هكذا تبقى السياسات الاستراتيجية حكرا على المؤسسات الحاكمة في بلدان المغرب العربي التي تحتفظ ببعض القطاعات تحت غطاء المجال المحفوظ، ليصبح البرلمان، ومن خلاله النخب الحزبية، مكانا لشرعنة القرار فقط، أما التوافقات فغالبا ما تتم خارج دائرة النقاش العمومي، ليبقى البرلمان مكانا للتعبئة فقط (19). الآن، وبعد استعراضنا لما سبق، حيث يظهر لنا جليا موقع النخب المغاربية في بلورة وصنع القرار، أو بالأحرى التأثير فيه، نطرح سؤالا في غاية الأهمية؟ وماذا بعد الربيع العربي؟ ما الدور المؤمل من النخب المغاربية ؟ وكيف سيصنع القرار؟ وهل يمكننا الحلم بفضاء مغاربي، موحد سياسيا، وقوي اقتصاديا، ووازن دوليا؟ لا شك أن التحولات الأخيرة في بلدان المغرب العربي، قد ساهمت في إنتاج خطاب يحيي الأمل في الانتقال من نمط مركزية. القرار إلى نمط قرار تداولي، فالحراك العربي، قد خلخل الوعي الجماعي المغاربي، كما ساهم في تنبيه المغاربيين إلى القيمة الإستراتيجية لإحداث قطيعة مع طريقة تعاملهم مع فضائهم المشترك ... وبفضل هذا الحراك ستتعمق نضالات الشعوب من أجل فك الارتباط بين المشروع المغاربي، والنزوات الفردية، وستنتصر دون شك (20) إرادة تحويل» المغاربية» maghrebinit? من مجرد شعار أو مطلب إلى ضرورة امتلاك القوة المفضية بالنتيجة إلى تعزيز التنمية والديمقراطية. إن هذا يدعونا إلى المطالبة بضرورة التأسيس للديمقراطية لأنها أمر حيوي، مع العلم أن وتيرة التحول، هي بشكل موضوعي وتيرة معقدة، ربما لأن هذه التحولات شمولية تتطلب تغييرا في الفكر والعقليات والبنيات النفسية والاجتماعية. كما أن التربية على الديمقراطية مجهود بيداغوجي طويل الأمد، لذا فإننا نرنو إلى تحولات فكرية وإيديولوجية وسوسيولوجية كبيرة، بعيدا عن الاستعمال السياسوي (21) لمفهوم «المغاربية» كشعار يضفي عليه الكثير من الأشياء الطوباوية التي لا تصب في صلبه. إن التكتل المغاربي، لا يستمد مقوماته من الآليات والمناهج فقط، وإنما يحتاج إلى خلفية فكرية وسياسية موجهة، ترسم الأهداف والغايات والآفاق، وهذا هو الدور المؤمل من النخب المغاربية، التي يجب عليها أن تفرض نفسها في صناعة القرار المغاربي، وأن تحاول التأثير والارتباط بالقاعدة، من أجل بلورة رأي عام ينتصر للديمقراطية وللفكر المغاربي ... ولا يخفى الدور الذي أصبح يلعبه الرأي العام، ولا سيما في الأنظمة الديمقراطية، حيث يعتبر قوة حقيقية فاعلة ومؤثرة، وبالتالي لها دورها في توجيه السياسة العامة، وبالتالي التأثير على السلطة وعلى صانعي القرار.مع العلم أن قوة الرأي العام، تقاس انطلاقا من المحيط السياسي والاجتماعي الذي يعيش فيه المواطن، أي حسب دينامية وفاعلية المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات التي تعمل على توجيه هذا الرأي، وتفتح له المجال للتعبير والضغط والتأثير. كما يجب على النخب المثقفة المغاربية أن تحاول تفسير وفهم تمثلات الجماهير المغاربية من الاندماج المغاربي، ولماذا هذا الغموض والاضطراب والالتباس على مستوى الفكر والتصور لبناء أفق مغاربي كبير وموحد؟ أيعود ذلك إلى ما أسماه عبد الله العروي، بغياب الأدلوجة؟ (22)، باعتبارها ما يستوعبه المواطن ويترجمه بعد حين إلى ولاء فيعطي بذلك ركيزة معنوية قوية للدولة، إنه للحديث عن وجود أدلوجة دولتية » idiologie étatique « لا بد من وجود قدر معين من الإجماع العاطفي والوجداني والفكري بين المواطنين، وهذا الإجماع - والذي نراه نحن مغاربيا - هو وليد التاريخ، وفي نفس الوقت تعبير عن مصلحة حالية، فإلى أي حد يمكن القول بتحقق هذا الشرط، أو بالأحرى ما مدى تمكن النخب المغاربية من تحقيق هذا الشرط الإيديولوجي الموحد بالنسبة للدول المغاربية؟