باستثناء العلامة المكتوبة بحروف غير بارزة، لاشيء يشير أو يوحي بأن وراء أسوار هذه البناية العصرية الواقعة في ضاحية لايتون شمال شرق لندن، يوجد المقر العام لمجلس الشريعة الاسلامية. بمجرد الدخول الى قاعة الانتظار، قاعة صغيرة وعادية، يقع النظر على ملصق يسرد بدقة متناهية مختلف مراحل مسطرة الطلاق الإسلامي، ماعدا تلك الجدران المصبوغة حديثاً، عارية إلا من صورة لمسجد معلقة في جانب ويومية بالتقويم الهجري. الهاتف لا يتوقف عن الرنين ووراء شباك صغير تجلس سيدة تلبس البرقع، وتجيب عن المكالمات. الزبونة الوحيدة الجالسة في القاعة شابة يبدو أنها باكستانية، رأسها مكشوف وتلبس سروال جينز وقميصا، تبدو متوترة وتلقي نظرات متكررة على هاتفها النقال. وبمجرد ما طلب منها الاقتراب، أطلقت زفرة ارتياح. المكتب الذي دخلته يشبه أي إدارة، لكن الرجل الذي يستقبلها وهو يتفحص وثائق ملفها، ليس سوى الإمام الدكتور سهيب حسن. سألت بمجرد دخولها المكتب قائلة: »أريد حل هذه القضية بأسرع ما يمكن«، هي متزوجة منذ 13 سنة، إثر زواج مرتب. السيدة جاءت تطلب طلاق الخُلع، وتؤكد أنها بدأت مسطرة الطلاق وفق القوانين الانجليزية. بين دمعتين، تحكي السيدة قصتها وتؤكد أنها خدعت من طرف زوجها الباكستاني. تقول: »أنا من طلب له التأشيرة، قمت بأشياء كثيرة من أجله«، تحكي كيف تبخرت أحلامها في زواج سعيد، بمجرد ما حصل زوجها على التأشيرة: ابتعد الزوج عنها، ثم عاد إلى باكستان دون أن يخبرها بشيء«. منذ سنة، لم يتصل، لم يعد يهمه إن كنت حية أو ميتة، إن كنت مريضة... لا يهمه مصيري«. تصمت المرأة وتأخذ جرعة ماء، تستأنف حديثها بنفس النبرة الغاضبة، وتشرح أن زوجها ارتبط بفتاة أخرى في بيشاور بباكستان. تقول في الختام: »تعلمون، سيدي، أنني سامحته في العديد من المرات، لأن الجميع كان يقول لي بأن الأمر طبيعي، وأنه زوجك ولابد أن تسامحيه، لكن في المحصلة تعبت من ذلك، تعبت من الاستغلال الذي أتعرض له«. يأخذ الإمام الهاتف، سيتصل بالزوج. »إذا قبل الطلاق، القضية منتهية، ولكن إذا لم يقبل، يجب تنظيم لقاء هنا في هذا المكان، نستمع للطرفين قبل الحكم«. وعقب مكالمة هاتفية مطولة بين الإمام والزوج، تخللتها تعليقات غاضبة من الزوجة، ظهر بوضوح أن الزوج لا يريد التطليق، بعدها قرر الإمام عقد لقاء في غضون أسبوعين. قضية هذه السيدة جزء من حوالي سبعين طلب طلاق يتلقاها مجلس الشريعة الاسلامية في لايتون كل شهر، رقم في ارتفاع مستمر حسب الإمام سهيب حسن. المؤسسة التي رأت النور سنة 1982 »بهدف الاضطلاع بمهمة إرشاد الجالية الاسلامية في كل القضايا التي قد تواجهها بين الفينة والأخرى«، وتشمل أيضا مهام أخرى مختلفة مثلها مثل عشرات المؤسسات القانونية الأخرى التي تحرص على تطبيق الشريعة في المملكة المتحدة. وهكذا يتكفل مجلس الشريعة الاسلامية بنشر فتاوى حول مختلف القضايا التي تشغل بال الجالية الاسلامية مثل الإشهاد على اللحم الحلال أو حل نزاعات تجارية بين شريكين، ولكن في الواقع، تتمثل المهمة الأساسية لمجلس لايتون أو غيره في التعامل مع قضايا الطلاق الاسلامي التي ترفعها في غالب الأحيان النساء. هذا النوع من القضايا قد يستغرق عدة أشهر وربما سنوات قبل أن يجد الطريق إلى الحل، لأنه كما يشرح الإمام صهيب »نحن دائماً مع الوساطة بين الطرفين... وفي بعض الحالات، عندما نحس بأن هناك أملا في الصلح، نستقبل الشخص حتى عشر مرات«. وهكذا، وبعد استدعاء المرأة عدة مرات مع الزوج أو بدونه ودراسة مختلف الوثائق التي يتشكل منها