مليار و500 مليون سنتيم هو حجم الميزانية التي خصصتها مؤسسة «روح فاس» لإنجاح فعاليات الدورة الثامنة عشرة من مهرجان الموسيقى العالمية العريقة التي تنطلق اليوم بفضاء باب المكينة وتستمر إلى 16 يونيو القادم بالعاصمة الروحية مدينة الأولياء، تحت شعار«تجليات الكون : احتفاء بعمر الخيام، حيث الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال المشاركين الذي دخلوا في معسكر «البروفات» بفندق جنان فاس، حتى يكونوا في الموعد مع عشاق الموسيقى العريقة التي يتضاعف عددهم مع كل دورة، كما جاء على لسان دكتور فوزي الصقلي مدير العام للمؤسسة والملتقى خلال الندوة الصحافية التي نظمت مؤخرا برحاب فندق المدينة، يوم الاثنين الماضي. الندوة خصصت للوقوف الترتيبات والاستعدادات الأخيرة قبل أربعة أيام قبل انطلاق فعاليات الدورة التي بلغت سن الرشد، وتدشين عهد جديد مع الصحافيين والإعلاميين يطبعه التشاور وتبادل الرأي في مختلف القضايا الفكرية التي تغني البعد الروحي وترقى بالمهرجان إلى مرحلة أكثر نضجا، كما ذكر الدكتور الصقلي من خلال عرضه التفصيلي برنامج المهرجان الذي بدا غنيا بأسماء غنائية ذات صيت عالمي في ميدان الموسيقى الروحية مثل موختيار علي من الهند وحاييم لوك اليهودي المغربي المقيم بأمريكا وسنام مارفي من باكستان وروثيو ماركيث وأسماء أخرى، مستعرضا عناوين التيمات التي ستتمحور حولها أشغال المنتدى من قبيل «الشاعر والمدينة»،«أزمة مالية أم أزمة حضارية»، «المقاولة والقيم الروحية» ثم «بعد الربيع العربي أي مستقبل؟» وهو الموضوع الذي رأى المدير العام للمهرجان أن المنظمين لا يرون أي غضاضة في فتح النقاش حوله بكل جرأة كما فعلوا السنة الفارطة، مشيرا إلى أن المنتدى استطاع أن يراكم إلى حد الآن عشرة كتب صدرت عن دور نشر أساسية مثل «ألبان ميشيل» و«لو روشي» و«لاديفيرونس». وستحتفي الدورة 18 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة بالفنان والشاعر والفيلسوف والروحاني وصاحب الرباعيات الشهيرة عمر الخيام، هذه «الشخصية الخارجة عن المألوف»، التي تعد رمزا للحكمة والتي من شأنها أن تساهم في رأب الصدع الذي تشهده مجتمعاتنا، من أجل استرداد مكانة الإنسان والثقافة والقيم الروحية ، حيث كلمات وأشعار عمر الخيام ستشاهد في حفل الافتتاح على يد المخرج طوني غاتليف، وبحضور فنانين من آسيا الوسطى، ومن العالم العربي، ومن بلاد فارس، ليقوم هذا الفنان الفرنسي الجزائري الأصل بتقديم نوعيات من الموسيقى الغجرية التي عرفت بها بلدان أسيا الوسطى بمزجها اللافت بين ايقاعات الشرق ونغمات الغرب وذلك تماشيا مع شعار الدورة المعنون «حكم الكون». وستتخلل هذا المهرجان مجموعة من المضامين، إذ سيقدم عازف الجاز الشهير، أرشي شيب، عرضا مستمدا من جذور البلوز والغوسبل، كما ستنظم، على مدى ثلاث ليال، حفلات موسيقية سيحييها العديد من الفنانين المتخصصين في موسيقى الغجر والموسيقى الأوكسيطانية (جنوبفرنسا)، وعروض فنية من الهند. أما حفل تكريم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، فسيكون من خلال عرض فني من إبداع رودولف بورغر، فيما ستقدم الفنانة الإسلندية الشهيرة، بيورغ، حفلا غنائيا جديدا بعنوان «بيوفيلياش تترنم فيه بالفضاء وبالطبيعة، وسيكون مسك الختام رفقة المغنية الشعبية الأمريكية ذائعة الصيت، جان بيز، التي ستتقاسم كلمات أغانيها مع الجمهور، للتعبير عن التزامها وكفاحها من أجل الحرية والعيش الكريم. يذكر أن فقرات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة ستحتضنها فضاءات تاريخية بمدينة فاس، كساحة باب المكينة، وساحة باب بوجلود، ومتحف البطحاء، ودار التازي، ودار عديل، ودار المقري، فيما تنظم، بالموازاة مع المهرجان، أنشطة فكرية وتربوية، كما هو الشأن بالنسبة لمنتدى فاس «إضفاء الروح على العولمة»، الذي سيقام بمتحف البطحاء، وسيتناول مواضيع عدة، من بينها «الشاعر والمدينة»، و«بعد الربيع العربي: أي مستقبل؟»، و«أزمة مالية أم أزمة حضارية؟»، و«المقاولة والقيم الروحية»، بمشاركة أكاديميين ومفكرين ورجال دين ورجال السياسة، من مختلف أنحاء العالم. كعادته، يسعى المهرجان إلى إعادة البهجة إلى العالم، كل بلغته الموسيقية الخاصة : عربية أندلسية ويهودية عربية وباروكية وصوفية وغوسيل بيزنطية والفولك والبوب الطليعي، من خلال فن السماع والمديح المغربي أو البهاجان الهندي أو البلوز الأمريكي أو الأغاني الدينية الكاثارية والأمازيغية أو الموسيقى الغجرية أو الأغنية العربية أو الأناشيد الإفريقية الكوبية. كما تهدف الدورة ، حسب المنظمين، إلى إعادة الاهتمام بذلك الموروث الإبداعي الخصب سواء في الحقل الموسيقي أو الفكري دون التخلي عن ملامح وظواهر الأداء وطقوسه اللافتة لغاية إعادة الاعتبار لمكانة الإنسان ودوافعه الثقافية والروحانية الأصيلة التي تنشد الانعتاق من سطوة إفرازات الواقع المثقل بالكوارث والحروب والأزمات والأمراض بعيدا عن مبدأ الربح المادي أو الخضوع إلى الإبهار والاستعراض المجاني. وسيلتقي عشاق الموسيقى العريقة برائدي الأغنية العربية الأصيلة وديع الصافي ولطفي بوشناق بشدو صوتيهما القويين، وتسابيح وتهاليل وأناشيد الصوفية بصوت الشيخ المصري ياسين التهامي وقطوف من موسيقى الجاز للفنان أرشي شيب.