شاعت، في الآونة الأخيرة، بعض السلوكيات الدخيلة على قطاع التعليم من قبيل ظاهرة تسول النقط وما يقابلها من تسول للمال أبطالها تلاميذ، أساتذة، حراس عامون. تسول غريب، بل تسول مريب يؤثر سلبا على السير العادي للدراسة ويخلق نوعا من الارتباك في المحيط المدرسي لدى التلاميذ والأساتذة على السواء. إذ يصيبهم بالإحباط ويؤثر على العطاء والمردودية؛ وبالتالي يمس مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ. حتى باتت المدرسة فضاء أقل ما يقال عنه أنه لاتربوي أراد البعض أن تتحول المؤسسة التعليمية فيه إلى محل للسمسرة. فمع نهاية كل دورة دراسية، وما أن يشرع الأساتذة في إدخال نقط المراقبة المستمرة +و خاصة بالنسبة للمستوى الثانية باكالوريا، حيث تكون لنقطة المراقبة المستمرة أهمية قصوى للحصول على تأشيرة المرور إلى المرحلة الجامعية- حتى يثير انتباهك منظر اكتظاظ التلاميذ وتحلقهم حول أساتذتهم طامعين في كرمهم ومستعطفين إياهم للظفر بنقط لم يستحقوها. تسول تستعمل فيه جميع الوسائل، حيث يتفننون في طلب ذلك مستعملين عبارات رنانة أو كلاما منمقا كأن يبدأوا في مدح الأستاذ ووصفه بما فيه وما ليس فيه. وعندما لا يجدي هذا الأسلوب نفعا، يلجأ التلاميذ إلى التوسل والتباكي ويقفون موقف الضحية: ضحية المجتمع الذي لم ينصفهم، والأسرة التي تعاني من التشتت والمدرسة التي لاتوفر لهم ظروف التعلم والمدرس السابق الذي لم يلقنهم المبادئ الأولية، أو ضحية ذكائهم المحدود الذي لم يسعفهم. غير أن الخطير في الأمر هو عندما لاينفع أي من هذه الأساليب ويلجأ بعض التلاميذ إلى التهديد والوعيد. تعددت الأسباب والهدف واحد ألا وهو محاولة التأثير على الأستاذ ودفعه إلى التعامل بذاتية والابتعاد عن الموضوعية. الشيء الذي يشكل ظلما وإجحافا في حق تلك الفئة من التلاميذ التي تعمل بجد. والحالة هذه تصبح عملية منح النقط محكومة بالعبثية؛ ذلك أنها لاتراعي المستوى التكويني لكل تلميذ، حيث يتقلص الفرق بين التلاميذ الذين كدوا واجتهدوا لتحقيق نتيجة عالية وأولئك الذين لم يبذلوا أي مجهود؛ وبذلك يختلط الحابل بالنابل مما يخلق خللا في المنظومة التعليمية على مستوى القسم والمؤسسة ويؤدي الأمر إلى ظهور سلوكات خطيرة يظهر أثرها جليا في الحياة العامة كالاتكالية وعدم تحمل المسؤولية في الحياة؛ وبذلك نخرج جيلا مفتقرا إلى مقومات الشخصية السوية عاجزا عن الاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية أو متابعة الدراسات العليا، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى إحداث اختلالات تكون من الروافد الأساسية للإشكالات التي يعاني منها التعليم بالمغرب تضاف إلى قائمة المشاكل التي يعاني منها القطاع. وهكذا تحيد المؤسسة التعليمية عن الدور المنوط بها والمتمثل أساسا في التأهيل اللغوي وتدعيم المكتسبات السابقة وكذلك تحصيل المفاهيم العلمية والتقنية الضرورية التي من شأنها أن تمكن التلميذ من ولوج التعليم العالي أو التكوين المهني للاندماج بالتالي في عالم الشغل. ولما كانت نقطة المراقبة المستمرة حاسمة ويمكن أن تغير في النتيجة، فطن التلاميذ إلى أهميتها وحاولوا جاهدين ضمانها. إذ أن نسبة 25% ليست بالأمر الهين بالنظر إلى الإجراءات التنظيمية في احتساب المعدل العام الذي يؤهل لنيل شهادة البكالوريا. إذ تشكل نقطة المراقبة المستمرة للسنة الثانية من سلك البكالوريا نسبة 25% وتحتسب نقطة الامتحان الموحد الجهوي في نهاية السنة الأولى من سلك البكالوريا في المعدل العام النهائي للبكالوريا بنسبة 25% تضاف