لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا ابتداء من 11 نونبر الجاري بالرباط    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في قلب الجحيم السوري

في حمص، تتواصل المجزرة، في أحد المطاعم الراقية بدمشق، تنهال التهاني على الرؤوس لاستعمالهم الفيتو في الأمم المتحدة. حول درعا، يواجه الجيش الحر مدرعات النظام. في كل مكان تتصاعد الاختطافات. والمعارضة المنقسمة تتخوف من دوامة الحرب الأهلية.
ينظرون إلى الأمام للسيطرة على الخوف، يمسكون بأيادي بعضهم البعض ويهمسون بين الشفاه «»الله يعيننا«« تم يخرجون، يتقدمون تحت جسر، يتجمعون للحظات في مجموعات صغيرة قبل أن يتفرقوا من جديد، ويستأنفون حركتهم الغريبة.
مثل كل جمعة، يوم الصلاة، يتحول حسن بدمشق إلى أحد مراكز الثورة. شعار مظاهرة تلك الجمعة واضح لا غموض فيه.
«روسيا تقتل أطفالنا»، لكن في الميدان، هذا الحي الذي لم يعد يحصي قتلاه منذ بداية الانتفاضة، يعرف المحتجون أنهم إذا كانوا يريدون تفادي القتل، كل ما يستطيعون القيام به هو القيام »بمظاهرات خاطفة. أمامهم يقف جهاز أمني بكل عتاده في خدمة النظام. فوق الجسر تقف حواجز الجيش وشرطة مكافحة الشغب، في كل محور طرقي، ومن أجل محاصرة المحتجين وتفريقهم، في بعض الأحيان بتوجيه الأسلحة في اتجاههم، تقوم أفواج من الشبيحة,تلك الملشيات الرهيبة للنظام بلباسها المميز وأسلحتها بمطارتهم مستعدة لإطلاق النار.
الأمل في امكانية ايجاد مخرج قريب وانهيار النظام، يبدو بعيدا في الأسبوع الماضي، نجح مقاتلو الجيش السوري الحر في الاقتراب من البنك المركزي في قلب العاصمة. لكن الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن غير المعطيات. النظام، وبمباركة من حلفائه الذين نجحوا مرة أخرى في عرقلة أي مبادرة دولية استعاد المبادرة. ومن حمص إلى درعا بدأت قواته تستعيد سيطرتها على الأحياء المتمردة واحدا بعد الآخر بواسطة قصف الطيران ومعارك الشوارع و اقتحام البيوت...
منذ بضع دقائق، لم يعد يسمع أي ضجيج بالميدان، صمت المتظاهرون، أصبح الجو ثقيلا من الخرسانة، وحتى الرجل الذي يرافقني في زيارتي لسوريا بتأشيرة من وزارة الخارجية وهو متعاطف مع النظام - تحول لونه من الخوف. من بين المدنيين المتمركزين في المحاور الطرقية، تعرف على بعض أفراد مصالح الأمن التابعة لسلاح الجو (تسمى الحوثه).
فمن بين 17 جهاز مخابرات الموجودة في سوريا، والتي يتوفر كل واحد منها على سجونه الخاصة. إلى درجة أنه عندما يختفي شخص، يلزم في الكثير من الأحيان البحث أكثر من أسبوع لمعرفة من يعتقله. والمخابرات الجوية هي الأخطر والتي يخشى بطشها، انشأها حافظ الأسد عندما كان وزيرا للدفاع، وكان يريد جهازا استخباريا لا يتبع لأحد غيره، ويضم جهاز الجوية حوالي 20 الف رجل، تمكن شيئا فشيئا من التحرر من أي وصاية ولا يأتمر اليوم إلا بأوامر الجنرال جميل حسن. الذي ظل وفيا لروح حافظ الأسد وهو من أنصار الخط المتشدد ويؤاخذ ابن زعميه بالليونة. بعد وصوله إلى السلطة، حاول بشار الأسد تفكيك جهاز الجوية. ولكن عندما اندلعت الأزمة وبدأ النظام يترنح، استأنفت المخابرات الجوية أساليبها: نتف لحي المعارضين بالملقاط، الاغتصاب، الكي والحرق، التعذيب بتقنية »»السجاد الطائر» حيث يتم ربط اليدين والرجلين دفعة واحدة وراء الجسم, ثم ربطها مجتمعة بالعنق.
في شهر يوليوز الماضي، نصب بشار الأسد كاميرات في مكاتب المخابرات الجوية متصلة مباشرة بالقصر، لكن لا أحد يعرف بالضبط إن كان ذلك للحد من قسوتها أم الخوف من انقلاب عسكري.
