لا شك أن من بين المشاهد التي يكون عامل مكناس الجديد ووالي الجهة قد شاهدها ، جيئة وذهابا بين مقر إقامته ومقر الولاية ، هو مشهد اعتصام عمال بالمدخل الرئيسي للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء ، تعلو رؤوسهم لافتة ، تناشد المسؤولين بعدم السعي في تشريدهم ، بعد أن أفنووا بالوكالة ، جزء غير يسير من عمرهم ، يخدمونها ويرفعون من جودة أدائها .. ولا شك المسؤولية تقتضي أن يكون الوالي الجديد ، قد وضع أسئلة بشأن الحكاية : ما سبب هذا الاعتصام ؟ ما مطالب المعتصمين ؟ ما موقف الإدارة ؟ كم دام هذا الوضع ؟ لماذا لم يجد المشكل طريقا للحل ، بالرغم من طول المدة ؟؟ وما دام الحديث ذا أحزان وأشجان ، فاني أفترض أن يكون السؤال قد امتد الى الأوضاع الاجتماعية بالمدينة .. لكنني أعجز عن افتراض نوع الإجابات ، وزاوية النظر التي تحكمت في مضمونها .. وهنا أجدني مدفوعا الى صياغة بعض الإجابات ، معلنا منذ البداية أن زاوية نظري نقابية صرفة. عرفت الساحة النقابية بمدينة مكناس صحوة غير مسبوقة ، انطلقت من أواخر الثمانينيات و امتدت طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وقد تجلت هذه الصحوة في إقبال الشغيلة على الانتماء النقابي ، بعد أن بلغت معاناتها حدا لم يعد يطاق ، سنأتي على ذكر بعضها لاحقا ، وبما أن مجرد هذا الانتماء يومئذ ، هو جريمة في عرف الباطرونا ، فقد تغيرت علاقة أجير// مؤاجر ، من علاقة استسلام واستغلال، الى علاقة صراع وصدام لتحقيق مطالب ، أو إحقاق حقوق.. و وقف الرأي العام يومها على العديد من المفارقات ، التي من أكثرها مدعاة للشك والاستغراب ، هو أن وجود العديد من المؤسسات الإنتاجية ، كان سابقا بعقود ، عن وجود العمل النقابي بها، ولذلك فان التنظيمات النقابية وجدت نفسها مضطرة ، لصياغة ملفات مطلبية، لا تطالب فيها سوى بتطبيق الحدود الدنيا من الحقوق التي يكفلها قانون الشغل ؟؟؟ كما وجد العمال أنفسهم ملزمين بخوض معارك نضالية شرسة في الكثير من الأحيان ، من أجل تحقيق تلك الحقوق التي كان لزاما على مؤسسات الدولة حمايتها ، لا أن تقف في الكثير من المواقف ، اما موقف المتفرج على تشريد العائلات ، أو موقف المنحاز الى جانب الاستغلال وهضم الحقوق ، وهو ما أغرق المدينة في آلاف العمال المطرودين شططا وليا للأذرع ، في مؤسسات كان بعضها يشغل أكثر من ستمائة عامل وعاملة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : سيبوص ، سلام كوف ، سيكو شمس ، مغرب أوني فورم ، فيم ، سهيل، أوني كوميك ، سوفيمار ، فيلتر الاسماعيلية ، الاسماعيلية للآجور ... هذا دون الحديث عن نكبة عمال الوكالة المستقلة للنقل الحضري ، التي استعمل فبها رئيس المجلس البلدي الملتحي بلكورة ، لينفذ وأغلبيته مخطط السلطة في تفليس الوكالة ؟؟ حتى قبل أن تعد طلبات عروض لمن يعوض المدينة خدمات النقل العمومي ، الذي كانت تقدمه و.م.ن.ح.م. وكان مأمولا أن تشكل هذه النكبات الاجتماعية، درسا للمسؤولين لتجنيب المدينة نكبات جديدة، لم تعد مكناس بقادرة على تحملها .. لكن الواقع عنيد ، فالآمال وحدها لاتكفي لتغيير حقيقة ما يعيشه اليوم عمال كاستيل بكل من ضيعات البركة ، وكاندورا ، وقنطار صحاري ،وطالة خروبة ، وسايس ، والنمير ، وأملاك زيان ، نشارة الاسماعيلية ، ووود باركي ، وسانكوبان حيث تحريض العمال على بعضهم البعض ، لضرب وحدتهم ، وحيث تلفيق التهم ، والزج بالعمال في السجن عن طريق الشكايات الكيدية ، هذا في الوقت الذي " تنزل يد الميت " على شكايات العمال ؟؟؟ هذه النكبات الاجتماعية الجديدة ، ما كان لها لتكون لو كان بالمدينة والاقليم والجهة ، مسؤولون يسهرون على حماية القانون - يقول بوخالفة بوشتى كاتب الاتحاد المحلي لكدش ، لأن كل تلك النكبات ، و هذه المعارك ، انما كانت من أجل تحقيق الحد الأدنى من الحقوق ، وليس كل الحقوق - يضيف نفس المصدر - وبما أن القطاع الخاص يسوده منطق السيبة في العديد من مؤسساته ، فان المطالبة بتطبيقه ، تعتبر جريمة وقلة " ترابي " تستوجب " العقوبة ، عند بعض أصحاب "الشكارة"؟؟ يقول جبار إدريس ، عضو اللجنة الإدارية للنقابة الديمقراطية للفلاحة ف.د.ش. والغريب - يقول أحد عمال قطاع النسيج المطرودين طردا جماعيا من معمل سيكو شمس - هو أنه قبل التحاقنا بالعمل النقابي ، كنا نشتغل ليل نهار ، ودون انقطاع أو توقف ، وكنا لا نتقاضى حتى الحد الأدنى للأجر وغير مصرح بنا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولا حق لنا لا في العطل الوطنية والدينية، ولا في العطلة السنوية، ولا حتى في العطلة الأسبوعية ... لكن وبمجرد ما وضعنا ملفا مطلبيا نطالب من خلاله بهذه الحقوق الضائعة على عدالتها ومشروعيتها ، حتى دخلت الشركة في سلسلة من التوقيفات التقنية ، والتقليص من ساعات العمل ، بدعوى الأزمة ؟؟ والحال أنها لعبة مكشوفة لترهيب العمال من العمل النقابي ، وإلصاق التهمة بالنقابات في إغلاق المؤسسات الانتاجية . وهي تهمة وان اقتنع بها البعض ، فهي لاتصمد أمام الحقائق الدامغة التي تحتفظ لهذه المؤسسات الانتاجية ، بالسلوك الذي فضح تآمرها على العمال والنقابات ، اذ في الوقت الذي كانت تعلن فيه الاغلاق الكلي أو الجزئي بدعوى الأزمة ، وقلة ذات اليد ...؟؟ كانت صفقاتها ، ونشاطها في تزايد واطراد ...؟؟ لكن بأيدي عمال غرباء وعن طريق المناولة ؟؟ جهاز التفتيش ، ومصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كانت تعرف ذلك .. السلطات المحلية ، والمخابرات الأمنية كانت على علم بذلك .. واستمرت المعاناة .فهل ستستمر الحكاية ؟