الملف، يكتب الإمام المكلف بالقضية تقريراً يدعو إلى إعلان الطلاق أو مصالحة الزوجين. وترفع القضية في نهاية المطاف إلى أنظار لجنة تضم أئمة مختلف مجالس الشريعة في المملكة البريطانية. قرارات هذه المجالس ليست لها قوة القانون فوق التراب البريطاني، ويمكن للطرف الثاني أن يختار تجاهلها بكل بساطة، وبالتالي يمكن الحديث عن مجلس للشريعة أكثر من الحديث عن محكمة. الدكتور براكاش شاه، أستاذ القانون في جامعة كوين ماري بلندن، يشرح أن هناك أصنافا مختلفة من مجالس الشريعة في المملكة المتحدة. بعضها مثل مجلس لايتون اكتسب طابعاً مؤسساتياً مع مرور السنوات، وهي مجالس تجمع علماء الدين، وتتبع مسطرة معقدة ومحددة بدقة شبيهة تماماً بمهمة المحكمة، وبعضها يوضح الأستاذ الجامعي له طابع »غير رسمي، ويمكن أن تنعقد مثلا، داخل مسجد. وبالتالي فتعريف مجلس الشريعة »غير محدد بدقة، ولا أحد يعرف حقيقة حدوده«. من جانبها، يبدو أن الحكومة البريطانية تغمض أعينها عن وجود هذا النوع من المؤسسات« .فقوانين الشريعة غير معترف بها من طرف الدولة البريطانية، ولكنها غير ممنوعة أيضا. وما يثير القلق أكثر لدى السطات حسب براكاش شاه هو العزوف المتزايد من جانب الأزواج المسلمين عن المرور عبر الزواج المدني، »بشكل من الأشكال، عندما يختار الأزواج المسلمون فقط الزواج الديني، فإنهم يضعون أنفسهم أكثر فأكثر على هامش القانون الرسمي«. وإذا كانت السلطات البريطانية تحاول تجاهل هذه المجالس، فإن بعض أعضاء البرلمان بدأوا يتحركون ويؤكدون بأنها تمييزية تجاه حقوق النساء. في يناير الماضي، تقدمت عضوة في مجلس اللوردات البريطاني، البارونة كوكس، بمشروع قانون يحد من تطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا، والهدف هو إجبار مجالس الشريعة الإسلامية على الاعتراف بسمو القانون الانجليزي، وكل من يحتكر حق إصدار قرارات قانونية في المجال الجانبي أو الأسري، يواجه عقوبة بالسجن قد تصل إلى 5 سنوات. المشروع ينتظر الدراسة حاليا في البرلمان. عدة جمعيات ونشطاء في مجال حقوق الإنسان يشاطرون البارونة كوكس الرأي، من ضمنهم مريم نمازي الناشطة الإيرانية والناطقة الرسمية باسم حملة «»قانون واحد للجميع»«. وتطالب بالإلغاء الكلي للشريعة في المملكة المتحدة، وتعتبر أنه »لا مكان لقوانين الشريعة الإسلامية في بريطانيا، أو في أي بلد آخر، لأنها قوانين تمييزية وذكورية«. وتشير الناشطة الإيرانية الى أن مجمل النصوص التي ترتكز عليها قوانين الشريعة مثل القرآن والسنة والاجتهادات الإسلامية، تتفق مثلا على أن شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل، وأنه إذا كان للرجل حق مطلق في الطلاق، فإن المرأة مقيدة أكثر في حقوقها. وتذكر الناشطة الإيرانية بالفتاوى المنشورة على موقع مجلس الشريعة الإسلامية على الأنترنيت، حيث نقرأ مثلا بأن »مزاج المرأة ليس جيدا بالنسبة لقضية تتطلب الشهادة فيها الانتباه والتركيز، لأن النساء تحكمهن العاطفة، وبالتالي فإن الرجال المحكومين بعقولهم سيفكرون أكثر من مرة قبل طلب الطلاق، وحسب مريم نمازي النساء المسلمات لم يكن يلجأن إلى محاكم الشريعة قبل 30 سنة في بريطانية، وإذا كن يلجأن إليها الآن، فذلك بسبب تنامي الأصولية«. والأكيد أنه في الوقت الذي يثير النقاش حول شرعية هذه المجالس الرأي العام البريطاني، يبدو أن اللجوء الى الشريعة أصبح متزايدا أكثر فأكثر في أوساط الجالية الإسلامية، والعديد من مكاتب الاستشارات القانونية بدأت تفتح أقساما متخصصة في القانون الإسلامي.