على الطرف الآخر من المدينة، في مطعم راق بالمدينة المسيحية القديمة, يتردد عليه أنصار النظام، يحتفل الحاضرون بالفيتو الروسي. على الجدران وكديكور، خليط سوريالي بين صورة رسمية لبشار الأسد وصور ثياب داخلية نسائية... بتقنية »الكاراوكي» يغني الحاضرون أغاني من الفلكلور السوري وهم يحتسون الكؤوس. تقول منشطة بإحدى الإذاعات الخاصة ملفوفة في لباس شفاف وشعر أشقر طويل باعتزاز» »أنا موالية جدا للنظام «-كما لو أنها تتكلم عن فريقها المفضل لكرة القدم- ليس هناك سوى العلويين القادرين على قيادة هذا البلد، نحن السنيون لدينا إلاه صغير في ادمغتنا. هل هذا ما تريدونه أنتم الغربيون، هل تريدون أن تحجب كل النساء في هذا البلد؟«« على مائدتها، جلست زوجة صاحب المطعم، ماجد نيازي عضو بالمجلس البلدي لدمشق، اشتهرت بكونها طردت السفير الأمريكي من المطعم لأنه يساند اسرائيل - ماجدة نياري تقدم نفسها كمعارضة للنظام. تؤكد أنها تريد رفع دعوى ضد تجاوزات مصالح الأمن. وتفتخر بأنها من الأوائل التي حصلت على ترخيص بتأسيس حزب سياسي كان يتطلع، مع بداية الانتفاضة، بسداجة واضحة إلى تجميع كل مكونات المجتمع السوري، ، شبيحة مختلف تيارات المعارضة. ومنذ ذلك الوقت، ذهب ممثلو المعارضة، وبقي بعض الشبيحة، لكن ماجدة ماتزال تحلم بقيام حكومة وحدة وطنية يقودها بشار.
وصل ضيف شرف الحفلة, إنه الدكتور قدري جميل, زعيم الحزب الشيوعي السوري، رجل قوي البنية في الخمسين من عمره, عضو المعارضة الوحيد الذي قبل المشاركة في لجنة إصلاح الدستور التي انشأها بشار. ويشرح جميل بأن النص الذي سيعرض على الاستفتاء يوم 15 مارس استلهم كثيرا من بنوده من الدستور الفرنسي، بل تجاوزه لكونه سيتضمن التنصيص على حق الإضراب، والبند الوحيد الذي يأسف له هو البند الذي ينص على أن الرئيس يجب أن يكون مسلما.
وبعد أن أطلق بعض النكت ليس لليهود والفرنسيين فيهم دور جميل، طلب قدري كأسا من الفودكا بلغة روسية جيدة تعلمها خلال سنوات دراسته بموسكو. تم شرح بأن النظام العالمي الجديد الذي يرسخ الهيمنة الروسية والصينية قد وصل. بدأ يتهكم قائلا «إيلين كارير دانكوس تكتب أي شيء، الإمبراطورية الروسية لم يسبق أن كانت في حال أحسن مما هي عليه اليوم» وبرأيه، لم تصدق الولايات المتحدة الإصرار الروسي إلا عند الفيتو الثاني، وموقفهم شبيه بموقف فرنسا وبريطانيا خلال أزمة السويس التي جسدت سنة 1956 نهاية نفوذهم، ويسترسل قدري قائلا» »الغرب لم يفهم بعد أنه انتهى» قبل شهرين زارموسكو للقاء رئيس البرلمان، وممثل الرئيس الروسي المكلف بالشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف «»كانوا مصرين على تفادي التدخل الأجنبي بأي ثمن، كنت مقتنعا بأنهم سيساندوننا...» على الطرف الآخر من المائدة، جلست منشطة الإذاعة الخاصة صامتة، بعد أن كانت متحمسة في البداية. لقد تلقت رسالة نصية على هاتفها تقول» »أيتها الشبيحة، سنصفيك««
مع الجيش الحر في درعا
للتنقل في درعا، لابد من التحلي بالصبر، والدوران بين حواجز الاسمنت، والرجوع من حيث أتيت على الطرقات المقطوعة والانتظار في حواجز التفتيش الموجودة على الطرقات, عند كل 200 متر، لأنه منذ الفيتو الروسي، استعاد الجيش احتلاله للمدينة «»التي انطلق منها كل شيء»« هنا، المباني التي احرقت، وتماثيل حافظ الأسد التي اقتلعت، والشعارات المعادية للنظام المكتوبة على الجدران غطتها على عجل صباغة سوداء، تظهر أنه في كل محور أنت في واحدة من عواصم الانتفاضة، محافظ درعا، وهو رجل ضخم الجثة, قصير القامة، له تصرفات جندي، يشتكي كثيرا من الوضعية الأمنية و القرب من الحدود الأردنية الموجودة على بعد 3 كلم، والتي يعبر منها، حسب قوله، كل أنواع السلاح التي تصل إلى متمردي الجيش الحر.
