هل يحق لرئيس الحكومة في المغرب أن يهيمن على وسائل الإعلام العمومية السمعية البصرية؟ مناسبة هذا السؤال تأتي من الإلزام الذي قام به رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لإجراء حوار معه من طرف القناتين الأولى والثانية لتبرير القرار الذي اتخذه بالزيادة الصاروخية في أثمان المحروقات، أما مشروعيته فهي مستمدة من قانون رقم 77-03، المتعلق بالاتصال السمعي البصري، الذي ينص في المادة 48 على أن الشركات الوطنية العاملة في هذا القطاع تقوم ب «بث البلاغات والخطابات ذات الأهمية البالغة التي يمكن للحكومة أن تدرجها ضمن البرامج في كل وقت و حين». بداية لا بد أن نخضع المفاهيم الواردة في هذه المادة للتفسير، فمفهوم «الأهمية البالغة» لا يعني في نظرنا زيادات في مادة استهلاكية معينة، لأننا إذا سلمنا بهذا، فمعنى ذلك أنه كل ما قامت الحكومة بالزيادة في أسعار مادة، سيأتي رئيس الحكومة أو غيره من الوزراء ليستحوذ على اوقات البث في وسائل الإعلام العمومية، لذلك على الهيأة العليا للاتصال السنعي البصري، أن تحدد بدقة كيفية تفسير هذا المفهوم، لأنه في التقاليد الديمقراطية يستعمل في القضايا الوطنية الكبرى أو الكوارث أو غيرها من المشاكل التي تتخذ فيها قضايا مصيرية أو حاسمة في مستقبل البلاد. الآن حتى لو اتفقنا جدلا بأن الزيادة في المحروقات كارثة كبرى، هذا ممكن لو سلم رئيس الحكومة بذلك، لكن ما يهمنا في هذه المناقشة هو التفسير الحقيقي لمفهومي «البلاغ» و «الخطاب»، فالمصطلحات واضحة ولا تحتاج الى تأويل، لأن البلاغ هو بيان يتلى على الرأي العام ولا يتجاوز بضع دقائق، أما الخطاب، فهو أيضا واضح، إذ يمكن لرئيس الحكومة أو غيره من الوزراء ان يقرأه، في مدة وجيزة، لا تتجاوز العشر دقائق، عملا بالتقليد الملكي، إذ أن خطب جلالة الملك لا تتجاوز هذا الزمن. لكن ما قام به عبد الإله بنكيران، أمر مخالف تماما، إذ ألزم القناتين الأولى و الثانية بإجراء حوار معه، يبث على القناتين في نفس التوقيت وفي القناة الجهوية للعيون، وهو بذلك انتهك نص و روح المادة 48 من القانون المذكور، لأن القانون لا يعطي الحق للحكومة في افتعال البرامج الحوارية، لأن تنظيم هذه البرامج يظل من صميم صلاحيات القنوات، ضمن البرمجة التي تحددها بدون تدخل من الحكومة او غيرها، خارج إدارة القنوات ومسؤولي تحريرها. لقد اعترف بنكيران نفسه في البرنامج المذكور بأنه هو الذي دعا إلى إجراء حوار معه، وهذا غير قانوني، ومناقض للاستقلالية المهنية، التي ينبغي أن تتوفر في العمل الصحافي. ومما عمق هذه الانتهاكات، أنه أخذ بقمع الصحافيين، فاطمة البارودي وجامع كولحسن، أثناء البرنامج، مما شكل ضغطا رهيبا عليهما، و تحول الحوار الى مونولوج سخيف. وما كان عليه القيام به هو أن يلتزم، على الأقل بنص القانون ويبث بلاغ الحكومة أو يلقي خطابه. أما أن يتحايل على القانون بتغليف ذلك بحوار مفتعل، دعا إليه هو نفسه ولم يترك للصحافيين فرصة ممارسة عملهما، فذلك قمة التلاعب بالحقوق الديمقراطية والمهنية. إن حقوق ساعات البث في البلدان الديمقراطية، وأيضا في القوانين والإجراءات المنظمة للقطاع السمعي البصري في المغرب، محسوبة، ولا يمكن تجاوزها بالتحايل عبر افتعال برنامج حواري، لم تسع إليه القناتان الأولى والثانية وكذا قناة العيون، وعلى الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري أن تتدخل في هذا الموضوع. لكن لا بد أيضا أن نسائل رئيس القطب العمومي، فيصل العرايشي، كيف سمح لرئيس الحكومة بخرق القانون والتحايل عليه. وأيضا كيف سمح سابقا لوزير الاتصال، مصطفى الخلفي، بتنظيم زيارات لمؤسسات الإعلام العمومي، تحول فيها الى مخاطب مباشر للعاملين، متجاوزا الإدارات و الهيئات النقابية، بشكل لم يسبق لأي وزير أن قام به. وإذا كانت مسألة تجاوز الخلفي لصلاحياته واضحة في واقعة دفاتر التحملات، فإن ما تم تناسيه هو أنه بدأ هذه التجاوزات عندما طلب شبكة البرامج الرمضانية، ليتدخل فيها، وهذا ليس من حقه حسب القانون. لذلك على الحكومة أن تضع حدا لهذه الخروقات للقوانين وللمبادئ الديمقراطية، التي يقوم عليها المرفق العمومي والتعددية والحق في الاختلاف والولوج الى وسائل الإعلام العمومية، بشكل متوازن ومنصف بين كل التوجهات السياسية والمشارب الفكرية في المجتمع.