فيما أكد المدير العام للمكتب الوطني للمطارات أن تكليف شركتين أجنبيتين، وفق مقتضيات التحرير المعتمدة سنة 2004، بتدبير الخدمات الأرضية بمطارات المغرب سيرفع من جودة الخدمات ومن القدرة على استقطاب المزيد من الرحلات الدولية، أكد مصدر موثوق من الخطوط الملكية المغربية أن هذا القرار سيفرض على الشركة الوطنية للنقل الجوي، التي كانت تحصل، عبر شركتها الفرعية العاملة في الميدان «رام هاندلينغ»، على عشرات الملايير من السنتيمات في السنة، الكف عن مزاولة هذا النشاط والبحث عن شركاء دوليين لمواكبة تواجد الشركات الدولية في المطارات المغربية أكد المدير العام للمكتب الوطني للمطارات دليل كندوز، مساء أول أمس الثلاثاء، فوز شركتين أجنبيتين برخص لتدبير الخدمات المقدمة للطائرات المتوقفة بالمطارات المغربية، ابتداء من فاتح يوليوز المقبل. وأوضح أن العرض العمومي الذي ظهرت نتائجه يوم الأربعاء الماضي، لم يقم على أساس من سيدفع أكثر للمكتب وإنما على أساس رسوم محددة بهدف جعل المنافسة حول الرفع من جودة الخدمات مع تقليص الكلفة، هي المتحكم في استقطاب المزيد من الرحلات الدولية. وعلى المستوى الاجتماعي سجل أن الشركتين الفائزتين ملتزمتان بتطبيق مقتضيات قانون الشغل المغربي. واستنادا إلى تصريحات ممثل الشركة السويسرية «سويسبور» الفائزة بثلاث حزمات من الخدمات، تشمل مطار محمد الخامس الذي عالج سنة 2011 حوالي 7 ملايين مسافر ومطارات جهة الجنوب التي عالجت حوالي 5.5 مليون مسافر، ثم مطارات جهة الشمال والشرق التي عالجت حوالي 3 ملايين مسافر، وإلى تصريحات ممثلة الشركة الإسبانية كلوباليا التي ستتقاسم الخدمات بمطار محمد الخامس مع الشركة السويسرية، فإن الصفقة التي تفرض توفير الجودة تحت طائلة التعرض لعقوبات وفق معايير محددة، تمت في شروط تطابق المعايير الدولية وتحفز على المزيد من فهم الوسط المغربي. ومن المرتقب أن تتقلص مدة معالجة الطائرات لتصل مثلا إلى حوالي 40 دقيقة بالنسبة لطائرات بوينغ 737. من الواضح أن تحسين جودة الخدمات بالمطارات المغربية سيكون على حساب المداخيل التي كانت تحققها الخطوط الملكية المغربية، ومن الواضح كذلك أن الصفقة تدخل في إطار الاستراتيجية التي رسمتها الوزارة الوصية منذ دخول قرار تحرير الأجواء حيز التنفيذ، غير أن تزامن الإعلان عن نتائج صفقة تفويت الخدمات الأرضية في المطارات للأجانب، من جهة، مع اجتياز الخطوط الملكية المغربية لوضعية صعبة استعدت لإبرام برنامج تعاقدي مع الحكومة والاضطرار إلى الاستغناء عن بعض المستخدمين، ومن جهة ثانية مع احتداد أزمة النقل البحري المترتبة عن التحرير غير المرفق بإجراءات مواكبة، يفرض التساؤل عن الجدوى من رصد استثمارات هامة في تجهيز المطارات والموانئ دون حماية وتطوير شركات النقل الوطنية العاملة في قطاعي النقل الجوي والبحري. التساؤل يستمد شرعيته من عدة مؤشرات، من أبرزها أن الشركة السويسرية الفائزة بحصة الأسد من صفقة المكتب الوطني للمطارات، صمدت أمام الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى إفلاس الشركة الأم «سويس إير» سنة 2002 وهو ما يعني أن الخدمات الأرضية المرتبطة بالنقل الجوي مربحة، ويمكن أن تعتمد في تحقيق التوازنات المالية لشركات النقل الوطنية ولو إلى حين تجاوز الصعوبات الناتجة عن الظرفية الاقتصادية الدولية الصعبة. المؤشر الثاني يستمد من تصريحات المدير العام دليل كندوز التي أكدت أن نسبة ضياع الأمتعة تقلصت خلال سنة واحدة بحوالي 90% ، وهو ما يعني أن الاستثمارات التي تحققت في مجال التجهيز التقني وفي مجال الرفع من مردودية الموارد البشرية، واكبت المجهود الاستثماري الذي أسفر عن إضافة مدرج ثان لإقلاع وهبوط الطائرات بمطار محمد الخامس، وعن توفير التجهيزات التي تؤمن هبوط الطائرات رغم كثافة الضباب، ثم عن مضاعفة البنايات الخاصة باستقبال المسافرين. المؤشر الثالث يستمد من التجربة الفرنسية التي أفادت آخر الأخبار بشأنها أن الصندوق الاستراتيجي للاستثمار سيدخل في رأسمال شركة النقل البحري الفرنسية CMA CGM التي تواجه صعوبات مالية، وتسعى إلى تحصيل 150 مليون أورو لمواجهة الوضعية المتمثلة في ارتفاع حجم ديونها إلى 4 مليار أورو، وفي تفادي الدخول في نزاعات اجتماعية مع مستخدميها عبر العالم البالغ عددهم حوالي 17 ألفا. فالتفاوض الذي يرتقب أن يسفر في فرنسا، بعد حوالي أسبوعين أو ثلاثة، عن حل بين المؤسسة الممولة الرسمية وبين شركة النقل الخاصة، يقابله تشدد كل من وزارة التجهيز والنقل المغربية وباقي المؤسسات التي لها علاقة بالتمويل في ملف إنقاذ شركتي «كومناف» و «كوماريت» اللتين تشغلان حوالي 3000 مستخدم، وتلعبان دورا هاما في نقل الجالية المغربية المقيمة بالخارج وإذا كان من حق مسيري المؤسسات العمومية أن يبذلوا قصارى جهدهم من أجل تحسين الجودة والرفع من الأرباح، فإن من واجب السلطات الحكومية أن توفق بين أنشطة كافة القطاعات والمقاولات بالشكل الذي يحمي من تحويل المشاريع التي تطلبت من المغرب استثمارات باهظة القيمة الى جنة تؤمن للأجانب جني الأرباح، وتحويلها بالعملة الصعبة إلى الخارج. فسواء تعلق الأمر بالمطارات أو بالموانئ التي تعتبر بوابة المغرب على الخارج، فإن الاستثمار فيها لا يكون مجديا إلا بوجود أساطيل مغربية تعمل تحت السيادة المغربية، وتواكب التطور الدولي. أما أن تقف الحكومة المغربية موقف العاجز أمام المشاكل المطروحة وتبادر إلى تفويت ما هو مربح للأجانب، فهذا ما يستحق على الأقل تفسيرا يزيد من وضوح الرؤية ويساعد على اتخاذ القرار الاستثماري.