لم يكن علي ح . يعلم أنه سيدخل في دوامة من الاقتراض لتلبية متطلبات أسرته خاصة وأن راتبه كان يعتبر كافيا لمواجهة تكاليف الحياة اليومية . "" فقد اضطر قبل خمس سنوات إلى الاقتراض من البنك لاقتناء سكن يؤويه وزوجته وطفليه لكن مع دخول الطفلين إلى المدرسة وارتفاع تكاليف ومتطلبات الحياة وفي ظل موجة ارتفاع الأسعار اضطر إلى الاقتراض ثانية منذ عام تقريباً . ويقول علي الذي يعمل موظفاً حكومياً “في حالة ارتفاع التكاليف أكثر سأجد نفسي مضطراً للبحث عمن يقرضني فالبنك لا يمكن أن يقرضني هذه المرة كما أن زوجتي أخذت هي الأخرى قرضاً من راتبها الهزيل لمساعدتي” . ويحذر عدد من المحللين من عواقب زيادة القروض المُقدمة من البنوك وشركات التمويل للفئات المتوسطة ومحدودة الدخل في الاعوام الاخيرة تخوفاً من عدم القدرة على السداد خاصة في ظل شبح التضخم الذي بدأ يخيم على المغرب واضطرار البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة . ورفع بنك المغرب (المركزي) مطلع الاسبوع سعر الفائدة القياسي ربع نقطة مئوية إلى 5 .3 في المائة فيما عزاه إلى مخاوف بشأن التضخم . وقال البنك ان معدل التضخم السنوي سجل 8 .4 في المائة في أغسطس/اب مقابل 1 .5 في المائة في يوليو تموز و7 .4 في المائة في يونيو/حزيران . وتفيد تقارير رسمية أن القيمة الاجمالية للقروض الشخصية في المغرب ارتفعت من خمسة مليارات درهم (644 مليون دولار) في العام 1995 إلى 30 مليار درهم في 2007 . وارتفع مستوى التخلف عن أداء مستحقات الديون من 97 .2 مليار درهم في 2004 إلى 2 .4 مليار درهم في 2006 . وينتقد المحللون تشجيع البنوك الكبير لعملائها على الاقتراض دون توعيتهم بالمخاطر في ظل الغياب شبه التام لجمعيات حماية المستهلك في المغرب . ويقول لحسن الداودي المحلل الاقتصادي والقيادي في حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعارض “احتياطي البنوك كبير جداً ولوضعها كودائع هذا مكلف جداً بالنسبة لها لذلك قامت بعمليات تسويق خطيرة جدا وصلت إلى جميع شرائح المجتمع” . وأضاف قائلاً ل”رويترز”: “المواطن المغربي العادي يضعف ولا يجد بدا من الاقتراض أمام الحاجة الملحة وغياب التمويل الذاتي” . ومضى يقول “الاقتراض هنا اضطراري كما أن البنوك استغلت غياب مؤسسات حماية المستهلك في المغرب لذلك وجدت مرتعها الخصب”، وتابع “المستوى الذي وصلت اليه الامور يهدد استقرار المؤسسات البنكية لانه لا يمكن أن تكون الوتيرة تصاعدية إلى ما لا نهاية” . وقال إن “المواطن العادي وصل إلى حد لا يمكن معه الاقتراض خاصة وأن حوالي 20 في المائة من القروض هي فائدة متحركة ومع دخولنا في منطق التضخم ومنطق الزيادة في نسبة الفائدة فهذا يؤدي إلى تقليص قدرة المقترض عن الاداء لأن الاداءات سترتفع في السنوات المقبلة” . وأفاد تقرير سابق لبنك المغرب أن القروض الاستهلاكية المقدمة من البنوك ارتفعت بنسبة 43 في المائة بين عامي 2006 و2007 لتصل إلى أكثر من 49 مليار درهم أي بما يعادل 11 في المائة من مجموع القروض المصرفية في حين بلغت قروض شركات القروض الاستهلاكية أكثر من 33 مليار درهم مسجلة زيادة قدرها 17 في المائة . وكشف التقرير عن استمرار تضخم ديون الاسر بحيث بلغت مديونيتها الناجمة عن قروض الاستهلاك والقروض الخاصة بالسكن ما مجموعه 120 مليار درهم أي 28 في المائة من مجموع القروض المقدمة والتي بلغت 422 مليار درهم . وقال المحلل الاقتصادي ادريس بن “المشكلة في كون الطبقة الوسطى تجد القروض سهلة بينما لاتزيد الاجور” . وأضاف “المشكل أننا لا نعيش في مجتمع استهلاكي فالاجور تتقوى مع الانتاجية أما المغرب لا يمكن أن يزيد في الاجور في ظل انتاجية منخفضة والا ستحدث الازمة” . وتتجه الدولة إلى تعزيز دور الطبقة الوسطى لضبط التوازن داخل المجتمع المغربي . وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أكد في خطاب في يوليو/تموز الماضي على “ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي لكافة السياسات العمومية هو توسيع الطبقة الوسطى لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار والقوة المحركة للانتاج والابداع” . ويقول الداودي “الدخل المتوسط عليه ضغط كبير . . يجب تغيير دخل الطبقة الوسطى” . وأضاف “الفئات الوسطى (عندما) تدخل في دوامة القروض لا يبقى لها هامش يسمح بالادخار أوالاستهلاك بشكل مريح” . ويرى الحل في تيسير أدوات التمويل البديل “لأن شريحة كبيرة من المغاربة يمكن أن تدخل في السوق وتزيد من الطلب” . ويقصد بالتمويل البديل المنتجات الاسلامية التي أطلقها المغرب العام الماضي ويرفض تسميتها “بالاسلامية” . وتقوم هذه الادوات المالية على منتجات الاجارة وعقود المرابحة والمشاركة . لكنها شهدت تعثرا مع انطلاقها بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالمنتجات التقليدية . ويواصل الاسلاميون في المعارضة ضغطهم لتطوير خدمات التمويل الاسلامي . ومما يزيد قلق المحللين الازمة المالية الامريكية الحالية التي يقلل المسؤولون المغاربة من حجم تداعياتها على الاقتصاد المغربي بسبب عدم ارتباط قطاع البنوك المغربي بنظيره الامريكي لكن المحللين يرون أن اندماج الاقتصاد المغربي في العولمة من شأنه أن تكون له تبعات سلبية . وقال الداودي “لا بد أن يأخذ قانون المالية للعام المقبل بعين الاعتبار الازمة العالمية التي قلل المسؤولون من خطورتها على الاقتصاد المغربي لكنها قد تطاله حيث ممكن ان تعرض قطاعات السياحة والاستثمار والصادرات إلى أضرار” . وكان عبداللطيف الجواهري والي بنك المغرب قال مطلع الاسبوع ان البنوك المغربية ليست معرضة للخطر بسبب الازمة المالية الامريكية لكنه لم يستبعد تضرر الاقتصاد بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي تثيره الاضطرابات المالية في الخارج .