إليها نقطة الامتحان الموحد الوطني في نهاية السنة الثانية من سلك البكالوريا والتي تحتسب في المعدل العام النهائي للبكالوريا بنسبة 50%. وهكذا يلجأ بعض التلاميذ وكذا بعض الأساتذة بالتواطؤ مع أطراف خارجية إلى التحايل على هذا النظام المعتمد ومحاولة ضمان ربع المعدل العام دون أدنى مجهود. يدخل عنصر آخر في اللعبة. إنها الحراسة العامة، إذ أن نقطة السلوك التي يمكن أن تغير الكثير في النتيجة، تستغل من طرف بعض الحراس العامين الذين يفترض أن يحرصوا على تطبيق التوجيهات والقوانين التي تنظم العملية التعليمية وخاصة ما يرتبط بانضباط التلاميذ داخل المؤسسة، تطبيق النظام الداخلي والعقوبات، ومسؤوليتهم عن النظام، الغياب، التأخيرات، اللباس المدرسي وآداب التلاميذ... فقد حدد المرسوم رقم 2.02.376 الذي هو بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي الصادر في 17 يوليوز 2002 مهام الحارس العام في تتبع أوضاع التلاميذ التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية، ضبط ملفات التلاميذ وتتبعها وإنجاز الوثائق المتعلقة بتمدرسهم، مراقبة تدوين نتائج التلاميذ بالملفات المدرسية من لدن المدرسين وإنجاز الأعمال الإدارية التكميلية المتعلقة بها، تلقي التقارير بخصوص انضباط التلاميذ وعرض غير المنضبطين منهم على مجالس الأقسام عند الاقتضاء، تنسيق أعمال المكلفين بمهام الحراسة التربوية العاملين تحت إشرافه وتأطيرهم ومراقبتهم، المشاركة في تنظيم مختلف عمليات التقويم والامتحانات وتتبعها ومراقبتها، إعداد تقارير دورية حول مواظبة التلاميذ وسلوك التلاميذ وعرضها على مجالس الأقسام. فبدل الالتفات إلى ذلك والقيام بعملهم الذي من شأنه أن يدفع العملية التعليمية إلى الأمام يتحول بعض الحراس العامون إلى سماسرة ويحولون المؤسسات التعليمية إلى علب سوداء لجمع المال من التلاميذ والتلميذات أو لابتزاز المشاعر أو نظرة أو همسة أو أبعد من ذلك. فبإحدى الثانويات المتواجدة بتراب عمالة البرنوصي يتواطأ الحارس العام هناك مع طبيب عام يرغب في زيادة رصيده؛ وذلك بإعطاء شواهد طبية تبرر غياب التلاميذ عن المدرسة خاصة في أوقات الفروض مقابل مبلغ 50 درهما يكون للحارس نسبة محددة عن كل شهادة، بل إن المبلغ قد يصل أحيانا إلى 200 درهم؛ وذلك حسب أهمية الشهادة والظرفية التي طلبت فيها. غير أن لهذه الظاهرة أبعادا أخرى، فكثيرا ما يستغل بعض الأساتذة حاجة التلاميذ إلى النقط لتحسين ظروفهم المادية ويحولون الظاهرة إلى مصلحة متبادلة... النقط مقابل المال. والغريب في الأمر هو عندما يحدد الأستاذ سعرا لكل نقطة. فقد أخبرنا بعض التلاميذ أن الحصول على نقطة 20 تستوجب دفع مبلغ 100 درهم، ونقطة 18 مقابل 90 درهما وتتقلص النقطة كلما هبط السعر حتى تصل إلى 10 مقابل 50 درهما... وهكذا ذواليك: 5 دراهم لكل نقطة زيادة. والحالة هذه يتم تحويل المؤسسة التعليمية إلى سوق للمعاملات التجارية يظهر فيها كل طرف قدرته التفاوضية، مما يسييء إلى سمعة رجل التعليم ويمس حرمة المؤسسات التعليمية. وهنا نتساءل عن دور الأستاذ الذي يصبح غائبا، مما يؤثر على المردودية والعطاء لدى الفئة غير المستفيدة من هذه الظاهرة. من التجليات الأخرى لهذه الظاهرة، الساعات الإضافية أو ما يطلق عنه دروس التقوية وهي نوع من التسول المقنع الذي يتفاقم يوما عن يوم ويثقل كاهل الأسر بمزيد من المصاريف. ففي كثير من الأحيان يلجأ بعض الأساتذة إلى استعمال هذه الدروس كغطاء لابتزاز المال من التلاميذ. ففي أحسن الأحوال يفتح المدرس لائحة التسجيل في