استطاع أهالي الريف وبقيادة الشهيد محمد أمزيان أن يسطروا ملحمة بطولية لم تَنْمَحِ من الذاكرة الجماعية المحلية واستوطنت ذاكرة المقاومة المغربية رغم أن البعض راهن على تسييد ثقافة النسيان والحرب على الذاكرة لمحو هذه الملاحم من سجل التاريخ والذاكرة الوطنية ، وهنا لابُدَّ من التساؤل أين تاريخنا المغربي المنسي وبالخصوص الملاحم البطولية العديدة التي صنعها أهالي الريف منذ نزول الإسبان بِثَغْر مليلية , فمن معارك مليلية إلى المقاومة الريفية الأولى بقيادة الشهيد الشريف محمد أمزيان إلى المقاومة الريفية الثانية بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي, إلى ملاحم أهل الريف في صفوف المقاومة وجيش التحرير بالشمال وبالخصوص بمثلث الموت: بورد، أكنول، تيزي وسلي ثلاث سنوات من المقاومة المسلحة للتغلغل الإسباني بالريف (1909 -1912) لم تفقد توهُّجها في الذاكرة الجماعية المحلية، بفضل سيادة ثقافة الملفوظ/الشفهي بالمنطقة، بل كانت دوما وأبدا منارة مُشِعَّة ومحطة بارزة في تاريخ المغرب الحديث ، إذ بفضل الشخصية «الكارزمية» التي كان يتمتع بها المجاهد الشريف محمد أمزيان, استطاع أن يضع حدَّا للخلافات والخصومات والنزاعات التي كانت تنشب بين القبائل بالريف الشرقي من حين لآخر، لتَتَوَحَّد في صف واحد وهدف أوحد، ألا وهو الانشغال والتَّفَرُّغ لطرد الغازي المتباهي بقوته وعتاده وعرقلة تقدمه وتغلغله بربوع مختلف مناطق الريف الشرقي عَبْر ضَرْب البنية التحتية التي أنشأها الغازي لاختراق وهاد وسهول وجبال الريف للوصول إلى الثروات المعدنية المتواجدة به من حديد ورصاص... بإقامة خطوط السكك الحديدية لربط المناجم المعدنية بالمنطقة بميناء مليلية لتغذية الاقتصاد بالمتروبول، بعد أن فقد العديد من الأسواق والمواد الأولية الضَّروريَّة لأية صناعة في مستعمراتها القديمة في أمريكا اللاتينية وآسيا, وبهذه التعبئة استطاع الشهيد الشريف محمد أمزيان أن يحارب دولة قوية لها باع طويل في ميدان الاستعمار واستغلال خيرات الشعوب المستَعْمَرَة، وقبل ذلك لمدة خمس سنوات (1903 -1908) حارب المتمرد بوحمارة الذي باع خيرات الريف من المعادن للرأسماليين الفرنسيين والاسبان -ولم يكن لديه من الرِّجال إلا العدد القليل، قليلة في عددها وأسلحتها وذخائرها، ولكنها قوية بعزيمتها وإيمانها وبوطنيتها ومتشبعة بقيم الحق والعدل ونبذ الظلم ، وبهذه العزيمة القوية استطاع الشهيد رفقة المخلصين له ولدينهم ولأرضهم أن يَخُوضَ أزيد من مائة معركة، وبهذه الشجاعة والبطولة الوطنية المتدفقة في عروق المجاهدين, استطاعوا أن يحوِّلوا أرض الريف الشرقي إلى مقبرة للجيوش الإسبانية، وترتب عن هذه المعارك تَكْبيد القوات الغازية خسائر مادية وبشرية هائلة، هذه الخسائر التي حركت الرأي العام الإسباني بقوة في تلك الفترة حتى دخلت دولة إسبانيا في دوامة من الاضطرابات السياسية والقلاقل الاجتماعية, جعلت المعارضة تَسّتَغِلُّ الفرصة وتَنْزِل إلى الشارع ، مما ترتب عنه فترة عرفت بعدم الاستقرار السياسي وبسيادة الفوضى والتي أربكت حسابات السياسيين والمؤسسة العسكرية حتى كادت أن تزعزع أركان الدولة الإسبانية من العرش إلى الحكومة إلى المؤسسات الدستورية, خاصة الحدث الذي عرف في الأدبيات التاريخية بالأسبوع التراجيدي الدموي ببرشلونة 1909. وبهذه الانتصارات العظيمة، استطاع أهالي الريف وبقيادة الشهيد محمد أمزيان أن يسطروا ملحمة بطولية لم