وللقاء أعضاء المعارضة المسلحة، لابد من استباق رجال المخابرات التي تتبعنا، ايهامهم بأخذ طريق العودة الى دمشق، تم التسلل عبر إحدى تلك الطرق الثانوية المؤدية إلى القرى المحيطة بدرعا. لكن قوات الأمن سبقتنا الى درعا حيث قتل حوالي 60 رجلا منذ شهر مارس. أربعة دبابات تقف في مواقع عند مدخل البلدة.
جدران الشارع الرئيسي مليئة بالشعارات» »بشار استعد للموت بكرامة...» « »ارحل«« ...هنا، ولتفادي إثارة غضب السكان، غير النظام صور بشار على الواجهات بالأعلام السورية.
واصلنا طريقنا حتى غبتا في اعماق بساتين القرية. رجال يحفرون الأرض، يشرح المترجم بأنهم يبحثون عن الذهب والآثار» »كنز الكنائس«« لتمويل إسقاط النظام ,حقيقة أم خيال. و سواء داخل النظام أو في صفوف المتمردين، يعتقد الجميع أن باطن الأرض مليء بالثروات المدفونة من طرف الصليبيين. ويمنع النظام الفلاحين من التنقيب في باطن الأرض، ويقمع بقسوة من يخالفون هذا القرار. عمار، فلاح علا وجهه الغبار، أخذ اسما حربيا » (نسر9«)، توقف لحظة ليحدثنا، أفرج عنه للتو من السجن، يروي بدقة تفاصيل التعذيب والحرمان من النوم، دبره المجروح بهراوات سجانيه وهوسني، يأسف لذلك, ولكن الحرب التي يخوضها هي حرب ضد العلويين» »النظام هو الذي أراد ذلك« ,كل مساء خميس، على شاشة ساحة القرية، يتابع خطب الشيخ عرور، وهو سوري منفي الى السعودية حيث يدعو من هناك إلى سحق العلويين و اغتصاب نسائهم.
في مزرعة مجاورة، قدم لنا عمار، رجلا اسمه رشيد، وهو أحد قادة الجيش الحر في منطقة درعا، كان عائدا من مستشفى القرية البسيط, حيث يتم علاج جرحى اليوم السابق. رشيد مبحوث عنه من طرف مصالح الأمن حيا أو ميتا, مثله مثل إمام بلدة داعل الذي التحق بنا.
في بداية الثورة، عندما ضبط الأطفال وهم يكتبون على الجدران شعارات مناهضة لبشار الأسد واعتقلوا وعذبوا, بعضهم توفي جراء ذلك، وبدأت المظاهرات تقدم ضحاياها بالعشرات، التحق الإمام بوفد من اعيان منطقة درعا توجهوا الى مقابلة الأسد» »وجدته رجلا سجينا في قصره، قال لنا بأنه لا يعلم شيئا عما يجري، وأنه لا يشاهد التلفزة... أنا سألته، إذن باسم ماذا أنت رئيسنا««
مكالمة هاتفية قاطعت حديثنا: الجيش يستعد لشن هجوم على القرية, قادنا رشيد عبر مسالك وسط الحقول لتفادي الطريق الرئيسي. في مزرعته. خلف تدخل الجيش ثلاث إصابات في تلك الليلة.
الصفعة التي تلقاها بشار
مطر رقيق وبارد ينزل على القرداحة مسقط رأس حافظ الأسد. في هذا الجبل المكسو بأشجار الزيتون والذي يطل على اللاذقية، لجأ في زمن سابق العلويون الفارون من قمع العثمانيين، أمر مفاجئ في هذه الدكتاتورية التي تغذي وترعى عبادة الشخص: البلدة مهملة ومقر حزب البعث يبدو أنه تعرض للإحراق، فقط بعض رجال الأمن السوري يوجدون قرب قبر حافظ الأسد، هل يترجم هذا الإهمال المسافة التي أراد الإبن إقامتها مع أسلوب الأب؟ هذا رأي جزء من الشباب السوري الذي يكره النظام, ولكنه مازال يريد أن يثق رغم كل شيء في رئيسه. يذكر الجميع ضعفه أمام صقور النظام، مع التذكير أيضا بأنه لم يبد لمدة طويلة شهيته للحكم وخلافة والده.