الساعات الإضافية وعندما يكون عدد المسجلين غير مقنعا يعمد إلى استعمال بعض الحيل الشيطانية؛ وذلك عن طريق فرض الساعات الإضافية إما بطريقة مباشرة وصريحة أو بطريقة غير مباشرة، حيث يضع الأستاذ فرضا صعبا يعجز التلاميذ الذين لم يسجلوا في دروس الدعم عن إنجازه. في حين، يتفوق في الامتحان التلاميذ الذين دفعوا مسبقا لا لشيء إلا لأنهم سبق لهم أن تعرفوا على نفس الفرض في حصة الدعم ليضع التلاميذ أمام الأمر الواقع ويضطرهم إلى التسجيل من تلقاء أنفسهم عندما يدركون أن لا خيار لهم سوى الرضوخ... وبذلك يضمن التلاميذ نقطة عالية والمدرس ينمي رصيده البنكي. غير أن هناك ظاهرة أخرى تشكل قمة في انحراف شخصية الأستاذ وتنم عن اهتزاز في المنظومة الأخلاقية تعد مؤشرا خطيرا على وجود أعطاب نفسية لدى فئة من رجالات التعليم، ألا وهي ظاهرة التحرش الجنسي داخل القسم وعلى مرآى ومسمع من التلاميذ. وهناك واقعة حقيقية عرفتها إحدى المؤسسات التعليمية الموجودة بنفس النيابة، حيث علمنا من مجموعة من التلاميذ أن أحد المدرسين بسلك البكالوريا يجلس الفتيان في الأمام والفتيات في الخلف؛ وذلك ليتسنى له إشباع رغباته ونزواته. إذ بينما يقوم بإملاء الدرس يبدأ بالتحرش مستغلا انهماك الجميع في الكتابة. وغالبا ما يكون رد فعل التلميذات الانصياع لضمان نقطة عالية في المراقبة المستمرة. وعندما تتجرأ إحداهن وتصده يكون مصيرها التهميش والنقط الهزيلة. وقد سبق أن سألنا بعض التلاميذ عن سبب سكوتهم وقبولهم بهذا الوضع... وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما علمنا بأن الوضع يناسبهم تماما فالتلميذ يفضل أن يشتري النقطة بجميع الوسائل على أن يجد ويجتهد أو أن يبذل مجهودا في التحصيل الجاد. وهكذا يشترك التلميذ مع المدرس في الجريمة، بل وتشترك الأسرة كذلك عندما تعرف وتسكت وتتجاهل، بل وتبارك الأمر محاولة استغلال الوضع لصالح أبنائها ضاربة عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية. إذا كان هذا هو حال بعض الأساتذة المحسوبين على قطاع التربية والتعليم الذين هم أنفسهم في حاجة إلى التربية والتعليم، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، فماذا ينتظر من هذا الجيل؟ والحالة هذه يبقى تقرير منظمة اليونسكو الذي صنف المغرب في المرحلة ما قبل الأخيرة بالرغم من فظاعته غير مفاجئا... وتبقى هذه حالات شاذة يتوجب فضحها وعزلها ومن ثم استئصالها كيلا تستشري أكثر؛ وذلك في ظل مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار جميع مكونات المؤسسة التعليمية وعن طريق إشراك كافة الفاعلين من مفتشين، مدراء، أساتذة، جمعيات آباء، تلاميذ ومنظمات من المجتمع المدني في صياغة تصور للخروج بالتعليم من المشاكل التي يتخبط فيها يكون فيه الجميع معنيا بالقضية متحملا للمسؤولية ومحاسبا على تصرفاته، مع رد الاعتبار للقيم الأخلاقية من صدق وجدية وعفة ونزاهة. غير أنه لايمكن تعميم هذه الظاهرة على جميع العاملين في قطاع التعليم. إذ أن هيأة التعليم مازال بجعبتها الكثير من الأساتذة الفضلاء الذين عندهم غيرة على هذه المهنة النبيلة والذين ينأون بأنفسهم عن هذه التصرفات المشينة والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها جريمة أخلاقية يجب التصدي لها بكافة الوسائل الزجرية. وإذا لم نتدارك الأمر قبل فوات الأوان فلنهنأ بجيل جاهل يفتقر إلى مقومات النهضة وعاجز عن الالتحاق بركب التقدم والحضارة في الوقت الذي يمكن فيه استثمار هذه المؤهلات البشرية وتوجيهها لما يخدم مصلحة الجميع.