كان لمتذوقي الطرب الأصيل، ذات مساء أول سبت من فصل الربيع بالمسرح الوطني محمد الخامس موعدا مع « تخت التراث»و وهي الفرقة الموسيقية العربية المقيمة بباريس، والمكونة من هواة يجمعهم شيء واحد هو شغفهم بالتراث الموسيقي العربي القديم من موشحات وقدود وأدوار ومواويل وطقاطيق.. الفرقة تضم أفرادا من جنسيات عربية مختلفة مع عازفة دف أمريكية. يوجد بينهم الطبيب الجراح والمهندس والمقاول والإطار البنكي، كما يوجد ضمن الكورال التونسية إلى جانب المغربية والجزائرية وغيرهن. رافق الفرقة في أداء وصلاتها الطربية من لالئ (من اللؤلؤ) فن الموشحات والقدود المطرب الكبير عمر سرميني القادم خصيصا لهذا الحفل من أرض الشام (سوريا الجريحة)، وهو يحمل معه ليس «سلام من صبا بردى أرق» كما قال شوقي أمير الشعراء لدمشق بل «جراح بردى» وضريبة «الحرية الحمراء» و«هم الشرق» .... عمر سرميني واحد ممن عملوا سابقا في فرقة التراث الحلبية وتتلمذوا على مؤسسها العملاق الراحل في فن القدود والموشحات «صبري مدلل» والذي سبق لفرقته أن أطربت الجمهور المغربي في إطار فعاليات مهرجان الرباط أيام كان مازال للطرب الأصيل مكانا محفوظا في مفكرة المنظمين سواء لمهرجان موازين أو الرباط سابقا في طبعتيهما الأولى ... أتحفت الفرقة الحضور بموشحات وقدود، تم تضمين برنامجها في مطبوع وزع على الجمهور الحاضر، وقد تم تقسيم برنامج الحفل إلى مقامات وتقاسيم وإنشاد تنسجم وتتفاعل مع بعضها في قالب فني وموسيقى رفيع، وهكذا كان لمقام النهاوند التقسيم الذي يلائمه على آلة العود والإنشاد الذي يلائمه أيضا، وكذلك الشأن بالنسبة لمقام الكرد، التقسيم على آلة الكمان، والحجاز على آلة القانون، والصبا على الناي. وكان الإنشاد كذلك من الموال للموشح للقدود تناوب عليه كل من عمر سرميني وعبد الرحمان كزاوي المغربي والتونسي عبده وكانت حصة الأسد بالتأكيد للنجم السوري الذي أتحف الجمهور بالمواويل والقدود الحلبية وخاصة في مقطوعة «ياذا القوام السمهري» على مقام الكرد. تخللت وسط الحفل تحية من الفرقة إلى المغرب عبر عزف مقطوعة «فرحة وزرازات» التي هي من تلحين عازف الكمان الشهير بالجوق الوطني الفنان الجيلالي بالمهدي، الذي مازال حاضرا في الساحة الفنية رغم انتمائه إلى الرعيل الأول من جوقنا الوطني. كما تم الختام بالوصلة الرائعة «إسقي العطاش» ومن بعدها أغنية «ما أنا إلا بشر» تجدر الإشارة إلى أن هذا الحفل الرائع الذي أعاد الجمهور إلى الزمن الجميل زمن الطرب الأصيل، وكانت تقدم فقراته الإعلامية المتميزة «اسمهان عمور» والتي كانت يتعين عليها الحرص أثناء تقديم أفراد الفرقة على المكانة والمهمة داخل المجموعة وفق المقاييس الفنية المتعارف عليها، فالعازف عازف والمنشد منشد والكورال كورال. لا أن تتنقل من العازف إلى الكورال لتعود إلى المنشد أو العازف، فكان بالإمكان تلافي هذه «اللخبطة»، حيث أنها أغفلت البعض، كما أن التنسيق بين الفقرات شابه بعض الارتباك. من ناحية أخرى يجب على إدارة المسرح أن تنتبه إلى مسألة الصوت Sonorisation التي كانت بها اختلالات ولم تكن صافية بالشكل المطلوب خصوصا وأن المسرح مقبل على احتضان حفلات موازين، فلا يعقل أن يكون الميكرفون الذي تقدمه به المنشطة الإذاعية أكثر صفاء من ميكرفون العازفين والمنشدين والكورال.