ببالغ الأسى والتأثر، تنعي المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير المناضل المغاربي الكبير أحمد بن بلة أحد صانعي وأبطال حركة التحرير الجزائرية والكفاح المغاربي المشترك. بدأ مساره النضالي كجندي في الحرب العالمية الثانية، دفاعا عن قيم الحرية وحق الإنسان في الحياة، وفي أعقاب أحداث مدينة سطيف الجزائرية في 20 غشت 1945 التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الجزائريين الأبرياء، انتفض ضد الوجود الاستعماري الفرنسي وضد ممارسات القهر والقمع والتنكيل بالشعب الجزائري الشقيق، وتميز عمله النضالي بالهجوم المسلح على مقر البريد المركزي بوهران في 4 أبريل 1949 الذي نفذه من أبطال المنظمة السرية، كان أبرزهم أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد وحمو بوتليليس والحاج بن علة وبوجمعة سويداني وبختي نميش ومحمد بن زرقة وبوشعيب بلحاج، هذا الأخير وهو مغربي الأصل من مدينة آزمور. ويذكر أن الراحل أحمد بن بلة الذي كان يعتز برفيقه في العملية الفدائية بوشعيب ابن المغرب، قدمه لوفد المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الذي حضر احتفالات أسبوع التكريم الرسمي الذي أقيم له بمغنية في سنة 2004. نشط الفقيد أحمد بن بلة في لجنة المغرب العربي ومكتب المغرب العربي بالقاهرة الذي كان يرأسه الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي مع القادة المغاربة والجزائريين والتونسيين، زعماء الأحزاب الوطنية الثلاثة في بلدان المغرب العربي. كان يتردد على العاصمة الاسبانية للاتصال والتنسيق مع قيادة المقاومة المغربية التي كان قسم منها يقيم بمدريد منهم المرحومان عبد الكبير الفاسي والمناضل التونسي الدكتور حافظ ابراهيم والمناضل عبد الرحمان اليوسفي أطال الله عمره. ثم انتقل إلى تطوان للاجتماع بالقياديين المغاربة للحركة الوطنية وجيش التحرير المقيمين بها، حيث توطدت وتعمقت العلاقات بين حركات المقاومة المغاربية وكان من نتائجها الإيجابية اندلاع المعارك والملاحم البطولية التي اجتاحت المغرب والجزائر يوم 20 غشت 1955 وانطلاق جيش التحرير المغربي والجزائري يوم فاتح أكتوبر 1955، وتشكيل جيش تحرير مغاربي مشترك. بعد استقلال المغرب وتونس، كان مقررا عقد مؤتمر مغاربي بتونس يوم 22 أكتوبر 1956 لتقوية وتعزيز دعم الثورة الجزائرية، إلا أن رد فعل غلاة الاستعمار بالجزائر كان هو اختطاف الطائرة التي كانت تقل الزعماء الجزائريين الخمسة أحمد بن بلة ورفاقه، وقام التحالف الفرنسي والإنجليزي والإسرائيلي بالعدوان على مصر الشقيقة في عهد الرئيس عبد الناصر غداة تأميم قناة السويس، عقابا لها على مساندتها النضالية لحركات التحرير المغاربية. ولم تكن تلك التداعيات والتحديات لتحول دون تكثيف التضامن مع حركة التحرير الجزائرية في مواجهتها للاستعمار الغاشم، فالتئم مؤتمر طنجة التاريخي للأحزاب الوطنية الثلاثة: حزب الاستقلال والحزب الحر الدستوري وجبهة التحرير الجزائرية في طنجة سنة 1958. وإثر اختطاف طائرة قادة التحرير الجزائريين، وقف وقتها أب الأمة جلالة المغفور له محمد الخامس وقفة الملك المناضل والوطني والمغاربي في موقف لا يزال التاريخ يحتفظ له به بمداد الفخر والاعتزاز، مثلما وقف الشعب المغربي في استقبال قادة الحركة الوطنية الجزائرية حيث استقبلتهم الجماهير المغربية استقبال الأبطال. وظل الراحل أحمد بن بلة دائم التواصل والتلاقي مع أشقائه في المقاومة المغربية وجيش التحرير، حريصا على حضور الأنشطة التي نظمتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ومنها الندوة العلمية المغاربية التي التأمت بالرباط أيام 24 و25 و26 يناير 2002 لتدارس موضوع وحدة المغرب العربي في ذاكرة حركات المقاومة وجيش التحرير. كما أسهم بعدد من الوثائق التاريخية الشخصية في إعداد وإخراج العدد الخاص من مجلة «الذاكرة التاريخية» التي تصدرها المندوبية السامية، وذلك في موضوع دعم المغرب لحركة التحرير الجزائرية وهو الإصدار الذي نفدت طبعته الأولى وأعيد طبعه وتجري حاليا ترجمته إلى اللغة الفرنسية. وقد حظي الراحل بالحمالة الكبرى للوسام العلوي، أنعم عليه بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الذهبية للعودة المظفرة لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه من المنفى إلى أرض الوطن ولعيد الاستقلال المجيد يوم 16 نونبر 2005. لقد خلف الراحل أحمد بن بلة رصيدا نضاليا كبيرا كوجه من وجوه حركة التحرر العربية والعالمية. كرس حياته لخدمة آمال المناضلين التحرريين في وجود وطن جزائري حر مستقل، وفي بناء مغرب عربي كبير وقوي وتكتل العالم العربي والإسلامي وتضامنه، فكان مؤمنا موقنا بوحدة المصير وبوحدة المغرب العربي الكبير ولم يهن عضده الوحدوي وحلمه المغاربي العميق وتشبثه بالقواسم المشتركة التي جسدتها التضحيات وأمجاد وروائع الكفاح المغاربي المشترك لبناء وإعلاء صروح اتحاد المغرب العربي الكبير. وقد أبى إخوانه من قادة المقاومة وجيش التحرير المجاهدون عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بن سعيد آيت يدر ومحمد أجار سعيد بونعيلات رئيس المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلا أن يكونوا ضمن الوفد الرسمي الذي ترأسه الأستاذ عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة لحضور مراسم تشييع جنازة الفقيد العزيز يوم الجمعة 13 أبريل 2012 بالجزائر العاصمة، عربون وفاء وبرور وعرفان وتقدير للمناضل المغاربي الكبير. تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. إنا لله وإنا إليه راجعون