يؤكد شاب التقى مؤخرا الرئيس في وقت يبدو أن بشار لم يعد له من شغل سوى استقبال وفود قادمة من جميع مناطق البلاد» »لو لم يكن بشار يتمتع بالشعبية، لكان النظام قد انهار منذ زمان«« ويحكي النكتة التي رواها له الرئيس. عندما كان بشار طالبا حضر احتفالا عموميا لذكرى والده. وبينما كان الجميع يصفق، كان الشاب يتساءل عن الموقف الواجب اتخاذه. وحينما انبرى أحد أفراد المخابرات لم يتعرف على الشاب، ووجه له صفعة قوية لمعاقبته على نقص حماسه، ويحكي بشار أمام مجموعة من الشباب المشدوهين بهذه الحكاية «»تساءلت إن كان ضروريا أن أكشف عن هويتي, في النهاية قررت الانصراف«« بالنسبة لهذا الطالب المعجب برئيسه، هذه الحكاية تكشف تواضع بشار. أو «ضعف شخصيته» يقول أحد أصدقائه.
عدد كبير من المعارضين
بسام القاضي من المرصد السوري للنساء يريد خلخلة حزب البعث وليس الرئيس فهو لا يحب لا برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري, «لأنه يريد السلطة وليس له برنامج» ولا ميشيل كيلو، أحد المعارضين التاريخيين «الذي يغير رأيه باستمرار» ولا صديقته سهير أتاسي «التي تمارس المعارضة كلعبة فيديو»
محمد عبد المجيد مرجان، محامي في حلب وعضو في لجان تنسيق المعارضة، قضى أكثر من 10 سنوات في السجن، يؤاخذ على المنتظم الدولي تشجيع المعارضة في الخارج على تبني خط متشدد حتى وإن تطلب الأمر دفع سوريا الى حرب أهلية تبدو في رأيه قادمة ولا مفر منها، ويتساءل» »لماذا رفضت فرنسا تنظيم مؤتمر في باريس للجان المعارضة الشرعية الوحيدة، معارضة الداخل؟««
بالنسبة لفاتح جاموس الموجود في قرية بسنادة قرب اللاذقية, حيث يوجد تحت مراقبة دائمة من المخابرات. كان من الواضح أن التطلعات الديمقراطية التي قادت الى الثورة في تونس ستنتصر في النهاية في سوريا، لكنه يعلم أيضا أن البلاد بأقلياتها الكثيرة تواجه خطر الانفجار» »كنت سعيدا وقلقا في نفس الوقت«« يوضح هذا المناضل الشيوعي سابقا المتأرجح بين الأمل في الثورة والخوف من الحرب الأهلية، أما الدكتور منذر خدام، وهو معارض من اللاذقية، فيقول إنه يتفهم كفاح الجيش الحر، ولو أنه يقدم نفسه كمناضل سلمي، بالنسبة له الشيء الوحيد الذي يجمع المعارضة في الداخل هو كرهها للمجلس الوطني السوري الذي تسميه «معارضة باريس» في الواقع، وأمام المخاطر المتصاعدة يوما بعد يوم بوقوع حرب مذهبية في سوريا, فإن المعارضة الداخلية ممزقة لأنها قلقة.
مثل ما حصل في العراق...
في حلب، يقول فارس الشهابي, الرئيس الشاب لغرفة التجارة» »لأنه يراد معاقبة حلب على حيادها، يتعرض رجال الاعمال الذين أمثلهم للتهديد والاختطاف والاغتيال أمام مصانعهم، وإذا ما استمرت قوات الامن في حمايتنا بهذا الشكل الضعيف، سنشكل مليشيات خاصة لحماية أنفسنا كما في العراق» أما بخصوص تركيا التي تسلح الجيش الحر, فإن رجل الاعمال القريب من بشار يحذر» »كل الاسلحة التي سنصادرها من معارضينا سنقدمها لحزب العمال الكردستاني, على تركيا أن تعلم أنها تسلح معارضيها«.
مستبد حمص...
مثل كل العائدين من حمص، يتكلم منصف من خلال دموعه ويشرح كيف أنه خلال يوم واحد في أول مظاهرة أحس بأنه حر، ثم وقعت المجزرة، 100 قتيل و 600 جريح ومنذ ذلك الوقت كل جمعة، يشارك في المظاهرات وكل سبت يشارك في تشييع الجنائز.
