في سنة 2011، أنجزت أنيك كوجان، الصحفية في جريدة لوموند، تحقيقا صادما في ليبيا، نشر يوم 16 نونبر تحت عنوان «الأمة الجنسية للقدافي» تحكي فيه قصة الشابة «ثريا» 22 سنة، التي تم اختطافها واحتجازها منذ سن 15 سنة. الصحفية عادت هذه السنة إلى ليبيا لاستكمال تحقيقها. في كتابها »»الفرائس» تحكي، انطلاقا من قصة ثريا، قصص فتيات اخريات، حصلت خلال عملها الصعب على العديد من الشهادات. فيما يلي مقتطفات صادمة من هذا الكتاب... الكاتبة عادت لزيارة المدرسة التي اختطفت من داخلها »ثريا« في مدينة سرت. مدير المدرسة استشاظ غضبا عندما أثارت أنيك كوجان قصة ثريا، وزعم أن القائد لم يزر أبدا هذه المدرسة. «كنت على وشك مغادرة المكان، عندما لمحت فجأة في قاعة صغيرة تطل على مسطحة فسيحة بالطابق الأول مجموعة من المدرسات الشابات (...) مباشرة بعد إغلاق الباب، تحولت القاعة الصغيرة المليئة بشعارات الثورة إلى جلبة. كن يتكلمن في نفس الوقت، يتنافسن في سرد الحكايات، والذكريات والغضب. إحداهن بدأت حكاية، تقاطعها أخرى بتفاصيل أدق قبل أن تتدخل ثالثة بدورها وتصيح» »انتظروا لدي ما هو أفظع« ,كنت أجد صعوبة في تدوين ما أسمع. كان الأمر كما لو أنك حررت نهرا هادرا. اختطاف فتيات «مدينة سرت كلها كانت تعلم» سرت مدينة القدافي، حاولت فتاة جميلة بعينين يزينها الكحل وحاجبين رقيقين، أن تشرح لي» »كانت له (القدافي) سلطة على سكان مدينته، قبيلته، عائلته: كانت المدرسة تعلمنا على نهجه، ولكن الجميع كان يعلم أنه أخلاقياً شخص حقير، وكاذب من يزعم أنه كان يجهل ذلك,« صديقاتها الخمسة أيدن كلامها كلياً. كن غاضبات من الكلام الذي قاله لي المدير» المدير السابق فر بعد أن كان ضمن الدائرة المقربة من أنصار القدافي. للأسف، القادة الجدد من نفس الطينة، كما كان مديرنا قبل أن نطالب الوزارة برحيله، وقلنا إنه يواصل انتقاد التدخل الغربي في ليبيا ويسمم عقول الصغار«« تؤكد إحدى الشابات أنها كانت طالبة مع ثريا في الثانوية وأنها رأت بعينها القدافي »يتبختر« في قاعة الألعاب بالثانوية، لا تتذكر ثريا، ولكنها كانت جازمة. القائد جاء بالفعل إلى الثانوية (...). تؤكد الفتيات أن كل المناسبات كانت سانحة له للقاء الشابات. كان يستدعي في آخر لحظة إلى حفلات الزواج, تقول إحداهن »أغلب المدعوين كانوا يحسون بالفخر. لكن أعمامي رغم أنهم من عائلته، كانوا يمنعونني من الظهور أمامه«. كان يدعو التلاميذ الى زيارة كتيبة السعدي باستمرار، حيث يوجد مقر إقامته، من أجل حفل أناشيد, »توجهت إلى هناك صحبة المدرسة ليومين متتاليين، ثم منعني والداي من العودة الى هناك. شرح لي أخي قائلا: »إنه مكان كل المخاطر، إذا لم يأت الخطر منه هو، فإنه يأتي من حاشيته، من القياديين من الحرس، من أي عسكري، وأخلاقه معدية!«. كان يتودد لكي تأتي التلميذات لعيادته »»كان عمري 16 سنة, وكنت تلميذة في ثانوية الفكر التقدمي، عندما أخبرنا الأستاذ أن »بابا معمر« كان مريضاً. وتم جلب حافلة لتنقلنا إلى الثكنة حيث استقبلنا تحت خيمة. كان يلبس جلباباً أبيض عانقنا الواحدة بعد الأخرى. كنا خائفات لكنه لم يكن يبدو مريضاً!