مازال تصريح عبد الإله بنكيران أمام البرلمان، في الجلسة الشهرية الأولى من نوعها، حول الرزق والدولة، يثير ردود فعل على صفحات التواصل الاجتماعي. ومازالت التعليقات تتوالى، بدون أن نجد لها دوما امتدادا في الساحة الاجتماعية والسياسية العامة. كان الرئيس الحكومي قد دعا المعطلين إلى البحث عن رزقهم بعيدا عن الدولة، وشدد على أن الرزق عند الله، وليس عند الدولة. لقد أشهر الأستاذ بن كيران ورقة البداهة الدينية، والطبيعة الدينية لكي يوقف مطلبا اجتماعيا. وشعر أنه وضع المعادلة الثانية: من عارض أو احتج على ماأقول سيكون، قد عارض آية بينة من الذكر الحكيم.... بداهة ما فوقها بداهة، هي أن الله من أسمائه الحسنى الرازق والرزاق. ومن أسمائه الحسنى أيضا العدل . فقد كان عليه أن يقول ذلك، أيضا، للأثرياء، والأغنياء والذين يتلقون ريع الدولة. ففي قضية الريع، سمعناه يبرر بألف تبرير، أن ذلك أسلوب في الحكم. وسمعناه،وقد كاد يقنعنا، بأنه بداهة، وعلينا أن نعتبره عقيدة، الحال أنه إثراء باسم الدولة وعلى حساب الدولة، ومن الدولة، بل إن الدولة هي التي ترزق أصحابه أسبابا للثراء في حالات معنية وأسبابا للعيش أيضا في حالات كثيرة، لا نريد أن نقطعها فيقطع رزق الناس. لقد بدا المعطلون وهم يصورون تلقيهم لإرادة بنكيران، جد موفقين. ليس أمامهم سوى بيع النعناع المتجول.. وبيع القزبر وبيع الكرافس- وتراني أعتقد بأن بيع الكرافس هو الذي سينجح، من كثرة «التكرفيس» عليها في شوارع العاصمة وغير العاصمة. وهي معادلة صعبة للغاية، إذ أن الدولة «ترزق» الزمزمي 2 كريمات للنقل، والله سبحانه عز وجل يمنح المعطلين «قفيفات ديال الكرافس». المنطق من هذا النوع، هو منطق الفرد الذي يؤمن بربه وبعناية الله به، ومع ذلك لا يسعنا إلا أن نذكر ما قاله عمر بن الخطاب في الروايات المأثورة من السلف السديد، عندما وجد رجلا يتعبد ليل نهار، وسأل عمن يعيله، فقال الرجل بأن أخاه هو الذي يتولى تسديد عيشه، فأجابه الفاروق بما هو معروف، والله إنه لأعبد منك.. على كل، لم يفهم الكثيرون كيف أن بنكيران، الذي طلب من المعطلين أن يتوجهوا إلى الله عز وجل من أجل العمل والبقاء على قيد الحياة، لم ير ضرورة لكي يقرر الضريبة على الثروة، وعبأ الأغلبية لفض مقترحات المعارضة الاتحادية والنقابية في هذا الباب؟ لقد تراجعت الحكومة عن فرض ضريبة على الثروة، كما تم إقرارها في مجلس المستشارين خلال مناقشة مشروع قانون المالية. وقد احتج الفريق الاتحادي بالغرفة الأولى على إلغاء الضريبة على الثروة، والتراجع عن فرض هذه الضريبة التي تم إقرارها خلال المناقشات التي عرفتها لجنة المالية بالغرفة الثانية. وكان الفريق الفيدرالي قد تقدم بهذا المقترح، والذي يفرض الضريبة في حدود واحد في المائة على الثروة التي تتراوح بين 10 ملايين درهم و30 مليون درهم، وفي حدود واحد ونصف في المائة بالنسبة لأصحاب الثروات التي تتراوح بين 30 مليون درهم وأقل من 50 مليون درهم، وفي حدود 2.5 في المائة بالنسبة للثروات التي تتجاوز 50 مليون درهم. ومازلت أذكر ما كتبه السيد سعد الدين العثماني، على صدر صفحات المساء، عن «أغنياؤنا وأغنياؤهم»، وكان ذلك على ضوء الخبر الذي انتشر وقتها عندما قرر أحد كبار أمريكا والعالم، وارين بيتي، التخلي عن جزء من ثروته لفائدة الدولة، كما تحدث بالأساس عن عدم العدل الضريبي في بلاده وفي الغرب، وكيف اتخذ موقفا نبيلا أعجب وزير خارجيتنا العثماني آنذاك. واليوم نرى أن أول من يتراجع عن الضريبة على الثروة هي الحكومة. والرزق هنا لا يعتبر حصرا على أصحابه، بل لابد من أن تأخذ منه ضريبة بأمر العدالة والعدل الاجتماعي والتضامن الاجتماعي. لقد تابعنا كيف أن فرنسا عاشت النقاش بكل قوة، ما بين اليمين، الذي دافع عن «المظلة الضريبية لفائدة الاثرياء» وما بين أنصار هولاند الذين يعتبرون تلك الضريبة مساهمة في الإقلاع الاقتصادي والتضامن الاجتماعي وخلق شروط السلم الاجتماعي. وما بين الضريبة على الثروة وبين الدعوة إلى التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، مسافة زمنية لا يبررها كتاب ولا تبررها مسؤولية. فكلكم راع، وكل راع مسؤول عن رعيته. ولقد كان التاريخ البشري دوما مسرحا للنقاش بين التأويل الديني لضيق الحياة البشرية وبين مسؤولية الإنسان في اختياراته وفي قدرته على تعديل الموازين لفائدة بني جلدته. وكانت القوة الدافعة نحو مسؤولية البشر في أفعاله تواجه الهروب إلى البداهة الدينية والإيمانية في قضايا هي من صميم المجتمع ومسؤولية الدولة. فهل كانت المعادلة هي إعفاء الدولة من مسؤوليتها باللجوء إلى الدعاء. إننا ندعو الله في كل شيء، ثم نعقلها ونتوكل. وهذا في المرض وفي الجوع وفي الخوف وفي الآفات.. والدولة لا يمكنها أن تجسد بوابة الهروب من المسؤولية. لا يمكن حل معضلة البطالة بالفتوى، بالدعوة إلى توبة.. فهؤلاء معطلون وليسوا .. زائغين أو مرتدين أيها السيد الرئيس!! [email protected]