تابعت زيارة وفد منظمة روبرت كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان، للمنطقة، أي للصحراء المغربية ولتندوف في الجنوب الجزائري، واطلعت على مختلف المواقف سواء تلك الصادرة عن المدافعين عن مغربية الصحراء أو تلك الصادرة عن المناهضين لها. لكن ما أدهشني كثيرا هو المنهجية الذي تبنتها رئيسة المنظمة، كيري كينيدي، لمهمتها، التي تقول إنها تهدف الى" تقييم وضعية احترام حقوق الإنسان بعين المكان، في المناطق الصحراوية التي يراقبها المغرب، و في مخيمات تندوف". هذا ما ذكر حرفيا في الموقع الإلكتروني، التابع للمنظمة. من الواضح أن الذي يتنقل الى منطقة معينة لتقييم ممارسة حقوق الإنسان، فإنه ينتظر نهاية البحث الذي ينجزه، عبر لقاءاته مع مختلف الأطراف ومعاينته للوضع، وبعد ذلك يقوم بالتحليل والمقارنة، ويستخلص النتائج المقاربة للحقيقة، التي تستند على مناهج العلوم الإنسانية والقانونية، المعروفة لدى المنظمات الحقوقية. غير أن ما سجلناه على أسلوب المنظمة المذكورة، هو الانحياز التام لأطروحة الجزائر والبوليزاريو. وحتى يتأكد القارئ مما نقول، فما عليه إلا أن ينقر على الحاسوب اسم المنظمة، ليكتشف في صفحته الأولى صورة أمينتو حيدر، مع لافتة مكتوبة باللغة الإسبانية تقول "ندافع عن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي". ومن لا يعرف امينتو حيدر نخبره بأنها تعيش في مدينة العيون، في أمان، وتدافع عن اطروحة البوليزاريو، وقد أقام عندها أعضاء من الوفد المرافق لكيري كينيدي، الأمر الذي يخالف كل أعراف الحياد لدى البعثات الحقوقية، التي تدعي أنها جاءت "لتكتشف الحقائق في عين المكان". وسنكون ساذجين إذا انتظرنا من الوفد، في تقريره النهائي، أن يقارن بين وضعية أمينتو حيدر ووضعية مصطفى سلمى، الذي اعتقل في تندوف قبل أن يطرد منها، لأنه أعلن مساندته لمقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب. ملامح التقرير النهائي، تبدو واضحة من الآن، ليس من خلال رفض كيري كينيدي اللقاء بضحايا انتهاكات البوليزاريو، فقط، ولكن على الخصوص مما نقلته الصحافة الجزائرية، في تغطيتها لوقائع زيارتها لتندوف. نقتطف منها ما نشرته جريدة الوطن الجزائرية، التي نشرت أن كيري كينيدي، قالت في مستهل لقائها مع الاتحاد الوطني للنساء الصحراويات، "كنا في الأراضي المحتلة، حيث قضينا ثلاثة ايام كاملة مع أمينتو حيدر، إنها تبلغكم تحياتها الحارة، وتقول لكم إنها تنتظر بفارغ الصبر يوم اللقاء بكن. أميناتو حيدر بطلة". ماذا ننتظر من رئيسة منظمة تقدس أحد اطراف النزاع؟ حتما ستتبنى وجهة نظرها حرفيا، وهكذا سيكون التقرير النهائي للزيارة، الذي سيقدم للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وللحكومات الأمريكية والفرنسية والاسبانية والمغربية. أما إحدى عضوات الوفد، المكلفة بالمرافعة في المنظمة، مارسيلها كونسالفيس مارغورين، فقد "أصابتها نوبة بكاء حادة"، وهي تستمع الى شهادات النساء الصحراويات، حسب الجريدة. وهذه أول مرة في حياتي أطلع فيها على سلوك وفد حقوقي، من المفترض اتسامه بالموضوعية والحياد، يبكي أعضاؤه لدى سماعه لشهادات، قد تكون صحيحة أو كاذبة، ويتعاطف معها الى حد البكاء، قبل أن يحقق فيها. لقد عاش المغرب وضعا مماثلا مع منظمة "فرنسا الحريات"، التي كانت ترأسها، مدام ميتران، والتي كانت متحيزة ضد المغرب، الى أبعد الحدود، وكانت لا تخفي تعاطفها مع البوليزاريو. غير أن الفرق آنذاك هو أن المغرب واجهها بقوة، وفضح مزاعمها. اليوم حاول المغرب التحلي بالتسامح مع منظمة كيري كينيدي، المعروفة بتبنيها التام لأطروحة البوليزاريو، وسمح لها بزيارة الأقاليم الصحراوية، مدعية أنها تقوم ببحث "موضوعي ومحايد"، لممارسات حقوق الإنسان في المنطقة، أي في الصحراء و مخيمات تندوف، لكن التجربة أتثبت أن الممارسة مخالفة للأقوال، وأننا أمام زيارة دعائية، لا تخفي هدفها الحقيقي، وهو إضافة صلاحية مراقبة حقوق الإنسان لبعثة الأممالمتحدة، المينورسو، في اتفاق تام مع ما تدافع عنه الجزائر والبوليزاريو. وكان على المغرب أن يمنع هذه المنظمة من زيارة المناطق الصحراوية، رغم ضغط الديبلوماسية الأمريكية، بحجة أن الحزب الديمقراطي الذي يستعد لاستحقاقات انتخابية، يريد تجنب المشاكل مع كيري كينيدي. فمنظمتها ليست حقوقية، على الأقل في مقاربتها لقضية الصحراء، بل هي دعائية ومتحيزة، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من المنظمات "الحقوقية" الإسبانية التي منعها المغرب، لأنه يعرف مسبقا أنها مساندة للبوليزاريو، كما هو الحال بالنسبة لكيري كينيدي. لذلك من المحبذ أن يتجنب المغرب مستقبلا السقوط في مثل هذه المآزق، ويمكن للحكومة أن تقدم احتجاجا واعتراضا رسميا على نتائج بعثة منظمة بعثة كيري كينيدي، ولها من الحجج ما يكفي لذلك.