«. تتذكر أخرى أنها اقتيدت من طرف مدرستها إلى نفس الكتيبة لتحية العقيد الشادلي بنجديد الرئيس الجزائري »كان دائماً في حاجة إلى محيط من الفتيات الشابات، كنا نستعمل في الدعاية وإشباع هوسه«. ذات يوم، تحكي إحدى المدرسات، نظم فصيل من مصراتة حفل ولاء كبير للقائد. كان يعشق هذا النوع من الاحتفالات، وكان دائم القلق تجاه دعم مختلف القبائل. وهناك لمح فتاة شابة في اليوم الموالي جاء الحراس ليأخذوها من المدرسة. رفض المدير: لم يكن الوقت مناسبا، كانت تجتاز امتحانا، ولكن في نفس الليلة تم اختطافها خلال حفل زواج. اختفت ثلاثة أيام، اغتصبت خلالها من طرف القذافي. و بمجرد عودتها تم تزويجها لأحد حراسه الشخصيين. والدي، وهو أستاذ هو من حكي لي ذلك وترجاني أن احتاط. دقت ساعة الدرس، أسرعت المدرسات، وهن يطلبن مني عدم نشر أسمائهن. لا شيء سهل في سرت. العديد من سكناها يتحدثون بمرارة وتشاؤم عن اندحار مدينتهم، مقتنعين بأن السلطة الجديدة لن ترحم لهم هذه العلاقة الدفينة مع من كان القائد. الدكتور فيصل كرينكشي لم يكن يتصور ما سيكتشفه في نهاية غشت 2011، عندما استولى صحبة مجموعة من الثوار على جامعة طرابلس. تلقى تكوينه في إيطاليا، وفي الثانوية الملكية بلندن. هذا البروفيسور المختص في أمراض النساء (55 سنة) الهادئ والمتزن، لم يكن يجهل فساد النظام الجامعي، وشبكات المراقبة والوشاية التي أقامتها اللجان الثورية، الآلة الدعائية الضخمة التي تشكلها مختلف الكليات. ويعرف كم كانت حية في أذهان السكان، ذكريات الإعدامات العمومية للطلبة سنة 1977 و 1984، ويعلم أنه لا يمكن تصور أي مسار جامعي دون إعطاء ضمانات بالولاء التام للنظام. وبالتالي لم يفاجأ عندما اكتشف بعد ليلة من المواجهات في الحرم الجامعي، سجنا مؤقتا مكونا من حاويات لنقل البضائع، مكتبا لرئيس المخابرات الرهيب عبد الله السنوسي، وأدراجا مليئة بالمعلومات عن عشرات الطلبة والأساتذة مع لائحة بأسماء الأشخاص الذين تجب تصفيتهم. ولكن ما اكتشفه صدفة، عندما فتش في أركان الجامعة بحثا عن قناصة محتملين، وعندما كسر أبواب شقة سرية تقع تحت المدرج الأخضر الذي كان يحب القذافي عقد المؤتمرات فيه، ما اكتشفه كان أكبر مما كان يتوقعه، وجد ممرا يؤدى إلى قاعة استقبال مليئة بالآرائك الجلدية، ثم ممرا يقود إلى غرفة نوم بدون نوافذ مغطاة بالخشب وسرير كبير لشخصين معد ومغطى بغطاء، وعلى الجانب زرابي مزركشة رخيصة، وعلى جانبيه دولابان وضعت عليهما مصابيح تعطي لونا برتقاليا خافتا. وبجانب الغرفة حمام مجهز بصنابير ذهبية. اكتشاف غريب يشبه غرفة دعارة، في مؤسسة مخصصة للدراسة وتعليم الكتاب الأخضر. كانت شقة عزاب، لكن الغرفة التالية هي ما أثار الزوار و جمدني، حين حان دوري لاكتشاف المكان. في مواجهة الغرفة، كان هناك باب ينفتح على قاعة فحوصات جينيكولوجية تامة التجهيز. هناك سرير بركابين، مصباح كاشف، أجهزة راديو، أجهزة مع كتيب بالانجليزية يشرح طريقة الاستعمال... لم يستطع الدكتور «كراكشي» رغم تحفظه قادرا على إخفاء امتعاضه. «كيف لا يمكن أن تُصدم و تضطرب؟» قال لي هذا الاختصاصي الشهير، الذي تم تعيينه رئيسا للجامعة بعد الثورة. «لاشيء يبرر وجود مثل هذه التجهيزات. حتى في حالة الاستعجال القصوى فإن مركز أمراض النساء و التوليد بالمستشفى موجود على بعد مائة متر لا غير. إذن لماذا؟ ما هي الممارسات اللاشرعية و غير السوية التي يتم إخفاؤها عن الأنظار؟ هناك إمكانيتان: عمليات إجهاض و إعادة تركيب البكارة، و هما معا ممنوعتان في ليبيا. و دون النطق بكلمة «اغتصاب» أنا مضطر لتخيل سلوك جنسي غير سوي» كان يتكلم بصوت هادئ يقيس كل كلمة ينطق بها، واعيا بفظاعة اكتشافه.هو نفسه اعترف لي بأنه كان طبيب النساء الخاص بابنتي القذافي، عائشة و هناء.»هذا يجعلني في وضعية غريبة، فعائلة القذافي كانت تحترم كفاءتي و لم أكن أطلب شيئا آخر. في بعض الأحيان، كانت البنتان تعبران لي عن استغراب والدهما من سلوكي:لم يكن يطلب سيارة؟ و لا منزلا؟ لم أكن أريد شيئا». كان يعرف هوس معمر القذافي بالفتيات الصغيرات.لقد سمع حديثا عن «اللمسة السحرية»، هذه اليد التي يضعها فوق رأس فرائسه كي يُعلم حراسه الشخصيين. لكنه كان يعلم بأن العادات الجنسية للقذافي كانت من المحرمات الكبرى. فلا أحد يُخاطر بإثارة الموضوع أو بتحذير الطالبات أو بتنظيم طوق أمان عليهن. أما بالنسبة لضحايا المفترس، فلم يكن أمامهن سوى الصمت ومغادرة الجامعة بهدوء. فتقدير عددهن كان صعبا. وفي اليوم الذي اكتشف فيه الدكتور «كراكشي» الشقة وجد فيها ثمانية أو تسعة أقراص مدمجة تتضمن أشرطة اعتداءات جنسية اقترفها القائد في الشقة نفسها.لكنه اعترف فورا بأنه كسرها. لماذا؟ أليست هذه دلائل كان من الضروري الحفاظ عليها؟ «ضعي نفسك في السياق الذي كنت فيه» يقول الدكتور, «كانت الحرب لا تزال مضطرمة. لم أكن أضمن بأن هذه التسجيلات لن تسقط في أياد لامسؤولة تستخدمها للضغط أو الابتزاز, كان همي الأول هو حماية الشابات الصغيرات» جواب غريب و مسؤولية ثقيلة. ألم يكن للعدالة أن تتخذ مثل هذا القرار؟ فالكشف عن وجود شقة للقذافي داخل الحرم الجامعي نفسه كان صادما. لكن الألسنة لم تتحرر تماما. يتم شتم الدكتاتور و يتم الدوس على صوره في مداخل القاعات الدراسية، بيد أنه ما أن أحاول فتح النقاش مع الطالبات لمعرفة المزيد حتى يتركنني دون جواب، بل أن أحد الطلبة الذي كلفته باستمزاج إمكانية الاستزادة بعث لي رسالة نصية «أتخلى عن المهمة تابو» بالضرورة هناك شهود، أناس لاحظوا عناصر مشبوهة أو سمعوا عن التحرش بالطالبات، أليس هناك شخص واحد يشجب النظام؟ بدا لي رئيس تحرير يومية «ليبيا الجديدة» الشاب هو الوحيد المُصمم على كسر الصمت. حكى لي قائلا :»كانت لي صديقة، تنحدر من عائلة ذات أصول قروية بمنطقة العزيزية، جاءت لتدرس الطب بطرابلس.و بمناسبة إحدى زيارات القذافي للجامعة، وضع يده على رأسها، و في الغد جاء حراسه الشخصيون إلى منزلها كي يُخبروها بأن القائد اختارها كي تصبح حارسة ثورية.رفضت العائلة، فانهمرت التهديدات على شقيقها. وافقت الفتاة على ملاقاة العقيد، فتم اغتصابها و احتجازها لمدة أسبوع ثم أُطلق سراحها مع غلاف مالي.شعر أهلها بالإهانة فلم يقبلوا بعودتها إليهم، و بما أن العودة للجامعة لم تعد ممكنة أصبحت الفتاة ضائعة.واليوم تشتغل رسميا في تجارة السيارات، ولكن الواقع أنها تعيش من المتاجرة بجسدها».