تَنْمَحِ من الذاكرة الجماعية المحلية واستوطنت ذاكرة المقاومة المغربية رغم أن البعض راهن على تسييد ثقافة النسيان والحرب على الذاكرة لمحو هذه الملاحم من سجل التاريخ والذاكرة الوطنية ، وهنا لابُدَّ من التساؤل أين تاريخنا المغربي المنسي وبالخصوص الملاحم البطولية العديدة التي صنعها أهالي الريف منذ نزول الإسبان بِثَغْر مليلية , فمن معارك مليلية إلى المقاومة الريفية الأولى بقيادة الشهيد الشريف محمد أمزيان إلى المقاومة الريفية الثانية بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي, إلى ملاحم أهل الريف في صفوف المقاومة وجيش التحرير بالشمال وبالخصوص بمثلث الموت: بورد، أكنول، تيزي وسلي، ومن التاريخ الرسمي والكتب المدرسية والصناعة السينمائية والبرامج التلفزية الوثائقية. أين موقع هذه الملاحم في فضاءات الفن العمومي ؟! وما نصيبها من إقامة مراكز ومتاحف للتعريف بها لدى الأجيال المتعاقبة، خاصة وأن بعض الأعلام صناع هذه الملاحم وصلوا إلى درجة النِّسيان، بل وأضحى العديد من التلاميذ وبعض المنتمين إلى الهيئات التدريسية لا يميزون بين الشريف محمد أمزيان، الذي تحمل المؤسسة التي يدرُسوُن بها أو يدرسون بها إسمه، والمارشال محمد أمزيان، وهذه نتيجة من نتائج سيادة مرحلة قراءة التاريخ الوطني بقراءات غارقة في الايديولوجيا لتاريخ المغرب، والتي عملت ما في وسعها وبكل الأساليب لقلب الحقائق التاريخية عبر تأثيث وتوطين الذاكرة الوطنية المحلية بأشخاص وأعلام مُعَينين وتهميش آخرين وجعلهم يسكنون غياهب النسيان، حتى أضحى المغاربة يجهلون الشيء الكثير عن أعلام المقاومة المغربية ورموزها، ويعرفون الشيء الكثير عن أعلام ومشاهير أجانب ينتمون إلى عالم الفن والرياضة... ومادام المغرب الرسمي رفع شعار المصالحة مع الذات وإنصاف المناطق التي همشت لعقود وعقود ثقافيا وإجتماعيا وتاريخيا ، فإن المصالحة الحقيقية مع الريف والمغرب غير النافع هو العمل على رد الاعتبار للإنسان والمجال بالتنمية المستدامة والاعتراف بمساهمة أهالي تلك المناطق في معركة التحرير وهذا يتطلب رد الاعتبار للذاكرة التاريخية المحلية, وفي اعتقادنا أن أول خطوة على الطريق الصحيح هو تسليط الأضواء على الأحداث التاريخية وعلى الأشخاص الذين كانوا وراءها ، التي شهدتها ربوع البلاد إبان فترة الحماية وقبلها وبعدها ، والتي كتب عنها المؤرخون الأجانب الشيء الكثير وكادوا أن يقتلوها بحثا وتنقيبا ، في حين أن المؤرخين المغاربة لم يحاولوا الاقتراب منها ومن فعل كتب عنها النَّزْر القليل . ورغم مرور 100 عام على استشهاد البطل وشهيد الوعي الوطني -على حد تعبير أستاذنا ومؤرخنا الدكتور حسن الفكيكي- الشهيد الشريف محمد أمزيان، فإنه لازال من الوجوه الوطنية المبعدة من الكتب التربوية ومن المجال العمومي، إذ كيف يعقل أن تبرمج القناتان الأولى والثانية برامج خاصة عن مرور قرن على عقد الحماية ولم تشر تلك البرامج ولو إشارة عابرة إلى هذا البطل. رغم انه كان من الرواد الأوائل للمقاومة الشعبية للاحتلال الإسباني بمنطقة الشمال. وفي الأخير يبقى الأمل معقودا على المركز السينمائي والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والأشخاص الذاتيين والمعنويين العاملين في ميدان الإعلام والسينما لإنجاز أشرطة وثائقية وأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزية تُعَرِّف بهؤلاء الأبطال الذين قدموا حياتهم قربانا على مذبح