عبد السلام انويكة توجد عدة مراكز قروية تابعة لاقليمتازة، تحديدا منها تلك التي توجد غير بعيد عن المدينة، في حدود العشرة أو الخمسة عشر كلم، توجد وكما هو الحال في جل مناطق وجهات المملكة، بحكم التحولات والإنتعاشات في الأحوال والتي باتت ظاهرة للعيان خلال العشر سنوات الأخيرة، توجد هذه المراكز والتي تدخل ضمن التراب التابع للإقليم، على إيقاع متغيرات مجالية/عمرانية/خدماتية/ وثقافية كذلك،نظرا لوجود شرائح مهمة من الشباب المثقف والحاصل على شواهد في هذا المجال وذاك، والمرتبط بالمنطقة إما من خلال عمل قارعمومي أوخاص، أو منخرط في أنشطة مفتوحة على التنمية المحلية عبر مكونات المجتمع المدني، هذا الأخير الذي عرفت أرقامه، إسهاماته وفاعليته، امتدادات مشجعة خلال الأربع سنوات الأخيرة وعلى عدة أصعدة وانشغالات، لها علاقة بالمحلي بالقرب، الأمر الذي يمكن اعتباره ظاهرة، بل قيمة مضافة صحية هامة، لفائدة مناطق قروية لاتزال رغم كل الجهود العمومية، تئن من شدة التهميش والإختلالات هنا وهناك،واحيانا على كل المستويات. المراكز القروية المحيطة بمدينة تازة، توجد على إيقاع حركية وتنقلات يومية، بحكم الإرتباطات الخدماتية بين المجالين القروي والحضرى، وبحكم ما يوفره هذا الطرف أوذاك للآخر، في اطار منافع متبادلة، من مواد منتجة محليا أو موزعة، من قدرات للعمل في كل الأوراش، من خدمات مالية/ادارية/تعليمية/صحية/ترفيهية... بحيث ما يلاحظ كل صباح خاصة في أوقات الذروة من وإلى الآخر، وسواء على مشارف الطرقات الرئيسية منها أوالثانوية المفتوحة على المجال القروي للاقليم، بمحطات وقوف السيارات ذات الخطوط الرابطة بين المدينة وجميع الدوائر والجماعات التابعة، محطات وقوف سيارات ما يعرف بالنقل السريع، ناهيك عن المستعملين لوسائل نقل خاصة، من خلال كل هذه الإعتبارات التقنية والبشرية، تظهر وبشكل معبر تلك التوجهات لأعداد هامة من الموظفين، خاصة في مجالي التعليم والصحة وغيرهما، هذا بالاضافة الى عدد هام من الطلبة الجامعيين والمتمدرسين بالثانوي التأهيلي المستفيدين وغير المستفيدين من النقل المدرسي، كذلك المتسوقين والذين يقصدون الأسواق الأسبوعية القروية المجاورة إما من اجل التجارة أو التسوق بحثا عن المواد المحلية الإنتاج حيث الجودة والأثمنة المناسبة وغيرها من السياقات الجاذبة بين المدينة والمحيط القروي.وبين الصبيحة والمساء من كل يوم، وهذه التنقلات اليومية للمواطنين بين تازةالمدينة والمراكز القروية المجاورة،تؤمنها أعداد هائلة من وسائل النقل،إنما عبر طرق وبتعبير أدق مسالك طرقية قروية،واقع حالها يعني التهميش واللامبالاة، ويعني الإبقاء عليها وعلى وضعها المهترئ تعميق الهشاشة في العالم القروي، عرقلة مبادرات التنمية والإستثمارات، وحرمان الساكنة القروية من الخدمات الأساسية الإجتماعية وغيرها. والرداءة التي توجد عليها شبكة الطرق القروية بدون أي جواب مقنع،لا تخص منطقة ما، فالمسألة تقريبا هي من عيوب النقاط التابعة للاقليم، مع بعض التباينات لأسباب عدة ومتداخلة، فإلى جانب ضيق هذه المسالك الطرقية، هي متآكلة الأطراف وبشكل فظيع وكأنك في إحدى المناطق من افريقيا جنوب الصحراء إن كان كذلك هذا التشبيه، ويكفي إحالة القارئ على هذه الإشارات من المسلك الطرقي الرابط بين مركز كلدمان والطريق الوطنية رقم ستة غير بعيد عن مدينة تازة من جهة الشرق، فعلى امتداد ، تقريبا، العشرة كلمترات ، هناك ما يشبه ليس الطريق، ولكن «الجحيم» الطرقي،هذه المحنة والتي يكتوي بها الذين يعبرون هذا الطريق يوميا من رجال تعليم وممرضين و موظفين اداريين ومعهم الطلبة والمتسوقين والسكان،وكثيرة هي الحوادث القاتلة التي كانت من اسبابها الرداءة الطرقية،ولا داعي لإعطاء امثلة عن ضحايا هذا الطريق رحمهم الله. للاشارة فقط فالسيولة البشرية اليومية التي تتدافع يوميا بين تازة وكلدمان ترتب الأولى اقليميا،لأسباب موضوعية، نظرا لكون المنطقة فلاحية بامتياز تزود المدينة تقريبا بكل المنتجات الغذائية من الخضر والفواكه وغيرها، بل هناك استثمارات فلاحية بها باعثة على الأمل لدعم المغرب الأخضر، وتوفير فرص الشغل بالعالم القروي محليا، بشكل من شأنه التخفيف من حدة الهجرة والنزيف القروي تجاه المدينة، والذي يقطع هذا الطريق يوميا، قد يكون لاحظ كيف يفضل أصحاب السيارات بعض الجنبات غير المعبدة أو ما يعرف ب«البست» حفاظا ليس فقط على الحالة الميكانيكية للسيارات، بل على سلامتهم،مع أن المنطقة مشجعة على