يحكي مغامرات إياد غزال محافظ حمص، لمعرفة لماذا وصلت الأمور الى ما وصلت إليه، أي الى التطهير العرقي في الأحياء. الى الناس الذين يتم إنزالهم من الحافلات لأنهم سنيون، مسيحيون أو علويون ولا نراهم بعد ذلك الى الأبد.
إياد غزال، الذي كان يسيء معاملة السنيين والذي فرض ضرائب إضافية على مبيعات السيارات وعلى المعاملات العقارية وكل ما من شأنه أن يغذي ثروته الشخصية. في حمص وبسببه، كل شيء أصبح غاليا، الكهرباء، الماء، الهاتف، المستبد كان يأخذ نصيبه على كل الخدمات. أما العلويون الذين ينوون المطالبة بحقوقهم، كان يوقع حكم موتهم. ثم جاءت الحرب، والذين لا يريدون المشاركة في المعارك أعيدوا الى قراهم» اليوم يوجد في حمص كل شيء, يوضح منصف هناك مقاتلون شرعيون، هناك متطرفون دينيون وهناك مجرمون يختطفون ويقتلون من أجل المال...»
تجارة الاختطاف
في شقة بحلب تقع أمام مقر مصالح المخابرات الذي دمر بقنبلتين، يكشف أحمد كوسة، وهو رجل سياسي علوي لا يغادر سترته الواقية من الرصاص ومسدسه, يكشف عن الرسالة الهاتفية القصيرة التي بعث بها لمختطفي والديه في حمص» »أنا ابن الأشخاص الذين اختطفتهم, حافظ على حياتهم وستحصل على ما تريد«« بعد ساعات تلقى اتصالا هاتفيا, قدم الخاطف نفسه بالغاضب ,»يشترط الإفراج عن 10 سنيين و10 ملايين ليرة» »قلت له أنا موافق بالنسبة للمال، لكنني لا أعتقل أحدا, في الاخير قتل والدي البالغ من العمر 86 سنة ثم قتل والدتي««
أحمد حاول إقناع والديه، آخر السكان العلويين في حي باب دريد في حمص بمغادرة منزلهم وحذرهم من هذا التطهير العرقي الذي كان جاريا في أحياء حمص، لكنه لم ينجح» كان والدي يقول لي الانسان الذي لم يبق له منزل لا يساوي شيئا««
جبران كوسة السنيون الذين يعرفهم منذ الطفولة، حاولوا منع عملية الاختطاف، لكن الخاطفين كانوا مسلحين وعددهم كبير. منذ بداية العمليات في حمص تقع عمليات اختطاف كل يوم، من أجل المال أو من أجل المقايضة والتبادل واستعادة الأقارب الذين يتعرضون بدورهم للاختطاف، أسماء زوجة أحمد طبيبة أسنان من حمص, كذلك غاضبة من دكتاتورية هذه الجماعات المسلحة,» »هل يجب تغيير الدكتاتورية بدكتاتورية أخرى؟ بالنسبة لي سوريا ليست هي بشار ولا حزب البعث ولا هؤلاء المجانين المتطرفين دينيا الذين يرهبون من لا يعتقدون مثلهم...»
لائحة الفايسبوك السوداء
في سوريا، موقع »فايسبوك« على شبكة الأنترنيت لا يصلح فقط لتنظيم المظاهرات المناهضة للنظام، منذ بضعة أشهر، ينشر عليه الموالون لبشار الأسد وكذلك الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد النظام، لوائح أشخاص يتعين تصفيتهم, إحدى لوائح الموالين للنظام، التي تتألف من 2067 صديقا. تقترح اغتيال برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، أو الحلاق الذي طرد من صالونه سيدة سوريا الأولى أو أصالة نصري، الفنانة المتهمة بالجحود تجاه النظام الذي أرسلها للعلاج في روسيا.
ومن بين مئات اللوائح السوداء الرائجة على المواقع الاجتماعية, هناك لوائح مميتة, من بينها لائحة كتيبة أبو عبيدةالجراح ويضم 2500 منخرط . العديد من الأسماء الذين استهدفتهم قتلوا بالفعل، مثل سمير قناطري الصيدلاني من مدينة أدلب على الحدود مع تركيا، المتهم بكونه عميل للنظام، والذي تعرضت زوجته للاغتصاب. أو القس بابيلوس نصار الذي سقط في كمين عندما طلب منه المجيء لتقديم مسحة أخيرة.
في سوريا, البلد الذي يقف على مشارف الحرب الأهلية، الفايسبوك يستعمل أيضا للقتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.