«نظرات افتراضة» هو عنوان المعرض الذي افتتح مساء يوم الجمعة الماضي بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، للفنانة التشكيلية حليمة دوا، والذي يتميز بتغيير في مسارها التشكيلي باستبدال الطبيعة بالإسمنت، مع وجود لمسة جمالية متميزة. وعلى امتداد اللوحات التي عرضت على مساحات شاسعة وسط المكتبة، وفي رواقها الداخلي، يستمتع المتلقي بلوحات تعكس بنايات شاهقة أحيانا وواطئة أخرى، توجد في ركن قضي من اللوحة أو في وسطها، لكنها، كلها تشي بنظرة حليمة للفنانة التشكيلية والمهندسة الوراثية، التي تمرر رسائل في لوحاتها عندما تضع لِجميع البنايات انعكاس على صفحة صافية تشبه الماء، في دعوة إلى فك الحصار عن المدن المختنقة بالبناء، بإيجاد مجالات تحلق فيها عيون المتلقي. وبالفعل، فالمثير في لوحات المبدعة حليمة دوا، هو تأكيدها في كل لوحة على وجود انعكاس شفاف للبنايات، أنى كانت وكيفما كانت. وهذا الانعكاس يعطي البنايات، سواء كانت متناثرة في المجال أم عبارة عن تجمع سكني، بعدا جماليا خلاقا يجعل المتلقي يحلق بخياله في اللوحة مستحضرا مجمل مرجعياته المعرفية. بل أحيانا، يبدو للمتلقي أن البنايات تنتصب تحت الأرض، بالنظر إلى وجود مناظر أخرى فوق الأرض، في حين أن أسفلها يوجد فيه ما يشبه ناطحات السحاب. وذلك يجعله يتساءل عن إمكانية استغلال باطن الأرض في السكن، بعد أن لم يبق سطحها قادرا على تحمل ما يرزح فوقه. كما أن تباين الألوان بين الحارة والدافئة المتراوحة بين الأحمر والبرتقالي والأصفر والأسود والأزرق بمستوياته والبني بمستوياته أيضا، والأبيض (إذا كان البياض لونا)؛ يوحي بأن الفنانة ما تزال وفية لألوانها الأصلية، ألوان المناظر الطبيعية، وكأني بها تفرض هذه الألوان فرضا، ساعية إلى إكساب غابات الإسمنت التي امتلأت بها المدن طابعا إنسانيا. وقالت الفنانة حليمة دوا، في حوار معها، إنها عندما ترسم لوحة لا تعطيها إسما حتى لا تقيد المتلقي بفكرة معينة، تاركة إياه ليرى في اللوحة ما يشاء، بل «أنا نفسي أراها كل مرة تحبل بشيئ مختلف. لكلٍّ نظرته ولذا كان عنوان المعرض «نظرات افتراضية». أما عن سؤال حول سر الاهتمام بالبنايات، اعتبرت المبدعة دوا أن الاهتمام بهذه التيمة في التشكيل المغربي ما يزال نادرا مشيرة إلى «أن كل لوحة للبنايات يوجد أسفلها فراغ يعكس البنايات ويعطيها جمالية معينة، وهو فراغ للتأمل ومتنفس لهذه البنايات». ويحتوي دليل المعرض، فضلا عن بعض اللوحات، على مقالات كتبتها شخصيات مرموقة من عالم الفن والثقافة. وهكذا كتب السيد إدريس خروز مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية أن حليمة دوا تكشف عن عمل حالم تحاول عبره عاشقة الألوان هذه، الكشف عن طريقة خاصة في التعاطي مع الصباغة التشخيصية. ورغم كونها تستلهم أعمالها من مناظر واقعية، فإنها تقدم عالما يحتفي بالرؤية الحالمة والحساسة للفنانة. ومن جهته اعتبر الكاتب عبد الله بيضا أن المتلقي يتحول في عرف الفنانة إلى عنصر فاعل. (...) وأن «الغيوم والأمواج التي تحلق في ظلال الأعشاب، تُكسب هذه الأخيرة نغمة غنائية. الملحمة ليست بعيدة؛ إنها تنبثق فجأة من ضربة فرشاة قوية تمزق القماش تماما مثل عاصفة تشق السماء ببريقها». فيما اعتبر الشاعر والفنان التشكيلي حميد كيران أن صباغة حليمة دوا هي انفجار، تأليه للألوان الحارقة، المحتدمة. وخلص إلى أنه لن يضيف شيئا على تجربة تشد بقوة أنظار المتلقي وتعرض به مشيرا إلى أن من يريد أن يفهم جيدا هذه الخطوط، لن يجد أحسن من الذهاب والنظر في عين المكان. أما جان فرانسوا كليمان فقد اعتبر أن حليمة دوا انطلقت من صباغة تقليدية لمناظر طبيعية لتنتقل إلى مناظر حضرية معالجة بطريقة ما بعد ? انطباعية، بل وتكعيبية في غالب الأوقات. ويبرز بذلك عنصران في لوحاتها: بناء الفضاء والألوان. وأضاف أن هناك نوعان من المناظر الحضرية تبرز في اللوحات، المدينة العتيقة بمسجدها المجازي، ثم ناطحات السحاب المتجاورة، «إننا نمر إلى اختيار حقيقة معاشة يوميا على واقع حضري خيالي ينبني على الارتفاع، وحيث البنايات أعلى من أماكن العبادة». ولدت الفنانة حليمة دوا بالرباط، حيث درست الهندسة الوراثية، لكن الأقدار جعلتها تشتغل في ميدان هندسة المناظر الطبيعية، حيث اكتسبت تجربة حب الألوان الذي تقتسمه مع وعبر لوحاتها. بدأت تعرض منذ سنة 2008، ونظمت عددا من المعارض الفردية، كما شاركت في عدد من المعارض الجماعية داخل المغرب وخارجه، في كل من الرباط والدار البيضاء وتطوان والجديدة وطنجة ومراكش والصويرة وباريس والألزاس ولندن وواشنطن. يستمر المعرض إلى غاية 20 يوليو الجاري.