بعد تجربة قصيرة لصفحة الوسيط بجريدتنا، في مستهل سنة 2009 ، تعود الصفحة مرة أخرى بتصور جديد نعتقد أنه من حق قرائنا علينا، أن نقدم تعريفا أوليا لها و لدورها و الهدف منها و حدودها. هل هي صفحة لا تخضع لرقابة هيأة التحرير؟ هل هي صفحة مستقلة؟ هل هي صفحة خاصة بالقراء؟ من هو الوسيط؟ ما هو دوره؟ هل هو محام عن مشغله (جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في حالتنا هاته) أو هو محام عن طائفة القراء الذين يدفعون ثمن الجريدة وهم يتوقعون خدمة جيدة وخبرا متحققا منه؟ تلك بعض الأسئلة التي سيعطي الجواب عنها إضاءات حول الصفحة ودورها. فالوسيط، تاريخيا، شخص كانت مهمته تلقي الشكاوي و المطالب، التي لم تجد لها حلولا من خلال القنوات الرسمية - من عموم الشعب، على أن يعرضها على أعلى مسؤول في القطاع المشتكى منه. و يمكن للوسيط أن يكون في الحكومات أو المستشفيات أو الجامعات أو غيرها... و قد عُيِّن أول وسيط - بهذا المعنى- في التاريخ في بداية القرن التاسع عشر ((1809 في السويد لتلقي شكايات المواطنين من الحكومة و البرلمان و حمل آنذاك لقب «أومبودسمان» الذي لازال يعرف به في كثير من البلدان البعيدة عن المنطقة الاسكندينافية. وللقيام بمهمته باستقلال وحياد مُنحت لمنصبه هذا مكانة معنوية و رمزية لا تجعله خاضعا لأي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية، علما أن اجتهاداته و اقتراحاته لا تملك سلطة النفاذ، بل لا تتعدى سقف التوصية. وعلى غرار الحكومات والمؤسسات ، سلكت وسائل الإعلام نفس المنحى، فأنشأت مؤسسة الوسيط الإعلامي. وكان أول وسيط إعلامي- بالمعنى الحصري لهذه الكلمة - هو الذي تم تعيينه في الولاياتالمتحدة في يونيه 1967 (صحيفة لويزفيل - كنتاكي) ثم تلاه أول وسيط في كندا سنة 1972 (تورنتو ستار) ثم انتشر الوسطاء في المجال الصحفي منذ ذلك الوقت ليطالوا العديد من الدول في أوربا و آسيا و أمريكا اللاتنية. و قد تأخر وصول هذه «المهمة» إلى أوربا حتى بداية التسعينات حين عينت صحيفة «إيل بايس» الإسبانية أول وسيط تحت إسم «محامي القارئ» أو «المدافع عن القارئ» ثم تلتها جريدة «لوموند» سنة 1994، حين عينت الصحفي «أندريه لورنس» وسيطا بين الصحيفة و قرائها «يسهر على احترام صحفيي لوموند لقواعد المهنة و أخلاقياتها من جهة، و الحسم في الخلافات التي قد تنشب بين القراء و المحررين من جهة ثانية». وفي هذا السياق ومواكبة للتطور المهني جاءت فكرة إنشاء صفحة «الوسيط» بجريدة«الاتحاد الاشتراكي» في شكلها الأول قبل ثلاث سنوات ثم في شكلها الحالي اليوم؛ و هي صفحة تتلقى آراء القراء في المنتوج الذي يؤدون ثمنه أي الجريدة و انتقاداتهم له و شكاويهم منه. كما أنها صفحة تتحقق من دقة التغطيات الإخبارية و نزاهتها و توازنها، و كذا عدم مجانبة التعاليق و الآراء الواردة في الجريدة للمبادئ العامة لميثاق التحرير و لقواعد المهنة و أخلاقها. و هذا يقودنا إلى السؤال المتعلق بدور الوسيط و مهمته. هل الوسيط على نفس المسافة بين القراء و هيأة التحرير؟هل هو محامي القراء؟ أو ممثل هيأة التحرير؟ أو ممثل إدارة الجريدة حتى؟ الواقع أن مهمة الوسيط، كما أفهمها، هي درجة وسطى داخل مثلث متساوي الأضلاع: ضلعها الأول يمثل الجريدة، صحفيين و إدارة تحرير، و الضلع الثاني يجسده القراء، أما الضلع الأخير فهو قواعد المهنة و أخلاقياتها. فالوسيط يدافع عن جريدته، باعتباره خبر العمل الصحفي جيدا و يقدر إكراهاته و يشعر بالصعوبات التي يواجهها الصحفيون، كما يسمح لنفسه بأن يزعم تمثيل القراء الذين يسددون ثمن الجريدة و يتوقون إلى صحيفة ذات جودة مهنية و أخلاقية، بعيدة عن التضليل أو التعتيم أو التلميع، على أن يكون المرجع المعتمد لديه في مهمته هو قواعد المهنة و أخلاقياتها. و لأن «مهنة» الوسيط مهنة طارئة على الصحافة العالمية و على العربية خصوصا، فهي تجرب نفسها كل يوم و تكتشف ذاتها داخل أتون التجربة بالتدريج. و هي مهمة دقيقة إلى حد ما، فالمطلوب من الوسيط أن يتخلى مؤقتا عن انتمائه لهيأة التحرير و يضع نفسه في الضفة الأخرى من الجريدة، ضفة القراء، بيد أن هذا التخلي لا يمكن أن يكون تاما و لا دائما، لسبب بسيط هو أن الوسيط يحمل في دواخله هموم الصحفي و عليه اليوم أن يضيف إليها انتظارات القارئ. و مع ذلك، فإن كان للقراء الحق المطلق في المطالبة بالخبر الصحيح المتحقق منه و بالتعليق النزيه و المتوازن، فإن للصحفي أيضا حق توضيح سبب الخطأ و تفسير مصدر السهو أو عدم دقة المعلومة. ما هي حدود تدخل الوسيط؟ هل يتدخل في التوجه السياسي مثلا للصحيفة ؟ هل يبدي ملاحظاته حول توجهها الإيديولوجي؟ الجواب هو لا، فمجال تدخل الوسيط مهني صرف، يتمثل في إثارة الأخطاء المهنية، سواء تلك التي تلقى شكايات أو ملاحظات بشأنها من القراء أو تلك التي لاحظها هو نفسه. كما يتمثل في تسجيل الانزلاقات التي تجافي أخلاقيات المهنة، و لعل هذه المهمة الأخيرة هي الأخطر في نظرنا. بناء على ذلك، فإننا نتقبل انتقادات و ملاحظات القراء، و نعرضها على المعنيين بها و نقدم - كل حالة على حدة، التفسير لدواعي هذا الخطأ، إن كان له تفسير، أو الالتزام بعدم تكراره وهذا هو الهدف الأسمى للوسيط، حتى يتم الرقي بالمهنة داخل صحيفتنا من جهة و تقديم سلعة غير معيبة لقرائنا من جهة ثانية. قد يقول قائل أن جريدتنا جريدة حزبية، و بالتالي فإنها ستدافع وجوبا، عن وجهة نظر الحزب الذي تمثله، و هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و هذا أمر صحيح لكن الدفاع عن مبادئ الحزب و عن مواقفه، و هو حق مشروع لا غبار عليه، لا يتعارض مع تقديم الخبر الصحيح غير المزيف و لا يتنافى مع احترام الحدود الدنيا لأخلاقيات المهنة. فإذا كان من حق الحزب أن يعبر عن آرائه و ينشر مبادئه و مواقفه في الجريدة، التي هو مالكها، فإن من حق القارئ المواطن أن يتلقى المعلومة صحيحة و الخبر سليما، و إذا تجاوزت الصحيفة هذا الحد فمن حق القارئ عليها أن يبدي ملاحظته و أن يتشكى من عدم صحة المعلومات. و بعد صحة المعلومة و احترام المقال لأخلاقيات المهنة ، يأتي الشكل الذي تقدم فيه هذه الأخبار أو المقالات، فمن حق القارئ أن يقرأ مقالا مكتوبا بلغة سليمة من الأخطاء اللغوية، إملائية و نحوية، و هي الأخطاء التي تفسد للأسف متعة القراءة و غالبا ما تعكر مزاج القراء. و من حق القارئ أيضا أن يتلقى ما يقرأه في صحيفته بلغة - عربية في حالتنا هاته - فصحى سليمة من الكلمات الدخيلة التي لا تقدم قيمة مضافة، و هو الأمر الذي قد يحتاج إلى نقاش معمق في المستقبل. تلك هي المبادئ العامة التي نسعى كي تحكم علاقة الوسيط بقراء جريدة «الاتحاد الاشتراكي» و علاقته بهيأة التحرير و إدارة الجريدة. من هنا، فإن الصفحة المفتوحة أساسا للقراء، لا تنشر سوى الآراء و المقالات التي تتخذ من الجريدة، شكلا ومضمونا، موضوعا لها، و هي بذلك تهدف إلى خلق علاقة تفاعلية بين الجريدة و قرائها من أجل غاية سامية مشتركة هي تطوير الصحيفة مهنيا و تقديم سلعة جيدة للقارئ الزبون ،الذي عوض أن يعبر عن امتعاضه بالهروب و اللجوء إلى وسائل إعلام أخرى، نقترح عليه التعبير عن انتقاداته بصراحة على صفحة الوسيط. و حرصا منها على خلق علاقة تفاعلية مع القراء، لمكاتبتها و إبداء الرأي في شكل و محتوى مقالات الجريدة، فإن الصفحة تضع رهن إشارتكم العنوان الإلكتروني التالي: alwasset3 gmail.com