الحرية والتحرر والانعتاق من الاستعمار من أجل الوطن . كما لازلنا ننتظر أن يخرج مشروع المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب الذي سبق أن أعلن عنه خلال سنة 2007 ، إلى حيز الوجود والمتمثل في إخراج مشروع طموح يروم إصدار مؤلف تركيبي لتحيين تاريخ المغرب ومقاربته كموضوع وقضايا والذي سيساهم في إعداده ما يربو عن أربعين باحثا ، قصد تجديد الرؤية وتطوير منهج التعامل مع المعطى المصدري للتاريخ المغربي في إطار التفاعل بين الذاكرة الشفاهية والتاريخ الموثق ، ورغم مرور حوالي سنتين عن الإعلان عن هذا الوعد / المشروع ، إلا أننا لازلنا ننتظر إلى يومنا هذا قراءة أخرى علمية وموضوعية لتاريخنا الوطني بعيدا عن القراءات الإيديولوجية والأنانيات الجهوية. (*) منسق مجموعة «ثوسنا» لتوثيق الموروث الثقافي بالريف الشرقي معركة أنوال الأخرى...أو معركة الشريف امزيان في غوروغو.. تلقت الجيوش الاسبانية في سنة 1909 إحدى أكبر هزائمها العسكرية ، وبالرغم من ذلك, فإنها معركة لم تحظ بنفس الشهرة التي لقيتها انوال المجيدة، وهي المعركة التي تحتفظ الذاكرة الاسبانية باسمها كمعركة« جرف الديب» أو « الديزاستري ديل بارانك، ديل لوبو»، والتي شكلت المسمار الذي دقه المجاهدون الريفيون في منطقة دقيقة في جسد الاسبان. بدأت القصة منذ 1906، مع معاهدة الجزيرة الخضراء، الخزيرات, عندما تم منح اسبانيا المنطقة الشمالية من المغرب، وبعد سنتين من ذلك ، قرر بوحمارة بيع رخص استغلال مناجم اوكسان الى احد الصناع الفرنسيين والى دولة اسبانيا بدون مشاورة مع القبائل. وسارع بعد ذلك الى استخدام عمال اسبان من اجل حماية السكك الحديدية ، وهو ما اجج غضب القبائل في المنطقة وبداية العمليات ضد المعمرين وتابعهم بوحمارة. وفي سياق المواجهة التي بدأت, تمكن الشريف امزيان ، كقائد ديني ومعنوي من توحيد القبائل ، و اعطاء انطلاق عمليات مواجهة الاستعمار وعمليات تخريب منشآته. وفي 9 يونيو 1908، قتل ستة عمال اسبان بعد عملية هجوم ريفية، وهو ما اعطى التبرير للقائد العسكري في مليلية،الجنرال مارينا بالتدخل العسكري والاستجابة الى الشركات الصناعية العاملة في المنطقة. وهكذا عرفت بداية 1909، مناهضة غير مسبوقة من طرف القبائل للوجود الاسباني وتزايد العمليات، وكذا حالات الانسحاب من الشرطة الاهلية والجندية الاسبانية، . ومع بداية يوليوز اتضح أن الطرفين، الريفي والاسباني في حالة استعداد للمواجهة. وكان الريفيون في وضع المتمكن من المنطقة والمعرفة الدقيقة بكل تضاريسها، بالاضافة الى سرعة التحرك والتنقل، في مقابل ذلك كان الطرف الاسباني يتوفر على 22 الف جندي مسلحين بأحدث الأسلحة..استقرت الجيوش الاسبانية في منطقتي سيدي احمد وسيدي موسى، في حين ظلت فيالق المقاتلين الريفيين في الاعالي، وما بين 12 و17 يوليوز من نفس السنة، تمكن جنود امزيان من استعادة المنطقتين اللتين اختارتهما قوات الجنرال مارينا. وكان المقاتلون قد اختاروا أعالي جبل غوروغو، غير بعيد عن ازغنغان حاليا، كمنطقة للانسحاب التاكتيكي بعد كل عملية عبر ممر يسميه الاسبانيون «ممر الذيب أو جرف الذيب وتوالت العمليات وتوالى سقوط الجرحى الاسبان, وفي 26 يوليوز استعمل الجنرال مارينا المعلومات الاستخبارية وقرر الصعود الى جبل غوروغو وثمة وجد المقاتلين في انتظاره. وكانت النتيجة مقتل 7 ضباط, بالاضافة الى مئات القتلى والجرحى، ارتفع عددهم من بعد الى 2200 جريح...