الإستثمارات في المجال الفلاحي،نظرا لتوفر كل الشروط الطبيعية،بل هناك عدة تجارب من هذه الاستثمارات لعدد من ابناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج والتي اقتنت ضيعات هامة زراعية بالمنطقة، لكن ، للأسف، هذه الرهانات في الإستثمار تصطدم بواقع حال بنيات تحتية غير مواكبة ولا متوازية، ومنها في المقدمة حالة الطرق القروية. وللوقوف على نماذج/صور فقط من الطرق القروية التي تشكل المعاناة الحقيقية لساكنة العالم القروي، خاصة في الفترات المطيرة من السنة، وبعيدا عن جنوبالاقليم، يمكن تمثل كيف هي أحوال المسالك الطرقية المتواجدة بتراب الجماعة القروية باب المروج وغيرها من الجماعات في مقدمة الريف شمال الاقليم، حيث كثافة بشرية قروية ترتب الأولى على صعيد الإقليم، وحيث محدودية مصادر العيش القروي ومعها ضعف فظيع في المرافق الاجتماعية/صعوبة الوصول الى مراكز بعض الخدمات كما هو الحال بالنسبة للصحة والتعليم..ومن جملة المعاناة اليومية لساكنة المنطقة، وضعية المسالك الطرقية وتقطعاتها، بل غياب جسور على الأودية والتي تسمح بالتواصل اليومي وبعبور وسائل النقل والسيارات الخاصة وغيرها، ولعل النموذج من المعاناة اليومية على امتداد السنة تقريبا،باستثناء فترة الصيف نسبيا حيث قلة المياه في الأودية، هي تلك التي ترتبط بما يعرف محليا ب» النقبة»او»نقبة باب السبت» عند مفترق الطرق بين اربعاء بني لنت وبين مركز «ضريح أحمد الزروق»، وما ادراك ما هذا الإسم الصوفي المغربي الشهير،فعندما يصل الانسان الى هذه النقطة في محاولة للعبور الى قبيلة البرانس، يجد نفسه بين ضفتين لوادي»لحضر» الشهير حيث المجرى المائي واسع الامتداد وممتلئ بالأحجار المعرقلة للولوج،اللهم للشاحنات ، الجرارات «التراكتور» بالتعبير الشعبي .وفي فصل الصيف فقط،وكل مغامرة في فصل الشتاء من أجل توفير تموين الساكنة بالحاجيات الغذائية وغيرها،تكون محفوفة بالمخاطر، والأمثلة كثيرة ! ولا داعي هنا للوقوف على أعداد معبرة الأرقام من ضحايا هذا المعبر/الوادي، والذين جرفتهم مياه الفيضانات في الفصل المطير اوما يعرف محليا ب»الحملة» نظرا لغياب طريق بديل ولا قنطرة مؤمنة لتلك التنقلات اليومية.وتشكل هذه النقطة من الطريق بين قوسين والذي يصل باب المروجبتازة، علامة سوداء ووصمة عار على جبين كل المعنيين بالشأن المحلي، بإعداد التراب والتنمية القروية، فالساكنة المحلية لا تريد سماع المشاريع على الأوراق، الانتظارات، والذي قد يأتي وقد لا يأتي،ساكنة قبيلة البرانس المعنية بهذه المعاناة منذ نصف قرن،تريد التنمية محليا بما يضمن العيش الكريم والاستقرار دون التفكير في الهجرة الى المدينة،وتريد طريقا قرويا بالمواصفات، مفتوحا ويسمح بالولوجية على مدار السنة عبر قناطر ليس كالتي جرفتها الأنهار اثناء هيجانها/فيضانها،قناطر تسمح بذلك الارتباط الموضوعي/الخدماتي بين تازةالمدينة وهذا المجال القروي،الذي اعطى الشيء الكثير من دمائه ورجاله للمقاومة/لجيش التحرير/للاستقلال، ومن لايعرف في تاريخ المغرب»معركة بين الصفوف» خلال السنوات الحرجة للاستقلال! للاشارة هناك عدة مكونات للمجتمع المدني بهذا المجال القروي،والتي تتوفر على إرادة قوية من أجل الدعم والتعاون والتشاركية،من أجل تقوية وترميم أحوال هذه المسالك الطرقية، مجتمع مدني له مبادرات في الإستثمار، وعدد هام من الفاعلين في هذا المجتمع المدني هو حامل لشهادات، لا يريد هؤلاء وظيفة عمومية، بل فقط تسهيل مساطر وشروط الإستثمار في مثل هذه المناطق ذات الهشاشة، ومن جملة ما يمكن ان تسهم به الأطراف الوصية، جماعات محلية، دوائر ترابية، مصالح خارجية، ..فك العزلة عن الدواوير وعن المنطقة عبر المسالك الطرقية. الشبكة الطرقية القروية باقليمتازة،مع استثناءات محدودة جدا، هي عين الهشاشة التي جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل تجاوزها،وقد يكون الوجه الباهت لعلامات وإنجازات وتأثير وفاعلية برامج المبادرة الوطنية على مستوى اقليمتازة، بخلاف الأقاليم الأخرى، مرتبط في أحد جوانبه بواقع حال الطرق القروية خاصة بالمناطق الصعبة الولوجية، وما قد يكون هناك من رهان وطموحات في دعم الانشطة المدرة للربح بالعالم القروي، بواسطة ميزانية المبادرة الوطنية، قد يصطدم بما يوجد عليه هذا الأخير من واقع،هو في حاجة الى تدخلات غير خافية على أحد وعلى عدة مستويات، خاصة وأن واقع الحال هو نتاج تراكمات يلتقي فيها سوء التدبير بالتهميش المركب للمنطقة.