متابعتي المبكرة لصفحات الفيس بوك والتويتر، جعلتني أتعرف على الكثير من الشعراء والأدباء والنشطاء السياسيين الشباب، يجمع بينهم نُبل الأرواح، واليقظة من أجل مستقبل أفضل، فوق كل سلط القهر والكبت ومواجهتها، ليس من المغرب فقط، بل من كل جهات العالم، فمُواطن "القرية الصغيرة" يدرك أن الحدود الجغرافية والقومية، لا تُتخيل إلا في رأس إنسان المرحلة السابقة، وأن الصراع السياسي والقيمي من أجل غد أفضل للإنسان، يتكرر في كل بقعة من الأرض، بنفس المضمون، بين أولئك الذين يُتخيل لهم الخلاص في ماضيهم، فيجاهدون من أجل تثبيت ما كان، وأولئك الذين لا هم لهم في الثبات على "ما وجدنا عليه آباءنا"، ولا يصنمون أحدا، غير باحثين سوى عن حريتهم والابداع، بعيدا عن أي قيد أو شرط، سياسي كان أو تأويل للدين بعينه.. الأول متسلح بجهله وزعاقِه وتبريره للأدية، والثاني بجسده ومُخيلته والتخفف. ومن بين هؤلاء الشاعرة الشابة، ميسون السويدان، التي كُنت تعرفتُ عليها بخاصة ساعة الثورة المصرية، وإن كنت أتابع أخبارها بشكل أقل منذ أن كانت تدرس في الجامعة الأمريكية في القاهرة، قبل أن تذهب لأمريكا لاستكمال تكوينها الذي كانت قد بدأته فيها، محصلة ماجستير هنا عن الفارابي في الدراسات العربية، وهناك عن السياسات الدولية، وثالث عن الفلسفة، ورابع عن الفلسفة الإسلامية.. لا تستقر على شيء، منجزة دورة العالم من الأزهر إلى بوسطن إلى فرنسا إلى الأمريكية في الكويت، إلى بحور الشعر وقوافيه، إلى نادي ميس الأدبي.. وكانت الثورة المصرية، وكان فيضان المعلومات المُغرق للمتلقي مثلي، القاعد في أدنى المغرب، يريد أن يستبين ما يحدث في الأرض، من ميادين الصراع، وأهمها عندي كان النقاش الذي كانت تحمله مدونات بعينها، إلى جانب حركية ميدان التحرير، وحلقيات الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وكانت ميسون إحدى أهم تلك الأسماء فيها مجتمعة، ليس لأنها ابنة الشيخ الكويتي السويدان، بل لأن انطلاقها في ساحة الثورة، كانت بمثل انطلاقتها في ساحة البحث العلمي والأدبي، وتخففها من ثقل ما وجدت عليها "أبوها"، فما استغرقتها أموال الوالد، ولا عمامة مشيخته، ولا الترف والكسل الذي يعمه فيه الخليج نتيجة التعويل على البترول.. وفي نفس الوقت كانت براء من أوهام الايديولوجيا، منسبة أحكامها ومقولاتها في كل حين، ومن أي اختلاط بين الرغبة في التغيير و الاحساس بالحقد أو الطمع. افترقت بيننا السُبل ساعة فضلتْ هي التويتر، وثبتت مؤقتا أنا في "التقاليد البالية لموقع الفيس بوك"، حتى وجدتُ في صبيحة يوم كنتُ فيه حزينا بعد قراءتي لنص مقالة الشيخ أحمد الريسوني، التي كان يتحدث فيها بنفس اقصائي وتكفيري محتد، حول ما يُتوهم له أنه انتفاضة ما سماه ب"الاخوان الملحدين" وجدتُ ردا من ميسون، على أولئك الذين أمعنوا في تكفيرها، والتهجم على أبيها الشيخ، وكأنها مملوكة له، وأن عليه أن يبرمجها كما يشاء بما يوافق أهواءهم، ردت بنص في تويتر على شكل تغريدات، له قيمة أدبية إلى جانب قيمته الإنسانية والتاريخية، يُوضح ما نعيشه اليوم، بضغط من أناس ينصبون أنفسهم أوصياء على الفكر، مانعين لأي اختلاف أو ابداع القارئ أن محاولات الوصاية تتكرر، وأن المقاومة ستستمر.. الكلمة لميسون: أتظنونني سأسكت عنكم يا مكفّرين؟؟ لا والله لن أسكت.. لم أتمسّك بديني كل هذه السنين في الغرب حتى يأتي "المسلمون" ليسلبوني إياه. لقد عدنا والله إلى الجاهلية،أنتم تعذّبون المسلمين بالشتم حتى تخرجوهم من دينهم..وأنا والله لن أخرج من دين الله ولو كره المكفرون هذا الدين الذي تدافعون عنه ليس بديني هذا صحيح. أنا ديني الإسلام والرحمة وأنتم دينكم التكفير والنَّقمة. لم أذهب إلى مكة لأرى من يدَّعي أنَّه يمثِّل الدين يضرب أرجل النساء بالعصا ويهشّهن كالغنم..أنا لست بعيراً بيد راعٍ أنا إنسانة جاءت لتقلى ربها. لم أذهب إلى مكة كي أرى متاجر إسرائيل على بُعد خطوات من بيت الله الحرام. لم أذهب إلى مكة لأرى آلاف الفقراء المساكين يقفون بين يدي الله بأثوابهم البالية فيجبرهم الإمام أن يدعوا للملوك والسلاطين الذين لا يصلّون أصلاً. لم أذهب إلى مكة ليبكي قلبي ما فعلتموه بهذه المدينة الطاهرة..بالمسجد الحرام، ذهبت إليها بحثاً عن الله..فلم أجدْه عندكم..نعم، ما وجدته إلا بقلبي. لو أنّي بحثت عن الله في مكّة..أو في مذهبكم التكفيري العنيف الملطّخ بالدماء لكَفرتُ من زمان...هذا صحيح.. فالحمد لله أنّي لم أبحث عنه إلا بقلبي. إن لم يسعنا الإسلام جميعاً - فاذهبوا أنتم. أنا هنا في رحاب الله باقية. مسلمة أنا لن أتخلّى عن ديني ولو قاتلتموني عليه بالسلاح. أنتم قتلتم الحلّاج ... أنتم قتلتم الروحانية في مكة.. أنتم قتلتم الله في قلوب الناس.. أنتم شوّهتم دين الله ألا شاهت وجوهكم. مَن كان يعبد محمد بن عبد الوهاب - فإنّه قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت. أحدٌ أحدْ.. ربُّ المكَفِّرِ شيخُهُ... رب المكفِّرِ سيفُهُ... وأنا إلهي ليس يسكن في جمادٍ أو جسدْ... أَحدٌ أحَدْ ... أحَدٌ أحَدْ ... إن تضعوا حجر التكفير على صدري فلا أقول إلا: أحدٌ أحدْ.. أنا ما وجدتُك في بلدْ، أنا ما وجدتك في جسدْ، أنا ما وجدتك في سوى قلبٍ لغيرك ما سجدْ. أَحدٌ أحَدْ ... أحَدٌ أحَدْ ... ربُّ المُكفِّرِ قاتلٌ ... ربُّ المكفِّر مُستَبِدْ ... وأنا إلهي في فؤادي...ليس يقتلُهُ أحَدْ.." [email protected]