خلص المركز المغربي للظرفية في العدد الأخير من نشرته الدورية إلى أن شبه الإجماع الذي تحقق حول تخفيض معدل النمو المتوقع بأكثر من نقطة، لم يسفر عن تغيير مضامين مشروع القانون المالي الذي تم إعداده على أساس تحقيق معدل نمو في حدود 4.2% كشف تحليل تطور وفيات الأمهات حسب الوسط، خلال 6 سنوات الأخيرة، أن معدل وفيات الأمهات في المناطق الحضرية قد انخفض بشكل ملحوظ بنسبة 61 في المائة، إذ انتقل من 186 حالة لكل مائة ألف ولادة حية سنة 2004 إلى 73 حالة سنة 2010، في حين لم يتجاوز هذا الانخفاض في المناطق القروية نسبة 45 في المائة خلال نفس الفترة، من 267 حالة لكل 100 ألف ولادة حية سنة 2004 إلى 148 حالة سنة 2010، وذلك رغم الخطوات التي قطعتها وزارة الصحة في هذا الباب، وهي الأرقام التي تعتبر مرتفعة مقارنة مع دول تقترب اقتصاداتها من اقتصاد المغرب. وأوضح تقرير لوزارة الصحة أن نسبة الولادات تحت إشراف مهني مؤهل قد ارتفعت من 63 في المائة سنة 2004 إلى 73.6 في المائة سنة 2011، كما أن نسبة النساء الحوامل اللائي استفدن من استشارة طبية قبلالوضع عرفت تقدما ملموسا خلال نفس الفترة، إذ انتقلت من 67.8 إلى 77.1 في المائة. ووفقا للنتائج النهائية للبحث الوطني الديموغرافي لسنة 2009 2010، فإن معدل الخصوبة الكلي قد انخفض من 2.47 سنة 2004 إلى 2.2 سنة 2010، ويستقر هذا المعدل في 1.8 طفل لكل امرأة في المناطق الحضرية و 2.7 طفل لكل امرأة في المناطق القروية، وهو ما يربط العلاقة بين وفيات الأمهات وانخفاض معدلات الخصوبة. وفي سياق متصل فإن معدل وفيات الأطفال في الوسط القروي لايزال مرتفعا، خاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن سنة واحدة، والأطفال دون السن الخامسة، إذ تصل إلى 33.6 طفل لكل ألف ولادة حية في الوسط القروي، مقابل 23.6 طفل لكل ولادة حية في الوسط الحضري، و 35.1 في الألف مقابل 25.4 في المناطق الحضرية، أخذا بعين الاعتبار أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة قد تقلص من 47 طفلا لكل ألف ولادة حية سنة 2004 إلى 30.5 طفلا حسب نتائج المسح الوطني حول السكان والصحة الأسرية لسنة 2011، بينما الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة واحدة فقد انخفض معدل الوفيات من 40 طفل لكل ولادة حية سنة 2004 إلى 28.8 سنة 2011. أما بالنسبة لوفيات الاطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنة و 5 سنوات، فقد انخفض المعدل من 7 اطفال لكل ألف ولادة حية سنة 2004 إلى 1.7 سنة 2011 أي بانخفاض يناهز 76 في المائة. خلص المركز المغربي للظرفية في العدد الأخير من نشرته الدورية إلى أن شبه الإجماع الذي تحقق حول تخفيض معدل النمو المتوقع بأكثر من نقطة، لم يسفر عن تغيير مضامين مشروع القانون المالي الذي تم إعداده على أساس تحقيق معدل نمو في حدود 4.2% التحليل الذي تبناه المركز اعتمد على مستجدات الظرفية الدولية الصعبة، وما ترتب عنها من تراجع للطلب على المنتجات المغربية ثم على المعطيات الداخلية المتميزة بالجفاف. واعتبر أن هذه المستجدات تقتضي التقدم بميزانية أكثر تفاعلية لمواجهة عجز النمو، ميزانية تقوم على أحد الخيارين: أولهما مباشر يأخذ بعين الاعتبار الفارق بين معدل النمو المعتمد عند إعداد النسخة الأولى للميزانية والمعدل الذي انكشفت معالمه في الأفق، وهو الفرق الذي يزيد عن نقطتين ويقتضي مراجعة كل المكونات المرتبطة بالمداخيل والنفقات ليكون أكثر ملاءمة للوضعية الصعبة التي تعيق النشاط