وأنا أسجل الأحرف الأولى لمعالجة هذا الموضوع الهام والشائك في نفس الوقت، استحضرت على الفور روح أحد رموز التحكيم المغربي، الحكم الدولي المرحوم سعيد بالقولة، الذي أعطى درسا في التحكيم الراقي والنزيه، توجه بإدارته للقاء نهاية كأس العالم بفرنسا يوم 12 يوليوز 1998، وظل يخدم التحكيم الوطني إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم 15يونيو 2002. التحكيم يعد من بين أبرز المتدخلين، وطرفا أساسيا في اللعبة الرياضية. فالحكم بمثابة قاضي داخل رقعة الميدان بسلطته الواسعة، مع اختلاف مع قضاة المحاكم، حيث ينفرد بخاصية إصداره الحكم فورا وحال وقوع الخطأ. شخصيا عايشت مجموعة أجيال من الحكام، الذين كان يطلق عليهم أصحاب البذلة السوداء، منهم من شرف المهنة ومنهم فئة أساءت لها، ورغم ذلك، فإن التحكيم المغربي عرف تطورا، ساهمت فيه مجموعة عوامل منها تطور القطاع الاعلامي خاصة المرئي، وانتشار القنوات التلفزية والإذاعات، إضافة إلى الإعلام المكتوب، مراقبة الحكام، الشيء الذي يجعل الحكم تحت المجهر، وبالتالي يضطره إلى مراجعة ذاته والوقوف على أخطائه، إضافة إلى شخصية الحكم التي تبقى عنصرا أساسيا، في تطور التحكيم الوطني، الذي سجل مشاركته منذ مطلع التسعينيات في نهائيات كأس العالم، وفي تظاهرات كبرى أخرى. وتبقى الخاصية الأساسية في هذا الميدان هي الأخطاء، وبما أن الحكم بشر، فبديهيا أن يرتكب أخطاء قد تكون واضحة، وأخرى مشكوك فيها، ومنها ما يثير الجدل، فتتعدد القراءات لنوايا الحكم. ومع الأخطاء تكون الاحتجاجات من طرف الفرق، احتجاجات تبقى غير ذات فائدة مادام الحكم اتخذ القرار ولا يمكنه التراجع عنه، ومع ذلك قد تشعر بعض الفرق بالظلم، نتيجة قرار غير صائب، وأخرى تريد التأثير على الحكم، باعتماد وسائل قانونية كالاعتراض التقني، أو غير قانونية، بالتهجم على الحكم سواء في أرضية الميدان أو عبر وسائل الإعلام. ويبقى التحكيم ذلك المشجب، الذي تعلق عليه بعض الفرق فشلها، حيث يلاحظ أن الفئة المهمة من الفرق المشتكية هي تلك المحتلة للصفوف الخلفية والمهددة بالنزول، وعلى العموم يبقى التحكيم معرضا للانتقادات، والبطولة الاحترافية الحالية لم ينج خلالها أصحاب الصفارة من هذه الظاهرة، وأسوق هنا كنموذج، فريق الاتحاد الزموري للخميسات. فهذا الفريق، الذي يعيش وضعا سيئا على جميع الأصعدة، احتج على التحكيم خلال مجموعة محطات، أذكر من بينها 3 حالات تحكيمية؛ الأولى أثناء لقائه ضد المغرب التطواني بسانية الرمل، برسم الدورة 14، حيث لم يحتسب الحكم هدفا مشروعا سجله المهاجم الفاضلي، بعدما تجاوزت الكرة خط المرمى، والثانية أمام الرجاء البيضاوي بمركب محمد الخامس، برسم الدورة 22، عندما أعلن الحكم عن ضربة خطأ لصالح الرجاء، اعتبر مسؤولو الاتحاد بأنها خيالية، سجل على إثرها الرجاء هدف الفوز في الدقيقة 92، وهنا أكد أحد الفنانين البيضاويين الذي حل ضيفا على إحدى القنوات المتخصصة، بأنه لاوجود لذلك الخطأ. والحالة الثالثة كانت ضد الفتح الرياضي، برسم الدورة 26، حيث تعرض حكم اللقاء لانتقادات شديدة، من طرف الفريق الزموري، سيما وأنه ينتمي إلى مدينة يوجد أحد فريقيها في أسفل الترتيب. إن الكرة المغربية تعيش حاليا منعطفا حاسما بإحالة مجموعة من الحكام الدوليين والمرموقين على التقاعد، وظهور جيل جديد بدأ يشق طريقه، وعسى أن يحذو حذو سابقه. إن إثارة هذا الموضوع يصادف المرحلة الحاسمة والأخيرة من البطولة، حيث سنشهد لقاءات حارقة تهم مقدمة ومؤخرة الترتيب، ومعها وجب تعيين حكام أكفاء بمقدورهم إدارة هذه المواجهات بعيدا عن الانتقادات والاحتجاجات وحتى الاتهامات. وقد طالب إطار تقني التقيته مؤخرا باستقدام حكام أجانب لإدارة اللقاءات الساخنة. وحبذا لو يأخذ الجيل الجديد من الحكام بجدية ما قاله الحكم الراحل سعيد بلقولة، أثناء بداياته الأولى في الميدان مع مطلع الثمانينيات؛ «أريد أن أذهب بعيدا في ميدان التحكيم»، وفعلا بلغ مرماه.