مدينة الصويرة، التي راهنت على السياحة لتحقيق إقلاعها الاقتصادي ولعب دور القاطرة في مسلسل تنميتها التي كان يفترض أن تكون مندمجة تستحضر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والسياسي على وجه الخصوص، بدأت تشكو آثار التباطؤ الاقتصادي الذي تحول إلى أزمة تعيش على إيقاعها منطقة الاورو التي تعتبر المصدر الأول للسياح إلى المغرب عموما، والصويرة على وجه الخصوص. مؤسسات سياحية بدأت تغلق أبوابها، وأخرى تجتر مجموعة من المشاكل والديون وتجد صعوبة في الوفاء بالتزاماتها إثر تقلص الحركية السياحية منذ سنة تقريبا، الشيء الذي وضع الفاعلين السياحيين أمام سؤال قلق يتمحور حول مستقبل القطاع في أفق القادم من الأيام ، وفي ظل القراءات الاقتصادية التي لا ترى انتعاشة اقتصادية في منطقة الاورو إلا بعد 2015 . صحيح أن مدينة الصويرة لم تكن يوما وجهة رئيسية أو منطقة مصدرة للسياح ، كما هو الحال بالنسبة لمراكش أو أكادير، وتعتبر بالتالي منطقة عبور لا يتجاوز معدل ليالي المبيت بها أكثر من ليلتين، إلا أن تداعيات الازمة الاقتصادية أثرت كثيرا على القطاع السياحي بالمدينة. وبغض النظر عن هذا المعطي الذي يعتبر ظرفيا في جميع الأحوال، فإن قطاع السياحة بالصويرة يجتر مشاكل بنيوية أصبحت جزءا من الهموم الكبيرة للفاعلين السياحيين الذين اتصلوا بالجريدة يدقون ناقوس الخطر إزاء التراجعات الخطيرة التي تعيشها المدينة على مستويات كثيرة، بداية بالتدبير المحلي الرديء للمجلس البلدي الحالي، فالمشاكل الأمنية ، فتهالك البنيات التحتية والخدمات، فحالة استفحال ظاهرة السياحة غير المهيكلة على مرأى ومسمع من السلطات المحلية والمنتخبة والمصالح المختصة. الخطير في الامر أن التصنيف لم يعد يتراوح بين مؤسسة مرخصة وأخرى غير مرخصة، بل بات يطال حتى المرخصة منها، حيث تفشت ظاهرة تجاوز هذه الاخيرة للقانون من خلال تشغيل محلات وإدارة أنشطة خارج القانون كما هو الحال بالنسبة لبعض المطاعم التي افتتحت مراقص ليلية، وأخرى «بارات» بدون أي ترخيص من الجهات المعنية. السياحة غير المهيكلة ليست تخصصا مغربيا ولا هواية أجنبية، فالتواطؤ حاضر في هذه الاختلالات بين الجهات المتدخلة ، بمن في ذلك بعض ارباب الفنادق المرخصة والذين باتوا يركبون على موجة الشقق الجاهزة للكراء . غير أن الخطير في سلوك الكثير من الاجانب الذين اكتشفوا ذات صدفة «الدورادو» السياحة غير المهيكلة بإقليم الصويرة، هو إدارتهم لنشاطهم غير القانوني خارج الحدود، على مرأى ومسمع من الجميع، وبدون ان يمر النشاط المالي لمؤسستهم السياحية السرية بالدورة العادية للرأسمال عبر التحويلات البنكية، فالاقتناءات، فالتوريدات ، فأداء الضرائب والرسوم ، اذ تتم جميع العمليات المالية خارج الوطن في حسابات بنكية اجنبية وبالعملة الصعبة، فيكتفون فقط بتنسيق الوصول والمغادرة عبر الهاتف مع الخادمة أو حارس المنزل الذي يتكفل باستقبال وراحة الضيوف الموجهين قبلا. هؤلاء أجانب اشتروا منازل ليس بدافع إعادة بيعها، ولكن لاستثمارها بطريقة غير شرعية، تضرب كل الجهود الوطنية لمحاربة الاقتصاد غير المهيكل، فخلقوا دور ضيافة وفنادق بدون أي ترخيص يذكر، كل ما يحتاجونه هو موقع على شبكة الانترنت يبثون فيه صور بناياتهم العتيقة الجميلة ويبيعون ليالي إقامة بشكل مباشر، فيأتي السائح موجها إلى دار الضيافة وكان الأمر يتعلق بصديق أو ضيف، كل شيء يتم في هدوء، حتى تشغيل اليد العاملة المغربية من عاملات نظافة وطباخات وخدمة غرف يتم بشكل سري وبتواطؤ مع العاملات المطحونات بالفقر والحاجة، فلا ضرائب ولا تراخيص ولا تأمين ولا ضمان اجتماعي ولا امتثال لأدنى مواصفات قانون تصنيف المؤسسات السياحية. « نحن ندفع الضرائب والرسوم والأجور والتأمينات وواجب الضمان الاجتماعي نخضع لعمليات تفتيش منتظمة ونكون مطالبين في كل مرة بالانضباط للمقتضيات القانونية في ما يتصل بالجودة والأمن والنظافة وشروط الصحة. كل ما نطلبه في المقابل هو أن تتحمل المصالح المختصة مسؤولية حماية مصالحنا بداية بمحاربة ظاهرة انتشار الفنادق ودور الايواء غير المهيكلة . ولا أريد ان اكون متشائما فأطالب فقط بمساواتنا مع هذه الفئة التي يتم التساهل مع الكثير من خروقاتها فيما يتم التشدد معنا في امور تعتبر ضرورات مؤسساتية بالنسبة للقطاع » صرح لنا صاحب فندق مستنكرا صمت السلطات المحلية والمنتخبة والوزارة الوصية . الخطير في الامر هو التطبيق الانتقائي للمقتضيات القانونية المنظمة لمسطرة فتح أو التحويل الى منشآت سياحية. ففي مقابل التشدد مع بنيات سياحية ذات جودة وتحمل بالتالي قيمة مضافة للقطاع بالمدينة، يتم الترخيص لدور وإقامات لا تتوفر فيها أدنى شروط الجودة والأمن والصحة. وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الخلفيات الحقيقية التي تحكم تدبير الملف منذ سنوات كثيرة. كما أن مشكل السياحة غير المهيكلة لم يعد لصيقا فقط بالمدينة العتيقة ، بل غزا حتى نواحي الصويرة بالغزوة، اربعاء اداو كرض، و أوناغة. سياحة من نوع خاص تستغل الارض والبحر والهواء والتاريخ والثقافة والإرث العمراني وحتى البشر بدون أن تدفع فلسا واحدا لخزينة الدولة أو الجماعات المحلية. فهل ستتحرك السلطات المحلية ، والمجلس البلدي والوزارة الوصية من أجل تطويق هذه الظاهرة التي باتت تستنزف قطاع السياحة بمدينة الصويرة، التي مازالت تقاوم رغم كل شيء متشبثة بروحها الجميلة التي لن تنجح «الرداءة» في قتلها على كل حال؟!