بالرغم مما يمكن أن يقال عن طبيعة الحكومة الحالية وعن الظروف المصاحبة لتشكيلها والانتخابات التي سبقتها...، فإن متزعميها يدَّعونَ أنها حكومة التغيير والإصلاح. لكن المتتبع لواقع بلادنا يلاحظ عكس هذا الزعم، إذ من نافلة القول أنه لا يمكن للمغرب أن يبقى بمنأى عن الأزمة المالية العالمية، لأنه تابع لمنطقة أوروبية يسودها حاليا عدم الاستقرار المالي، ما جعلها تعرف ارتجاجات ذات انعكاسات سلبية اقتصاديا واجتماعيا... تبعا لذلك، فإن تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج ستعرف انخفاضا مهولا. علما بأنَّ أزيد من 70 % من تحويلاتهم توجه إلى مليون وخمسمائة ألف أسرة مغربية تتوصل كل واحدة منها بحوالي 28 ألف درهم سنويا؛ أي ما يعادل الحد الأدنى للأجور. كما أن ثلثي هذه الأسر يوجدُ في المناطق الفقيرة من المغرب. وهذا ما قد يؤدي إلى أزمة اجتماعية حادة. إضافة إلى ذلك، فستنعكس هذه الأزمة المالية الغربية على عائدات السياحة سلبا، حيث ستؤدي إلى انخفاض احتياطي العملة، وتعمق بالتالي عجزنا التجاري. علاوة على ذلك، ستصل أسعار البترول إلى 115 دولارا للبرميل على عكس توقعات الحكومة في قانونها المالي لهذه السنة، ما سيفرض ارتفاع نفقات صندوق المقاصة ب 6 ملايير درهم. كما أن الإنتاج الفلاحي لهذه السنة لن يتجاوز 49 مليون قنطارا في حين يحتاج المغرب إلى حوالي 80 مليون قنطار. وما يزيد الطين بلة هو أن المؤسسات النقدية الدولية تتوقع أن الجفاف سيضرب المنطقة التي يوجد فيها المغرب لمدة ثلاث سنوات. نتيجة ذلك وغيره، فإن الأزمة ستتعمق نظرا لعدم امتلاك المغرب ما يكفي من العملة الصعبة لتغطية نفقات كل هذا. يُضافُ إلى ذلك أنَّ الاستثمار البنكي في قطاع العقار بالمغرب قد أدى إلى ارتفاع لهيب المضاربات التي نجم عنها بدورها ارتفاع في الأسعار فاق القدرة الشرائية للمواطنين، فأصبحت المؤسسات البنكية المغربية عاجزة عن استرجاع الأموال التي ضختها في هذا القطاع غير المنتج. فلو قامت بالحجز على المشاريع التي موَّلتها فستفقد نسبة مهمة من المبالغ التي خصَّصتها له، لأن الديون تمثل 140% من قيمته المضافة، كما أن الشركات الكبرى العاملة في هذا القطاع عاجزة عن أداء مستحقات الممونين... فوق ذلك، فملكية رأسمال كل من «القرض الفلاحي» و»الشركة العامة» و»البنك المغربي للتجارة والصناعة» تعود إلى مؤسسات بنكية فرنسية لها استثمارات ضخمة في اليونان التي تعرف أزمة مالية خطيرة. وإذا ضربت الأزمة تلك البنوك فإن فروعها هنا ستنهار أيضا، ما قد يخلق مشاكل مالية واقتصادية واجتماعية في بلادنا، كما أن «البنك الشعبي» يعتمد على تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج... ثمَّ إن مديونية المغرب تشكل ما يزيد عن 50% من الناتج الداخلي الخام، وهي مرشحة للتزايد، علما بأن السقف المحدد للمغرب من قِبَل المؤسسات المالية الدولية هو 60%، كما أنه من المتوقع أن تبلغ ديون المغرب 660 مليار درهم في أفق 2015. وإذا كان إنجاز المشاريع المبرمجة من قبل الحكومة السابقة يتطلب 300 مليار درهم، فإن الأوضاع المالية الحالية للمغرب لا تسمح بذلك، وبالتالي فمن المستحيل الحديث عن مشاريع جديدة في القانون المالي الحالي. يُضاف إلى ذلك أن الحكومة الحالية وعدت المغاربة بنسبة نمو تتجاوز 7% وبمعدل تضخم لن يتجاوز 2%، لكن توقعات صندوق النقد الدولي تؤكد أن نسبة النمو ستنخفض إلى2,5 %. فيما ستمثل نسبة التضخم 2,5 %. نتيجة هذه الأوضاع المتردية، فقد يؤدي عجز الحكومة عن إيجاد حلول إلى إغلاق بعض المقاولات وتسريح المستخدمين، ما يزيد البطالة استفحالا... بناء على ما سبق، يتبين أن القانون الماليالحالي ليس سوى تمرين محاسبي comptable يفتقر لأي رؤية اقتصادية واجتماعية، حيث يبدو أنَّ واضعيه لا علاقة لهم إطلاقا بواقع المغرب. لقد جعلت كل هذه العوامل وغيرها فرص اقتراض المغرب من المؤسسات الدولية تتضاءل، ما سينعكس سلبا على الاستثمار الخارجي في بلادنا ويؤدي احتمالا إلى مشكلات شتى قد تهدد استقرار البلاد... خلاصة القول، فإنه بدون الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها المشكلات أعلاه، سيصبح خطاب التغيير الذي تدعيه الحكومة مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع. فإذا كان التغيير يصل بالفعل السياسي إلى أعلى درجاته، فإن الحكومة المغربية الحالية تنزل به إلى حالة من الجمود. وإذا كانت طبيعة التغيير تتحدى الجمود، فإن هذه الحكومة تجسد السكون والتراجع... وإذا كان التغيير يصارع الزمن ويسارعه وينفذ إلى الأعماق، فإن فعل الحكومة ليس فقط منعدما، بل إنه لا يمنح أي اعتبار للزمن، كما أنه لفظي لا يتجاوز حدود الشكل.