الاستقبال الجماهيري لدنيا باطمة في مطار محمد الخامس أو في الحي المحمدي.. ليس مجاملة، إنما هو استقبال فنانة قديرة استطاعت بحنجرتها أن تُلمْلِمَ شتات الطرب الأصيل وترسله شذوا رنانا، أعادنا إلى أيام زمان. لم يكن إعجاب المستقبلين وتدافعهم للتعبير عن محبتهم بمطربتهم من الصدف، بل هو نابع من أصداء صوتها العذب الذي حرك المشاعر في الوطن العربي ودخل إلى القلوب سلسبيلا. ويمكن أن نلمح من خلال هذا التجاوب مدى القدرة الفنية الدفينة عند دنيا، والتي تفجرت في المسابقات الغنائية ببرنامج «أراب أيدول» في بيروت. كان الفضول الغنائي، إذا جاز التعبير، هو الذي دفعني إلى متابعة هذا البرنامج، أحاول فيه أن أكتشف الأصوات الغنائية وما تحمله من رصيد فني ينبىء بالمستقبل. وشيئاً فشيئاً بدأ صوت دنيا ينساب إلى أذني طواعية دون جهد أو استعصاء. وصرت مدمناً على الاستماع إلى جميع الأصوات، وكلها تثير الانتباه إلى ما تملكه من أصوات حسنة، وعلى درجات مختلفة لهذا التأثير. لكن حاسة الذوق تملي على المستمع أن ينحاز إلى دنيا ويفضلها. إذ كانت على درجة عالية من الأداء الغنائي. لا تتلعثم، أو تتعب نفسها في إخراج صوتها. بل كلمات الأغنية تتدفق من فمها في يسر وسهولة. وطوال سهرات المسابقة، كانت لجنة التحكيم تنطلق في أحكامها من هذا المنظور. وتحرص على تفضيل المغنية المغربية دون أن تقلل من شأن الباقين. هذا الصوت الدافىء، هو صوت عربي يجيد الغناء العربي من جميع أطرافه. لقد غنت دنيا باللون المغربي والمصري، واللبناني والخليجي، فأتقنت في كل الألوان. لقد كسرت الحواجز، وعبرت حدود الوطن العربي مما يجعل غناءها يحمل جواز سفر من الخليج إلى المحيط. و حتى وإن لم تحرز دنيا لقب المسابقة، فهي لا تمثل المغرب فقط وفي حدوده الاقليمية، بل كانت في عطائها الفني سفيرة للأغنية العربية. اللقب، سواء ذهب لها أو لكارمن، فهي تستحقه عن جدارة واستحقاق، بالنظر لموهبتها أولا، وثانيا لخبرتها وممارستها في تطويع الأغنيات المختلفة التي اقترحتها أو أعطيت لها. وكانت عند حسن الظن فيما توسمه الجميع، وفي رأيي، أنها كانت أبلغ تعبير في الأداء. ماذا لو غنت دنيا أروع الأغاني لأعظم الملحنين، أليست براعتها في الأداء ستكون أروع بسبب تمكنها من قدرة التعبير عن هذه الآثار الخالدة. فحين تمتعنا بأغنية «لا تكذبي» للسيدة نجاة الصغيرة، وتلحين الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، لأني أتصور فيها مجالا واسعاً لموهبتها. وماذا لو غنت «رباعيات الخيام»، لاشك أنها سترفعها الى الذروة. ولو أدت أغنية ليلى مراد «الحب جميل»، فإنها تنقلنا بصوتها الجميل الى الغناء الجميل... كم هي الأغنيات الخالدة لو أعطيت ل دنيا لوجدت فيها مساحة كبيرة لصوتها تبدي فيها الجمالية الخلاقة. ومع ذلك، فإن ما سبق أن غنته ينبىء عما ينتظرها من مستقبل مشرق.. وفي الختام، ما أجمل أن نشبهها بتلك المغنية التي قال عنها الشاعر العباسي «ابن الرومي»: تتغنى كأنها لا تغني من سكون الأوصال وهي تجيد،