المغرب الأقصى عصي في فهم تموجاته الفنية، معطاء حد الجنو، جاحد حد الكرم، يقلد بسخاء، يتماهى بأنفة، يسافر محتفظا بروحه، يحتفل بعصره دون أن ينسى أصله، قد يشده الشرق أحيانا وقد يسحبه الغرب أحيانا وهو في كل هذا مطمئن لأصالته متعددة الفروع ، قد يتخاصم مع تاريخه الفني في لحظة طيش و الأصيل يحتاج إلى فترات خصام حتى يعود أكثر حبا و عافية إلى ذاته . كذا يفعل كل كبير، زمن كانت فيه كواكب الشرق تحتل كل أفلاك الفن و المغرب في كل هذا لم يفقد مجراته، ولعل أجملها «جيل جيلالة» تلك المجموعة الفنية المغربية التي استطاعت أن تعيد للمغرب موسيقاه و تقول بخجل الكبار: «هكذا غنى الأجداد». يصفق لها بل يهيم بها شباب مغربي لم يفقد، وبكل التجاذبات ، هويته. آلات بسيطة و شباب خجول من مهمته و كلمات تكاد تنساها معاجم الانتماء. لماذا غنى شباب المغرب مع جيل جيلالة؟ لأنهم أشعلوا «شمعة» قبل أن ينام غناء المغرب ، ولعل أغنية «الشمعة» تكاد تكفي بلكنتها المغربية و بصفاء استعارتها ، وتتوالى أغاني الأجداد ولا أحد كان يصدق آنذاك أن مجموعة طيبة استطاعت أن تصالح المغرب مع تاريخه الفني، و لا أنكر أنه بعد هذا البوح الخجول «لمولاي الطاهر» حول بدايات المجموعة لا يمنع بأن المهمة لم تنته بعد و لعل «العربي رياض» لم يقطف إلا زهرة يتيمة في رياض المغرب الفنية ، لها غنى المغرب كتابا لسيرة عناد لا تخفيه الدموع. --- نص الشهادة التي قدمت خلال اللقاء الاحتفائي بمولاي الطاهر الأصبهاني المنظم من طرف "أصدقاء ديونيزوس" بأحد مطاعم البيضاء، وهو اللقاء الذي نشرنا تغطية له في عدد يوم السبت الماضي.