استرجع رجال الأمن بأبي الجعد مقر عملهم، بعد عملية هيكلة جذرية كلفت ميزانية مهمة، ليس فقط على مستوى البناء، ولكن أيضا على مستوى كراء المقر المؤقت في منطقة بعيدة عن وسط المدينة قريبا من جماعة بني بتاو القروية... وهو ما يطرح تساؤلا مشروعا حول السر في اختيار المنزل إياه ذو الطوابق الثلاثة دون اختيار مقر آخر قريب من هموم الساكنة الأمنية بقلب المدينة؟... وهل كان من الضروري القيام بعملية إعادة البناء هذه؟... أي هل حل المشاكل في تجديد البناية دون غيرها من المشاكل الملحة وخاصة على مستوى قلة الموارد البشرية واللوجستيكية؟!... وهل التفكير المنطقي في هذا الإقلاع المعماري الجديد، ممثلا في الفضاء الأمني الجديد، قادر على تجاوز مفهوم السيبة الذي سكن، إلى الوقت القريب، ذواتنا وتفكيرنا وتواصلنا الاجتماعي محاولا تجاوز الأنشطة الحياتية اليومية للمواطنين في مواجهة قسوة الحياة ومتطلباتها داخل المدينة وعبر محيطها القروي (التسوق من الأسواق الأسبوعية والذي يتطلب توقيتا خاصا صباحا مباشرة بعد صلاة الفجر أو أحيانا الوصول مساء إلى مقر السكنى في أوقات متأخرة)، بل وحتى داخل دروب وصابات وأزقة المدينة التي تنتشر بها الدكاكين التي تمارس مختلف الأنشطة التجارية بمفهومها الاستهلاكي (بيع مواد غذائية، أدوات التجهيز المنزلي، مخادع هاتفية،مقاهي...). وهذه الطبوغرافية في توزيع هذه الأدوار التجارية يتحكم فيها بشكل مباشر الطابع المعماري المتأصل لمدينة ذات معايير صوفية وروحية كأبي الجعد. لا نريد هنا اجترار مفهوم السيبة الذي ظل لصيقا بمفهوم ردعي، ولكن توظيف مفهوم السيبة هنا يقصد به غياب الأدوار المتعددة للأجهزة الأمنية المحلية وخاصة تلك التي تشتغل داخل المكاتب الجديدة والأنيقة والمتجلية في حماية المجتمع البجعدي الذي عايش في الأشهر القليلة بعض مظاهر الانحرافات المقرونة بالفوضى والتهديد الجسدي واستهداف الممتلكات والأموال... مع اعتراض المارة والمصلين والراغبين في زيارة الأسواق المجاورة في الصباح الباكر... كما أن العديد من الأزواج والأبناء أصبحوا ملزمين بمرافقة زوجاتهم وأمهاتهم صباح مساء للسفر أو للتوجه إلى مقرات عملهن خوفا عليهن من السرقة وقطاع الطريق. فهل يعني صرف الملايين من السنتيمات على إعادة تجديد هيكلة البناية الأمنية بأبي الجعد نهاية كابوس الجريمة الذي ينام نموا مؤقتا ليطفو بين الفينة والأخرى وليكسر سريالية الطمأنينة التي ظلت المدينة تتميز بها إقليميا وجهويا ووطنيا بحكم لباسها الروحي؟ وهل بناية بروتوشات معمارية غير متجانسة بإمكانها أن تعكس بشكل إيجابي حركية مواردها البشرية داخل المكاتب الجديدة-القديمة في إطار سياسة القرب والحكامة الجيدة والمسؤولية المقرونة بالمحاسبة كما أقرها الدستور الجديد، مسؤولية تضع على عاتقها توفير الأمن والطمأنينة لمواطني ومواطنات المدينة وحمايتهم من كل أشكال التسيب الأمني؟ مسؤولية أيضا تتطلب احترام روح النصوص القانونية في ملامسة قضايا المواطنين فيما يخص إنجاز المحاضر بروح من الشفافية التي تقتضي تنزيل البعد الكوني لثقافة حقوق الإنسان كما هي في روح الوثيقة الدستورية، وأيضا في إنجاز الوثائق الإدارية وخاصة البطاقة الوطنية التي يجب أن يحترم إنجازها مقرات العمل كعناوين سكنى حقيقية بدلا من شواهد السكنى الإدارية؟... إن تخوفنا هذا نابع من حالة اللاأمن التي تعكر، بين الفينة والأخرى، سكون وهدوء وأمن مدينتنا، فهل ستكون البناية الجديدة لمفوضية الأمن بأبي الجعد في مستوى تطلعات الساكنة نحو استرجاع هيبة مدينتهم الأمنية؟!...