أو منعها، فإنه رغم ذلك لم يتم أبدا تطبيق هذه المذكرة» . ويقول واضعو التقارير الأمريكية إن المستوردين المغاربة كانوا في وقت سابق قد عبروا عن مخاوفهم إزاء هذه المنتجات، وطالبوا الشركات الموردة لهم بتوضيح الصورة أمامهم ، غير أن الأمريكيين اعتبروا أنه من الأفضل أن يكون ثمة قرار لا يتم تطبيقه على أن يتم إصدار منع صريح يخلق الجدل، وقد يضر بمصالح المصدرين الأمريكيين والمستوردين المغاربة على حد سواء. وحول هذا الوضع القانوني لهذه المنتجات في الوقت الراهن، تقول التقارير « إن المغرب ليس لديه إطار تشريعي أو تنظيمي متعلق بالتكنولوجيا الحيوية، سواء للإنتاج المحلي أو للواردات من السلع في مجال التكنولوجيا الحيوية». وأضافت « أنه في عام 2008قد تم إرسال مشروع القانون بشأن إدخال واستخدام وتسويق المواد المعدلة وراثيا من قبل وزارة الفلاحة لإعادة النظر فيه من قبل مختلف الوزارات المعنية (الصحة، وغيرها) على أساس أن يكون هناك اتفاق على مضمون القانون بين الوزارات المعنية، ثم تم إرسال هذا القانون إلى الأمين العام للحكومة للموافقة التشريعية عليه. وقد وضعت الأمانة العامة بعض الملاحظات عليه ثم أرجعت مشروع القانون إلى وزارة الفلاحة لعرضه على الفاعلين، وفتح النقاش حوله بين المؤسسات الحكومية ذات الصلة غير أن الأمر توقف عند هذا الحد. واعتبارا من يوليوز 2011، لم تقدم وزارة الفلاحة أي اقتراح حول مشروع القانون الجديد للتكنولوجيا الحيوية رغم أن الحكومة المغربية صادقت على بروتوكول قرطاجنة للسلامة الأحيائية في 25 أبريل 2011 . وكانت دراسة فرنسية قد أظهرت أن الذرة المعدلة وراثيا يمكن أن تسبب أمراضا شديدة للفئران، على رأسها أورام سرطانية وأمراض في الكلى والكبد. وقام عدد من الباحثين تحت إشراف جيليس ايريك سيراليني بإطعام فئران لمدة عامين بالنوع «ان كيه 603» من الذرة الذي تنتجه شركة مونسانتو للمنتجات الزراعية، وهو نوع حاصل على ترخيص في أوروبا، وأطعموا فئرانا أخرى بنوع آخر من الذرة من إنتاج شركات أوروبية، وهو نوع تتجنبه شركات صناعة الأغذية في أوروبا، حسبما أشار الباحثون في دراستهم التي نشرت نتائجها يوم الأربعاء مجلة «فود آند كيمكال توكسيكولوجي» المتخصصة. وقال الباحثون إن الفئران التي تغذت على الذرة المعدلة وراثيا أصيبت بأورام سرطانية أكثر من الفئران التي تغذت على الذرة العادية، وماتت قبلها أيضا. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إنه تمت إحالة نتائج الدراسة إلى هيئة «إيه إف إس إيه» الأوروبية للأمن الغذائي. وبحسب الهيئة، فإن هذا النوع من الذرة حاصل على ترخيص كمادة خام للاستخدام في الصناعاتالغذائية في أوروبا، غير أن الهيئة رفضت التعليق على الدراسة قبل النظر فيها. ووفقا للهيئة، فإن الذرة «ان كيه 603» غير مرخصة كبذور للزراعة في أوروبا، ولكن كمادة خام للاستخدام من قبل شركات الصناعات الغذائية فقط. وفي معرض تعليقه على الدراسة، قال كريستوف تين من معهد «تيست بيوتك» لاختبارات التقنيات الحيوية إن شركات صناعة الأغذية في أوروبا ستتجنب هذا النوع من الذرة المعدلة وراثيا حتى وإن كانت مرخصة، وأنها ستضطر لتمييز منتجاتها بشكل إضافي وفقا للوائح الأوروبية الخاصة بالأغذية المعدلة وراثيا.