الحالي والتطور في الأشهر المقبلة. الخيار الثاني أكثر تفاعلية يضع عمل الميزانية ضمن آفاق طويلة حيث تتداخل الديناميات الزمنية عوض الاقتصار على منطق إعادة الهيكلة الميزانياتية التي يمكن أن تظهر في الأمد القريب عقيمة، فالإجراءات المرتقبة في إطار هذا الخيار تقوم على مواجهة الآثار الاكتئابية. ففي فترة اللايقين وانتشار البطالة وإضعاف النشاط ويراجع النمو، فإن دعم النشاط عبر الوسائل الميزانياتية يوصى به بقوة. فعبر الإنفاق العمومي والنظام الضريبي وحتى الأدوات النقدية الملائمة، فإن أهداف تكثيف الاستثمارات ورفع الإنتاجية وتقوية المنافسة وتحسين القدرة الشرائية تصبح ضرورة ملحة لمواجهة الآثار السلبية وللحفاظ على مستوى الطلب، وبرمجة تمويل هذا التوجه تقتضي برمجة على عدة سنوات لتصحيح التوازنات المالية. إن السياسات المعتمدة من طرف الدول المصنعة بعد الأزمة المالية تشكل مثلا يقوي مكانة هذا الخيار. بالنسبة لمشروع القانون المالي المعروض للمناقشة، فإنه لم يأخذ بالخيار الأول ولا بالخيار الثاني، فالبرمجة الأولية على أساس تحقيق معدل نمو في حدود 4.2% لم تتعرض على ما يبدو لأي تغيير . إن تحليل المكونات الأساسية للميزانية يساعد على تقدير درجة التوافق بين المسلسلات المتوقعة والأهداف المسطرة. فمن منظور شمولي ترتفع القيمة الإجمالية لتكاليف ميزانية 2012 إلى 347 مليار درهم بزيادة 18.3% مقارنة مع السنة السابقة، وبالمقابل فإن قروض الأداء لتغطية نفقات الاستثمار التي حددت قيمتها في 59 مليار درهم يمكن أن تزيد بأكثر من 10% عن نظيرتها المبرمجة سنة 2011. بالنسبة للمركز فإن مقتضيات مشروع الميزانية لا تسمح بتحقق ربح ذي دلالة لفائدة المقاولات، وذلك راجع الى الاجراءات المعتمدة الرامية إلى وضع نسق بين الضريبة الداخلية على الاستهلاك، تخفيض الرسوم الجمركية ، تحسين منافسة المقاولة، بل على العكس فإن تجميع آثار هذه الإجراءات مع ارتفاع الاقتطاعات برسم الضرائب المباشرة وغير المباشرة سيؤدي إلى كلفة مرتفعة للتحملات لتصل إلى حوالي 7 ملايير درهم. بالنسبة للأسر ، فإن المداخيل المحصلة من خلق مناصب شغل جديدة ومن تحسين الأجور والمستحقات وكذلك من الزيادة في صندوق المقاصة، فإنها مجمعة مع الاقتطاعات الضريبية المباشرة وغير المباشرة ستسفر عن ربح ممكن من الموارد يقدر ب 11 مليار درهم. فالآثار الجديدة لإجراءات الموارد المتوفرة على مستوى الأسر والمقاولات ستتقوى بتلك الناتجة عن ارتفاع نفقات الدولة، ومشروع الميزانية يتوقع زيادة ب 2.1 مليار درهم للحصص المخصصة لنفقات المعدات و5.3 مليار درهم لنفقات رأس المال أي بزيادة إجمالية تصل إلى 7.4 مليار درهم إن تجميع مجموع انعكاسات الإجراءات الواردة في مشروع الميزانية يمكن أن يؤدي إلى حقن المدار الاقتصادي بقيمة إضافية تقدر ب 11.5 مليار درهم، وهذا يمكن ان يترتب عنه ارتفاع الطلب الداخلي إلى حوالي 20.7 مليار درهم، بينما الانعكاسات المرتقبة خلال سنة 2012لن تتجاوز 14.5 مليار درهم ، وهو ما يعادل بالسعر الجاري حوالي 20.4% من الناتج الداخلي الخام، ويمكن أن يشكل عاملا ملموسا على مستوى الطلب والإنتاج والشغل. فالتأخير المسجل على مستوى مسلسل إعداد المشروع والمصادقة عليه سيحد بشكل واضح من الآثار المرتقبة، فالإجراءات الميزانياتية الجديدة، وخاصة منها المرتبطة بالمجهود الاستثماري قد لا تكون فعالة إلا في النصف الثاني من السنة، ذلك أن معامل التجميع المرتقب يمكن أن يتقلص إلى حوالي نصف التقديرات السابقة.