تأتي على الكاتب أحيانا لحظات تجعله يغفر لنفسه ورطة الكتابة الفادحة، ويُسر للتمادي في فضائح القصة القصيرة. وقد تم اختبار ذلك بألق شفيف في ظهيرة ثقافية إبداعية خلال اليوم الأول من الأيام الربيعية لثانوية الباقلاني التأهيلية بالدار البيضاء, وفي إطار تقليد سنوي ارتأت المؤسسة ترسيخه وتوطيد دعائمه خدمة للتلاميذ والتربية والإبداع المغربي. نعم، فقد سمحت للحضور بإعلاء شأن الكلمة المبدعة، تلكم الكلمة التي وجدت قبولا حقيقيا وعميقا من كطرف الحضور، في تآلف نادر ما بين مبدع ونص ومتلقين. وقد ابتدأت هذه الأيام بجلسة توقيع المجموعة القصصية الصدارة مؤخرا للكاتب المغربي مبارك حسني والتي تحمل عنوانا دالا هو «القبض على الموج». واستضافت كل من المبدع المغربي الكبير الروائي محمد صوف، والشاعر والناقد عمر العسري وسير لحظات الجلسة الأستاذ المعروف أنور العربي الإدريسي. بالإضافة إلى الكاتب والقاص مبارك حسني. في البداية تناول الكلمة الأستاذ عبد العزيز الحبيب مدير الثانوية المعروف باهتماماته التربوية والثقافية، فرحب الحضور وقدم الأهداف والملامح الرئيسية للبرامج الثقافي المسطر والمزمع تشريفه، كما شكر المدعوين بتخصيص كل واحد منه بتعريف واف مستدلا في ذلك بذكر مساهماتهم الإبداعية خدمة للثقافة والأدب المغربي. وتناول الكلمة الأستاذ أنور الإدريسي فقدم كلمة أدبية الطابع، ثقافية المنحى، مزجت ما بين الإطار البيداغوجي المخصص للتلاميذ الحاضرين، والإطار ألاحتفائي المخصوص. فجاءت كلمته رقصا متحكما فيه يجعل الكل ينخرط في سيمفونية الاحتفال بالأدب ليس في شقه الأكاديمي التدريسي لكن من الجهة الأخرى الشاسعة، جهة التذوق والتلذذ والسفر في عوالم الكتابة حين تعيد خلق العالم وتؤثثه بالخيال المبدع المحفز. الكتابة «الغرضية التغريضية». بعده تم الكلمة للكاتب الكبير محمد صوف. الذي قرأ كعادته الراسخة ورقة مهيأة مرقونة، على شرف الكاتب مبارك حسني. فقد توخى الحديث عن الرجل، الشخص الذي يعرف منذ زمن. تناولت الورقة جوانب من اهتمامات الكاتب، كأديب مطلع على الأدب العالمي يكتب باللغتين العربية والفرنسية، وناقد سينمائي يكتب عشقه للفن السابع من منطلق العارف المتيم، وصحفي يدبج المقالات ويجري الحوارات اقتدار الذي لديه ما يقوله وليس فقط للكتابة فقط، وأخيرا كأستاذ. ف»مبارك حسني يتحرك في مثلث منفتح رغم انغلاق أضلاعه,,التعليم والسينما والأدب». في مداخلة الشاعر عمر العسري الرصينة الممنهجة، اكتشف الحضور بعض مفاتيح قراءة قصص المجموعة, بوضعها ضمن تجارب كتاب قصة ينضوون ليس في جيل بل في رؤى مختلفة ترتكز على «الذات وعلاقتها بالبيئة والمحيط من جهة، وأيضا على مؤرقات الكتابة وإكراهاتها والانفتاح على نحل معرفية جديدة». ومن خلال هذه الرؤى تتميز قصص مبارك حسني على تأسيس لنص يطرق أبوبا القص من عدة زوايا: غرائبية العتبات، والتنصيص على المكان، والتأثير على الواقع. هذا الواقع الذي يُمنح ضمن خطي المحتمل والممكن، مع توخي كتابة سردية عنوانها البارز هو تدقيق الوصف واستعراض التفاصيل بهدف خلق متعة التتبع و»منطق الخزف». في الأخير أعطيت الكلمة للكاتب كي يقرأ قصتين من قصصه. الأمر الذي قام به متوخيا تجسيد القراءة والانفعال مع مقتضيات القص التشويقية. والحق أن التتبع كان بليغا، فيه شغب العيون المترقبة والانتظار الجميل الذي يميز حضورا تلاميذيا، كما الإنصات الذي يروم الاكتشاف. وذاك ما حصل، فقد قام التلاميذ بالتصفيق كثيرا متأثرين بأجواء نصي «قصة بوليسية قصيرة جدا» و»حب في مقهى كليشي بلاص». وإذا كانت من خلاصة معبرة يمكن الإشارة إليها هنا، فهي أن القارئ المغربي موجود، نحن الذين لا نفتأ نقول العكس. قارئ الأدب المغربي يوجد في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، يكفي فقط أن نوصل إليه كتبنا عوض انتظار مجيئه نحونا. هو هناك وقو القارئ الراشد الذي سيسند الكاتب حتما. وقد تأكد الأمر حين طرح الأسئلة، والتي تناولت القصة القصيرة وكتابتها، وعلاقتها بالواقع والخيال، وكيفية تدبيجها وتصور شخوصها وعوالمها. والحق أن ظهيرة الثلاثاء تلك كانت علامة مميزة في احتفالية الأيام الربيعية للمهرجان الربيعي الثاني المنظم تحت شعار التربية على الإبداع دعامة أساسية لمدرسة النجاح. ولا يكون النجاح إلا عن طريق تشجيع الإبداع وأهله.