منذ اعتلائه السلطة سنة 1987 ، حول ابن علي تونس الهادئة إلى ثكنة كبيرة، فقد بررت الحرب ضد الاسلاميين كل أشكال العنف الممنهج الذي مورس على المجتمع المدني برمته، حتى المعارضون الأقل اصطداما بالنظام كان مصيرهم الاعتقال والتعذيب والسجون بعد محاكمات صورية تفتقر لأدنى شروط النزاهة. لماذا تدير فرنسا ظهرها لفظاعات الجنرال بنعلي ؟ لماذا تتم محاباة هذا النظام من طرف الصحافة الدولية ومراكز المال والأعمال؟ يحاول كتاب «صديقنا بنعلي» أن يكسر الصمت ويظهر الوجه الآخر « للمعجزة التونسية « حسب جاك شيراك. في هذا الكتاب أيضا نتتبع مسار بنعلي منذ أن انتخب سنة 1989 و 1994 بنسبة تصويت بلغت 99%، سيظهر هذا المسار غارقا في دماء ضحايا كثيرين ذنبهم الوحيد أنهم عاشوا فترة حكم واحد من أكبر المجرمين الذي يقتلون بدم بارد ويقضي، بعد ذلك ساعات، أمام المرآة كي يظهر بمظهر رجل لا يشيخ، وذلك باعتماده على الماكياج وصباغة الشعر . بالرغم من كل هذا، شكلت الانتخابات التشريعية لسنة 1999، عقبة حقيقية للنظام التونسي، لأن العالم العربي أصبح يطالب شركاءه من دول الجنوب ببعض شهادات التمدن. فداخل مجموع هذه الدول ذات التقاليد السلطوية، تخضع نتائج الانتخابات إلى خروقات مهولة. لأجلها وحدها، لا تخلق صناديق الاقتراع المفاجأة ولا تعيد النظر في شرعية النظام القائم. بخلاف الجزائر والمغرب، حيث تشكل الحملات الانتخابية فرصة لمناقشة الرأي. للصحافة داخل الجارتين، هامش من الحرية كما أن لمرشحي المعارضة استقلالية كافية، في الواقع وبالنسبة لأغلب وسائل الاتصال ودواوين الاستشارات الغربية، يظهر منذ الآن. أن مواعيد الاستحقاقات الانتخابية شبه الحقيقية تشكل تعلما على درب الحياة الديمقراطية داخل دول طلقت الديكتاتورية ولكنها لم تصبح بعد ديمقراطية. خلال سنة 1997، شهدت المملكة المغربية انتخابات تشريعية اتسمت بأقل قدر من النزاهة, لقب على إثرها الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي زعيم الاتحاد إش.ق.ش وزيرا أول, وهو الذي خبر في فترة سابقة سجون الملكية الشريفة. هذا أمر لا يستهان به رغم أن السنوات الأولى من حكومة التناوب خيبت آمال الأنصار. نفس الشيء، خلال فبراير 1999، حيث شهدت الانتخابات الرئاسية الجزائرية حملة انتخابية منفتحة. كان هناك على الأقل أربعة مترشحين يملكون تجربة ممارسة الحكم ويمثلون خيارات مجتمعية وصحافة تتمتع بقدر من التعددية, فتحت أعمدتها لمختلف تيارات الرأي, حيث سمحت النقاشات الحية بتصالح وطني بين الإسلاميين، برغم أن عبد العزيز بوتفليقة مرشح العسكر الجزائري الذي يشكل سدة الحكم في الجزائر والذي تم انتخابه مؤخرا، بفضل خروقات فظيعة، سمحت هذه الحملة الانتخابية بظهور تبادل آراء حية ومثيرة، إلى حد أن التونسيين تابعوا بشغف مراحل هذه الانتخابات من خلال التلفزة الجزائرية التي يلتقطونها بفضل المقعرات الهوائية. في الوقت الذي كانت تونس تدق أبواب أوربا، كان المرور عبر انتخابات تعددية أمرا ضروريا. لكن هل باستطاعة نظام» »الجنرال، الرئيس«« أن يمر بهذا الامتحان؟ ألا يهدد جموح الشرطة كل نقاش سياسي؟ فقبل بضعة أسابيع من انتخابات أكتوبر 1999، كل المعطيات تؤشر بأن الجنرال بن علي سينتخب بطريق الاستفتاء، محولا البلد برمته إلى ديمقراطية بهلوانية. كانت الحملة الانتخابية صورية، باهتة وبلا طعم يشوبها النفاق حيث أن المرشحين الخصمين لابن علي كانا من بين من يتشدقون إليه. لنلخص الأمر: كانت المعارضة اللائكية مفككة، الاسلاميون يقبعون في السجون، الصحافة تخضع للأوامر والتعذيب أصبح خبزا يوميا. من أين سيأتي التغيير إذن؟ بدون شك، لن يأتي من الأوساط الاقتصادية المتمركزة داخل العاصمة الاقتصادية بسفاقس, حيث يستحوذ المقربون من قصر قرطاج (مقر الرئاسة، الواقع بالضاحية الراقية لتونس العاصمة) على خيرات البلاد. كما لن يأتي التغيير من النقابات التونسية التي كانت، على عهد بورقيبة، القوة الأساسية للاحتجاج الاجتماعي. فسنة 1989 عمل واحد من المخلصين لابن علي على وقف زخم نقابة الاتحاد العام للعمال التونسيين وأعلن، بذلك، «»نهاية ثقافة المطالبة بالاستحقاقات««. أمام كل هذا، لم يكن الوضع مجمدا كليا. راح بعض النقابيين المتمردين وحفنة من المثقفين يتعلمون كيفية العمل جماعيا. على شاكلة سوليدارسنول سولونيا، لم يكن النظام مهددا بشكل مباشر، اللهم إذا أتت ثورة من داخل القصر نفسه، لكن مساندة الأنظمة الغربية للرئيس بن علي تبقى حسابا ضيقا، فاستمرارية نظام توتاليتاري وفاسد هي ورقة رابحة في يد القوى الرجعية, كما أن الجينرال الطيب وأساليب حكمه العنيفة تشكل سندا لكل معارضي التغيير. في حين أن التعددية والديمقراطية هما أفضل ترياق ضد البربرية خصوصا في بلد متطور ومنفتح. بعد عهد بورقيبة، كان من الممكن أن تصبح تونس هنغاريا برئاسة المصلح كادار KADAR، لكنها أقرب اليوم، كما سيتضح، الى رومانيا تشاوسيسكو. I- الأحلام الضائعة 1 -جينرال يصبح رئيسا «جاء الزين، وجاءت رحمة الله أيضا»، الزين هو الاسم الشخصي للجنيرال زين العابدين بن علي الذي أزاح الحبيب بورقيبة، الأب المؤسس لتونس الحديثة ليلة 6 وصباح 7 من نونبر 1987 لأسباب صحية. وتعني كلمة الزين، في اللغة العربية، الجمال الذي تغنت به الأغاني المصرية التقليدية الرتيبة والتي رددتها الجماهير التونسية. »آش هاذ الزين انت يا مكحل العينين« كان الجنرال بن علي ذو الواحد والخمسين من العمر وبشعره المصبوغ والمدهون يعطي مظهرا جميلا غامضا.