جميل أن المغرب حظي بشرف الاستضافة العالمية للاحتفال بالبيئة قبل سنة ، وأجمل منه أن يتم اختيار العاصمة الرباط كعاصمة عالمية للاحتفال بالذكرى الأربعينية ليوم الأرض في جانبه المتعلق بالبيئة. الجميع، لبس لبوسا أخضر وشرع يتغنى بالبيئة وبأهمية الحفاظ عليها. مسؤولون احتلوا الكراسي الأمامية في المهرجانات وآخرون ألقوا خُطبا رنانة ، وآخرون تباكوا على الوضع البيئي، وكأن لايدَ لهم فيما وقع ويقع. لكن لا أحد تجرأ وسمى الأشياء بمسمياتها والقول بأن المغرب يعيش مشاكل بيئية حقيقية لن يستطيعوا إخفاءها بخطبهم العصماء. ولمن يقول العكس، نورد إليه بعضا من الأمثلة والتي نستقيها من صميم الواقع لفوضى بيئية واغتيال للطبيعة أمام أنظار هؤلاء المتباكين والخطباء الذين بشروننا بغد أفضل مع اعتماد ميثاق البيئة والتنمية المستدامة! فهل زار المتباكون مقالع وغابات جبال إقليمصفرو ، مثلا، ليقفوا على أكبر عملية تدمير بيئي واستنزاف للفرشة المائية؟ هل زار المتشدقون بخطابات تطمينية امتداد الغابات الممتدة عبر الطريق الرابطة بين مدينتي أزرو والراشيدية ليكتشفوا أن آلاف الأشجارتم اجتثاثها ولم تبق إلا الأشجار المحاذية للطريق الرئيسية؟ هل اطلع هؤلاء على الدراسة المنجزة حول الملك الغابوي بإقليمإفران وأزرو والتي تقول بأن مساحات شاسعة من غابات الأرز مهددة بالزوال نتيجة للمنطق الجديد لمشروع التقسيم الجماعي، والذي يقول بأن لكل جماعة حقها في استغلال الملك الغابوي، أي توسيع دائرة المستغلين ممايزيد في استنزاف الثروة الغابوية بالإقليم؟ هل يعلم هؤلاء أن الدارالبيضاء تعاني من نقص مهول في المساحات الخضراء، إذ لا تتعدى المساحة المخصصة لكل مواطن بيضاوي المتر المربع، وهي مساحة بعيدة عن المقاييس المعتمدة دوليا والمحددة في 10 أمتار مربعة على الأقل لكل مواطن و جل المساحات المغروسة بالدارالبيضاء تعود إلى الحقبة الاستعمارية؟ هل اطلع هؤلاء على الدراسة العلمية، والتي تفيد بأن ارتفاع نسبة الدخان الأسود من 9 إلى 87 ميكروغراما بالمتر المكعب، ينتج عنه ارتفاع الوفيات بنسبة 9 %، و نوبات الربو بنسبة 6 %، مع ارتفاع إصابة الجهاز التنفسي لدى الأطفال أقل من 5 سنوات بنسبة 8.37 % وما ينتج عنه من ارتفاع حالات الإصابة بالحساسية، تزايد عدد المعرضين لأزمات الربو وتنامي عدد الالتهابات التنفسية عند الأطفال، تلك هي النتيجة المباشرة لارتفاع معدل التلوث الهوائي بمدينة الدارالبيضاء؟ لايهم كل هذا، فالاحتفالات كانت محددة في الزمان، والنقاش الحقيقي تم تحجيمه لكي لايلامس الإشكاليات البيئية الحقيقية للمغرب...