تتعمد القناة الأولى والثانية على جلدنا كل رمضان وتنتقم من غيابنا الاضطراري على مشاهدتهما طيلة السنة، بالتواطؤ مع نفس شركات الانتاج وعبر تدليل منقطع النظير للفتى الأول للقناة الثانية نبيل عيوش الذي يصر على نقل تفاهاته من السينما الى التلفزيون، وللأسف انقاد نحو هذه التفاهة أسماء نكن لها كل الاحترام الفني كالفنان محمد البسطاوي. لقد أصبحت السطحية وافساد الذوق والسعي نحو استبلاد المشاهد المغربي وتعميق هجرته شرقا وغربا تقليدا سنويا، والأكيد أن وراء هاته الموجة الموسمية أسبابا ودواعي لايعرف أسرارها الا المالكون لمفاتيح الحل والعقد، لشد مايحز في نفسك عندما تدرك أن مصر الثورة والتي تعيش في خضم سياسي حرج وداخل رحم انتقال ديمقراطي بشق الانفس تقوم على انتاج أعمال مميزة على شاكلة (فرقة ناجي عطا الله) و (تحية كاريوكا) و(الهروب) و (عرفة البحر)و(ابن الموت)، في حين أن بلدنا ينعم بالأمن والأمان ويعرف تحولا مهادنا للحياة السياسية غير قادر على انجاب عمل تلفزيوني يحمر وجه المغاربة باستثناء عمل رباعي درامي عن الراحل محمد الحياني الذي أنقذ الى حد ما المشهد التلفزيوني المغربي رغم النحس الذي تبعه من طرف الدعوة القضائية المرفوعة ضد شركة الانتاج من طرف ابنة الراحل ولمحاسن الصدف قضت المحكمة بعدم توقيف عرض السلسلة والتي استطاع كمال كمال أن يجعل منها سمفونية فنية متناغمة بغض النظر عن التفاصيل التي أثارت حفيضة البنت وهذا من حقها فمحمد الحياني علامة فنية فارقة في رببتوار الغناء المغربي والعربي. لكن دعونا نقف عند بعض الأسباب التي تقف حجر عثرة في وجه التطور الدرامي للمنتوج المغربي: 1 الاعتماد على نفس الوجوه وعدم اقحام جيل جديد من الممثلين الشباب بما فيهم خريجو المسابقات التلفزية وحتى وان أقحم بعضهم في بعض الأعمال فإن الطريقة التي يظهرون بها تحد من طاقتهم وتكبح موهبتهم 2 الاعتماد المفرط على شركات انتاج بعينها والتي رغم ما أكمته من تجارب فهي تسد الباب في وجه زميلاتها في السوق 3- غياب روح الخيال والابتكار ونهج أسلوب الاضحاك من أجل الاضحاك. 4 - ندرة كتاب السيناريو المحترفين بالمغرب باستثناء يوسف فاضل، مما يضطر الى الاستعانة بكتاب قادمين من عوالم الادب والصحافة والتربية، وهذا ليس عيبا في حد ذاته فقط، كان من الأولى تمكين هؤلاء من دورات تكوينية خارج وداخل البلاد ورد الاعتبار المادي والمعنوي لهم والاعتراف بقيمتهم ودورهم الكبير ومساعدتهم على الاحتكاك المباشر بظروف التصوير حتى يتمكنوا من بناء نصوص درامية مضبوطة. 5 الاعتماد على أفكار سطحية واختلاق شخصيات نمطية كل سنة مع استثناء بسيط في رمضان الحالي ممثلا في العملين الدراميين رغم هفواتهما (شبح الماضي) و(دموع الرجال)، وذلك يظهر في اختيارات غير موفقة لوجوه جديدة لم تعط ربما ما كان مطلوبا منها في حين بقيت وجوه فنية كبيرة تعاني البطالة الفنية وهذا يعيد السؤال من جديد حول آليات الكاستينغ بالمشهد الفني. 6 محاولة تعطيل وربما اقبار الأعمال الجادة والتي رصدت لها ميزانيات ضخمة ك: «شوك السدرة» و«المجدوب» في السنة الماضية والذي تم ازاحته عن وقت الذروة. 7 عدم إخراج دفتر تحملات ينظم السوق الفنية. ويضبطها لحد الآن وهذا يزيد من محنة القطاع ويضيق دائرة المعاناة على كثير من الفنانين المغاربة 8 تحويل التلفزيون الى سوق ممتاز عبر ما يسمى بالاشهار. الأكيد أن هناك أسبابا أخرى تتجلى في فساد هذا القطاع بشكل عام وإلى عدم وجود فعل تغيير حقيقي رغم وجود إرادة حكومية لكنها تبقى مجرد أقوال، والى حين ترجمتها الى أفعال، سيبقى المشاهد المغربي يمزج حريرته وكوب قهوته مع قليل من مرارة السيتكوم بذريعة تشجيع المنتوج المحلي.