«العين الزرقاء لمسكي» بالرشيدية، مسبح و منتزه سياحي ذو مواصفات طبيعية هائلة ، نال بفضلها شهرة محلية وعالمية، لا تكاد تخلو المطويات و الكتيبات التعريفية الخاصة بالمغرب السياحي من ذكره. كل الاتجاهات تؤدي إلى مسبح العين الزرقاء لمسكي بالنسبة لساكنة الرشيدية، لأنه المتنفس الوحيد لهذه الساكنة التي تفوق مائة ألف، خاصة إذا علمنا أن الرشيدية تفتقر إلى مسبح عمومي، والوحيد الموروث من الحقبة الاستعمارية يخضع اليوم إلى التأهيل. يبعد المسبح الطبيعي عن الرشيدية بحوالي 20 كلم، تحتضنه جماعة مدغرة القروية،إلى الجنوب الشرقي،على الطريق الرئيسية رقم10 المؤدية إلى الريصاني و مرزوكة منتجع الكثبان الرملية. تتراءى العين الزرقاء من الأعلى و كأنها نقطة من بحر وسط واحة من النخيل الباسق أطرافها قاحلة و مشمسة ، قبل أن تنزل إليها عبر بوابة خاصة للسيارات في منحدر غير مبلط، يؤدي إلى العين عبر طريق ضيقة و متموجة بأشجار النخيل ، و كأن وضعها يوحي بأن الزائر يلج مغامرة البحث عن منتجع صيفي ذي مسبح طبيعي مياهه زرقاء صافية ، وسط أشجار النخيل التي تحجب الشمس لكثافتها و طولها، وما أن تخرج من المنعرجات حتى تبصر عيناك المسبح الموهبة الطبيعة المنبثقة من بين أشجار النخيل التي تحفها و تطل عليها من جميع الجنبات لتحتضنها وكأنها وصية عليها. متعة الرحلة إلى مسكي في الطريق إلى العين الزرقاء، تستهويك أفواج من المتعطشين للاستحمام خاصة من شباب المدينة الذين لا مسبح بمدينتهم، فيخرجون إلى قارعة الطريق فرادى و جماعات ، للظفر بسيارة أجرة كبيرة تقلهم إلى العين، أو «شي مرضي الوالدين» الذي يحن إليهم، تراهم يتسارعون يمينا وشمالا رغم حرارة الشمس وتحت قيظ قد لا يحتمل عند الكثيرين منهم، فتراهم يلوحون من بعيد وهم مستقرين تحت ظل شجرة يكاد يكون خافتا. بمدخل عين مسكي يصادفك حاجز واقع بين نخلتين يحرسه شخصان مكلفان بتحصيل واجب الدخول الذي لا يتعدى 5 دراهم للفرد، يرفع الحاجز وتتجه نحو الداخل الذي يستقبلك بمحلات «البازارات» حيث تعرض أنواع من الصناعات التقليدية المحلية المعدنية و الخزفية والصوفية و غيرها ، التي غالبا ما تكون من صنع محلي أو تم جلبها من تعاونيات نسائية تشتغل بالمنطقة. بجوارها مقر للدرك ثم موقف للسيارات وأرض للتخييم غير مؤهلة و لا معشوشبة رغم وفرة المياه، غير تابع للمسبح حيث تفاجأ عند توقف سيارتك، بشخص يطلب منك إن كنت تريد التوقف على أرضه، أو التخييم عليها قصد الأداء كذلك، لأن المنطقة التي يقع عليها المسبح الطبيعي هي في ملكية سكان قصر مسكي أحد قصور جماعة مدغرة القروية. ما يثير انتباه الزائر للعين الزرقاء التي يوجد بها مسبحان واحد خاص بالكبار وثاني للصغار،إضافة إلى الكهف التي تنبع منه سبعة أعين تزود المسبح الرئيسي بالمياه العذبة والباردة إضافة إلى الأسماك «المقدسة» التي يحرم اصطيادها، كما هو متعارف عليه منذ أن ظهرت هذه العين مطلع القرن الماضي ، هو حملها ما لا تطيق من المستحمين و تكديسهم وسط العين ما يحول مياه المسبح العذب الزلال إلى ماء «مخوض» غير صافي، حتى أن الحيتان المقدسة الموجودة بالعين تختفي في الكهف المقابل للعين. جنبات المسبح تعج بالمنتظرين دورهم للظفر بوقت و لو قصير للاستلقاء في الماء ولو أنه يزعج البعض لبرودته الزائدة. الجديد هذا الموسم بالعين الزرقاء لمسكي وجود شابين يرتديان لباسا موحدا، دورهم تنبيه المغامرين من رواد المسبح خاصة من الشباب المتهور الذين تعودوا تسلق النخيل المطل على المسبح للقيام بقفزات بهلوانية قد تتحول إلى مأساة ،كما أن أعين هؤلاء تترقب بإمعان الأطفال الصغار وهم في مسبحهم المعد للفآت العمرية الصغرى، ما يوحي أن الجهات المشرفة قد استجابت للنداءات المتكررة بتوفير حراس السباحة. المكانة التي تحتلها العين الزرقاء لدى ساكنة الرشيدية و القصور المجاورة ، مكانة تكاد تكون مقدسة، إذ تعتبر الملاذ الوحيد للاستحمام و الاسترخاء و الابتعاد عن ضوضاء المدينة والمنازل، لأنها موهبة من الطبيعة وسط منطقة شبه صحراوية، لم تتأثر بسنوات الجفاف الطويلة، وتظل مقصدا للزوار بمختلف مشاربهم، لكن المشرفين عليها، الجماعة القروية مدغرة ، غير مكترثة بالدور الذي تلعبه العين في المجال السياحي ، و التنموي، تاركة المجال عرضة للتسيب و الفوضى، الشيء الذي يفوت الفرصة على الجماعة وسكان المنطقة من تبوء العين الزرقاء المكانة التي تستحقها ،لو أن المكان تحول إلى مزار و محج، ليس فقط للاستحمام و العوم، ولكن لقضاء أيام و ليالي في فندق أو في منازل للكراء الغير موجودين أصلا ، كما هو الحال بمسابح سيدي احرازم و مولي يعقوب و حتى بحماة مولي اعلي الشريف القريبة من الرشيدية. لتتبوأ مكانتها اللائقة بها في مصاف المنتجعات السياحية الوطنية. بالرغم من الأعداد الهائلة من الزوار الذين يقصدون المسبح الطبيعي للعين الزرقاء، فان هناك ضعفا كبيرا في البنية التحتية ، حيث لا يوجد سوى مقهى واحدة تابعة للجماعة، غير مؤهلة لتحقيق طلبات المستحمين، وخاصة الزوار الأجانب، غياب حاويات لجمع الأزبال و النفايات في محيط المسبح، أدى إلى انتشارها في كل مكان و تناثرها هنا و هناك لتغيب النظافة المطلوبة بالمحيط، غياب رشاشات و مراحيض وهو ما يتنافى مع وجود مسبح عمومي، فضاءات المسبح المتناثرة وغير منظمة و أشجار النخيل تبقى المحتضن الوحيد لأغراض المستحمين و متاعهم و مستودع ملابسهم. يطوف الزوار بالمسبح و بمحيطه طولا و عرضا، غير آبهين بصعوبة الممرات المكتظة،، لكن حين يشرفون على توديعه ، لا ينسوا أخذ هدية و لو بسيطة كتلك التي ينسجها الأهالي من سعف النخيل، بالإضافة إلى عشرات الصور التي تؤرخ لمرورهم من هذا الفضاء الرائع.