منذ اعتلائه السلطة سنة 1987 ، حول ابن علي تونس الهادئة إلى ثكنة كبيرة، فقد بررت الحرب ضد الاسلاميين كل أشكال العنف الممنهج الذي مورس على المجتمع المدني برمته، حتى المعارضون الأقل اصطداما بالنظام كان مصيرهم الاعتقال والتعذيب والسجون بعد محاكمات صورية تفتقر لأدنى شروط النزاهة. لماذا تدير فرنسا ظهرها لفظاعات الجنرال بنعلي ؟ لماذا تتم محاباة هذا النظام من طرف الصحافة الدولية ومراكز المال والأعمال؟ يحاول كتاب «صديقنا بنعلي» أن يكسر الصمت ويظهر الوجه الآخر « للمعجزة التونسية « حسب جاك شيراك. في هذا الكتاب أيضا نتتبع مسار بنعلي منذ أن انتخب سنة 1989 و 1994 بنسبة تصويت بلغت 99%، سيظهر هذا المسار غارقا في دماء ضحايا كثيرين ذنبهم الوحيد أنهم عاشوا فترة حكم واحد من أكبر المجرمين الذي يقتلون بدم بارد ويقضي، بعد ذلك ساعات، أمام المرآة كي يظهر بمظهر رجل لا يشيخ، وذلك باعتماده على الماكياج وصباغة الشعر . إن تونس، دون شك، هي البلد الإفريقي الذي يوفر مستوى عيش جيد للسكان. لقد اختفت دور الصفيح، المدارس المجانية والإجبارية تنتشر عبر أرجاء البلاد، كما هو الشأن بالنسبة للمستوصفات ومراكز الصحة. شبكات الماء والكهرباء تؤمن خدماتها للغالبية العظمى من التجمعات السكانية. الطبقات الوسطى تمتلك، عموما، مساكن وسيارات خاصة. بفضل تجميع نقط جيدة، أصبح البلد نموذجاً ينوَّه به باستمرار من طرف صندوق النقد الدولي (ص ن د) والبنك العالمي، إذ يتبايهان بمعدل سنوي للنمو لا يقل عن 6%. لا يهم كثيراً أن يكون هذا الازدهار مدينا، خلال السنوات الأخيرة، الى الصعوبات التي يعرفها الجاران، الحصار الاقتصادي على ليبيا والحرب الأهلية بالجزائر. لكن، هناك ما هو أهم، فتونس بالنسبة لدواوين الاستشارات والخبراء الدوليين، تشكل «»قطب استقرار»« في المغرب العربي، خصوصا إذا ما قورنت بالجارين ليبيا والجزائر المتسمتين بعدم إمكانية توقع مستقبلهما بسبب حالة التوتر والهيجان. إن ارتقاء تونس في أحضان الدول الأوربية الخمسة عشر، والذي صودق عليه منذ 1995 باتفاقية التبادل الحر الأولى من نوعها يؤكد ما تمت الإشارة إليه. كيف لا يدلَّل بلد صديق قبل برفع حواجزه الجمركية، ضارباً عرض الحائط بثلث نسيجه الاقتصادي؟ في الواقع، إن فرنسا لا تدخر جهداً لإرضاء هذا الجار المتوسطي والعربي. فالتسامح الكبير الذي ينعم به »صديقنا ابن علي« لا يستطيع أن يكون إلا عدلا. وتصريحات رئيس الجمهورية جاك شيراك (حين كان ساعتها عمدة باريز سنة 1992) كانت مبررة على الوجه الأكمل. إن كرم الضيافة الذي يخص به البلد أصدقاءه الفرنسيين من فيليب سوكان إلى شارل باسكوا، من دومينيك ستراوس خان إلى برتران دولانوي، مروراً بممثلي الطائفة اليهودية التونسية، لم يكن بدون جدوى فيما يخص الخطوة التي يتمتع بها الجنرال بن علي. لأصدقاء تونس خطاب مصقول يتلخص في» »لا يمكن صنع عجة بيض دون كسر بعضه، الاسلاميون ليسوا ملائكة والحرب ضد الأصولية ليست نزهة«« وعلى هذه الأرواح الطيبة أن تدفع للواجهة مئات آلاف موتى الحرب الأهلية الجزائرية أو سجون الحسن الثاني. استئصال الجماعات الإسلامية منذ مجيء بن علي الى السلطة سنة 1987، أصبحت عبارة ضد الأصولية متداولة. كان هذا بالرغم من فترة عرفت تغيراً جذرياً خلال 12 عاما. لقد تم سحق الإسلاميين التونسيين. الآلاف منهم يقبعون في السجون بعدما نجوا من التعذيب وبعضهم فضل المنفى بعدما طردوا من طرف السلطات. هنا أيضاً طاردتهم شرطة النظام ونشرت في حقهم تقارير أشبه الى الحماقات، كما عرضت أشرطة بورنوغرافية ملفقة لهم. كما فرضت الإقامة الإجبارية جنوبفرنسا سنة 1993 على صلاح كركر الرئيس السابق لحزب إسلامي دون أن يحرك أحدهم ساكنا. في ظل هذه الظروف، تفكر أغلب الاسلاميين لماضيهم النضالي بعد أن تعبوا من معركة خاسرة أصلا. كان الواقع يتخذ هذا المنحى: فرنسا تُسامح على بعد ساعتين بالطائرة، دكتاتورية هادئة حيث انتُخب الرئيس سنة 1989 و 1994 بنسبة 99% من عدد الأصوات. حتى المعارضين العلمانيين الذين ساندوا النظام في حربه ضد الأصوليين، أصبحوا عرضة لتحرشات رجال الشرطة، كما يتوزعهم إحساس بالإهانة نتيجة نظام انتخابي جائر وإحساس بالضعف نتيجة خلافاتهم الداخلية. حتى بعدما لمع صورته، لم يكن النظام التونسي أقل شأناً، في عبارته للقائد من العراقي صدام حسين والصربي سلوبودان ميلوزوفيتشك: حريات مخصية، انزلاقات مافيوزية لمحيط رئيس الدولة، تعرية النقاش السياسي وإضعاف المجتمع المدني. لقد أصبحت تونس بلداً توتاليتارياً: مجرد انعقاد أصبح مشكلة دولة والمواطن يعيش حالة خوف من تعسف الشرطة والحرمان من حق امتلاك جواز السفر وبعض أشباه أحزاب المعارضة تتظاهر بلعب دورها، أخيراً بلغ تقديس الجنرال بن علي درجات سريالية. »الوضع في هذا البلد لا مثيل له«، كما تراءى لسفير فرنسي سابق يشغل منصباً بالعاصمة تونس. الصحفيون بدورهم سُلّط على رقابهم سيف الطاعة. الصحافة مخصية ومُضْجرة لا تفعل شيئاً سوى التملق للرئيس ونظامه إلى حد تظهر معه تونس أرض النعيم، لا تعرف إضرابات، تحريضات جامعية، أرض لا أحد يكترث فيها للنقاش السياسي وحيث السجون أصبحت ملاجىء. الصحافة الأجنبية لا تشذ عن القاعدة. عليها أن تبيع ضميرها المهني إن هي ارتأت الانتشار. حتى الجرائد ذات الصيت العالمي لا تملك مراسلا دائماً في تونس، مخافة تعرُّضه لتحرشات لامتناهية، كما حدث سنة 1999، لمراسل يومية »الصليب« توفيق بن بيك الذي يقول: »في الجزائر يُقتلُ الصحفيون. في تونس، الصحافة هي التي تحتضر«.