تتكون لدى المشاهد المغربي صورة مثالية عن الممثل والفنان وتزيده الصورة الإعلامية هيبة وتضفي عليه هالة من الاحترام والوقار، غير أن التلفزيون الرمضاني الأخير عمل على كشف كواليس الأعمال الفنية المنجزة، وهي الجانب الخفي الذي يهيء العمل الدرامي سواء على المسرح أو التلفزيون أو السينما، إنه الجزء غير الظاهر من كومة الجليد العائمة تحت سطح البحر، لقد فكر طاقم التصوير سواء في «ياك حنا جيران» أو «ماشاف مارا» كنموذج على إبراز ماوارء الكاميرا على أساس الدعابة الخفيفة وإشراك المتفرج لحظات التصوير التي تتميز بوقوع الممثل في مواقف هزلية، ومن خلال مقارنة بسيطة استطاع الزميل عزيز الساطوري في يومية «الاتحاد الاشتراكي» أن يخطف كواليس حياة الفنان المسرحي عبد الإله عاجل من خلال إعادة الحفر في الذاكرة الخفية لأهم اللحظات التي ساهمت في صناعة ممثل من طراز عاجل، إنها الكواليس التي جعلتنا نعرف لأول مرة أن عاجل ترك جنازة أبيه وفاء لجمهور حجز تذاكر المسرحية وعرفنا كذلك أنه استيقظ ليلا لكي يكتب على الحائط جزء من رائعة «حسي مسي» بأحمر شفاه زوجته لأن الكهرباء كان مقطوعا عن المنزل، وتعرفنا على الصدفة الجميلة التي قادته للازمة مسرحية مشهورة هي كلمة «قنبولة» في نفس المسرحية، كما استعدنا كواليس مسرحية «بنت البرنوصي» وهلم جرا ... إنها كتابة مكولسة تجعلك تحس بقيمة الفنان وبالدوافع والظروف الخفية التي ساهمت في إخراج تحف فنية ك«العقل والسبورة» و«شرح ملح» و«حسي مسي» وتدرك لا محالة المحن التي يمر بها الفنان قبل صعود نجمه، هكذا يمكن أن تعمل الكواليس على تجاوز لحظتها وتصبح امتدادا معنويا راسخا في ذاكرة القارئ والمشاهد معا. لكن بالنسبة للدراما التلفزيونية فسوء اختيار المواقف يجعل الكولسة كوبسة مزعجة فارغة من المضمون، والإكثار منها يسيء إلى حرفة الفنان ويقلل من هيبة المتفرج تجاهه كما تخفي هاته الكواليس حقيقة البلاطو والصعوبات التي تعترض طاقم التصوير والأداء، في حين أن اختيار أجودها وأشدها تعبيرا يمكن أن يرفع من قيمتها الفنية اذ أنها تكون في كثير من الأحيان مثل المساحيق التي توضع على وجه امرأة قبيحة أو خاتم العريان أو مشط الصلعاء، إن المتفرج المغربي له من الذكاء الفني الراقي ما له، لذا من الأجدى احترام هذا الذكاء وعدم العبث بغرائزه عبر توظيف صور مجانية لملء مساحات شاغرة، بل إذا عملنا على جعل الكواليس امتدادا جماليا للعمل بشرط صياغتها بذكاء وغربلة أجودها دون إطناب كفيل بالرفع من جودتها، وليس من الضروري أن تصبح طقسا يوميا تلزم كل حلقة من الحلقات، يجب التركيز على تلك اللحظات الإنسانية الصادقة داخل الكواليس دون ابتذال أو تكلف، وإذا لم تتوافر لنا شروط عرض الكواليس فيمكن الاستغناء عنها والتركيز على العمل في حد ذاته.