أصدرت الاستخبارات الأمريكية تقريرا حول وضع العالم في العام 2025. ورسم التقرير الذي كان بعنوان «الاتجاهات العالمية في 2025: العالم المتحوّل» صورة سوداوية ومخيفة للعالم إذ ذاك. أبرز ما حمله التقرير هو التخوّف من الصين وبعض الدول الأخرى الصاعدة والتخويف من بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، وتحدث عن أشكال جديدة من الإرهاب بعد أن «تندحِر القاعدة» على حدّ تعبير مُصمّمي التقرير. بدأ التقرير، الذي جاء في 121 صفحة التأكيد على أن العالم الأحادي القطب بقيادة الولاياتالمتحدة لم يعُد موجودا، حيث قال «إن لعالم الأحادي القطبية انتهى مع صعود قوى أخرى إلى جانب الولاياتالمتحدة تنافسها في النفوذ». وذكر التقرير الصين بالاسم كدولة سيكون لها نفوذها وتأثيرها بل وسيطرتها في العالم، وأضاف إليها الهند، قائلا بأنها ستشكّل مع الصين الصورة الجديدة لعالم متعدّد الأقطاب تُنافسُ فيه القُوّة التقليدية ممثلة في الولاياتالمتحدة. وتحدّث التقرير عن «صعود قوى ناشئة أخرى» هي إيران والبرازيل وتركيا وأندونيسيا، وهي دول ستكتسب قوة اقتصادية وستكون لها كلمتها في اقتسام مناطق النفوذ والأسواق في العالم حسب تقرير الاستخبارات المركزية الأمريكية. وفي مقابل هذه الخارطة الجديدة التي رسمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية للعالم، راحت تحذّر مما دعته «عالما مسكونا بالجماعات الإرهابية» في غياب القوة الأولى في العالم، حيثُ يُسوّق أصحاب التقرير لفكرة مفادها أن عالما متعدّد الأقطاب هو عالم غير آمن، وأن حال الكوكب بعدّة «قادة» هو كحال سفينة بعدّة ربابنة؟؟ مكمن الخطورة-حسب التقرير- هو تحوّل الإرهاب من شكله التقليدي الحالي ممثلا في تنظيم «القاعدة» إلى إرهابيين من مستوى «عال»، حيث سيسعى «الجيل الجديد من الإرهابيين إلى امتلاك أسلحة نووية، وإذ ذاك يكون تنظيم «القاعدة» قد اندحر بفعل «الفشل في تحقيق استراتيجياتها وعجزها عن جذب الدعم الخارجي ونتيجة لأفعالها الذاتية المدمِّرة» على حدّ لغة التقرير، والغريب أن الخبراء الذي أشرفوا على وضع التقرير بعد دراسة دامت عاما كاملا وهم من كبار الاستراتيجيين الأمريكيين في مجالات السياسة والاقتصاد والعسكرة، الغريب أنهم ليسوا متأكّدين مما يسمونه اندحار القاعدة بحلول السنة الموعودة 2025، حيث علّقوا ذلك الاندحار بكلمة «رُبّما» حيث قالوا «ربّما تنتهي القاعدة بحلول ذلك التاريخ». ويُصرّ أصحاب التقرير على أن لا تغادر عين الولايات لمتحدة منطقة الشروق الأوسط والمغرب العربي، حيثُ حرصوا على التأكيد بأن المنطقة الممتدة من المغرب الأقصى إلى الشرق الأوسط ستكون منطقة غير مستقرة خلال السنوات القادمة وستكون محطة لجميع المشاكل تقريبا..وأنها ستشكل تحدّيا للقادة السياسيين بخطورة كبيرة. وتُصرّ أيدي رسّامي هذا التقرير على تأكيد الصورة السوداء لمنطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، حيث يقولون في تقريرهم بأن نقص الموارد ومن بينها المياه وانعدام- ما سمّوه- «آليات لحل الخلافات» سيخلق إمكانية اللجوء إلى السلاح، وأن الجماعات الإرهابية ستستغل الفرصة لتنفيذ هجمات وذلك من خلال «اكتشاف الثغرات» سواء في الرقابة على الحدود أو في الأمن الداخلي، وسيشكل هذا العامل خطرا على حلفاء الولاياتالمتحدة في الدول الغربية وعلى الولاياتالمتحدة نفسها، بحس التقرير دائما. وقال التقرير بأن العالم سيكون مخيفا إذ ذاك «إن السنوات العشرين الانتقالية المقبلة تعج بالمخاطر..ستقوم نزاعات وحروب بسبب الموارد الغذائية والماء» وتنبّأت الاستخبارات الأمريكية بأن يعود العالم إلى الوضع الذي كان عليه إبان القرن التاسع عشر، فسيُبعث السباق نحو التسلح من جديد وسينطلق «المد الاستعماري» باشتداد المنافسة العسكرية بين قوى عديدة في سبيل السيطرة على مناطق النفوذ. كل هذا سيحدث-حسب النظرة الامريكية- بسبب تراجع النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة على مدى العقدين المقبلين.. وكأن العالم اليوم- بل وقبل اليوم- بزعامة الولاياتالمتحدة نفسها، يشهد عصر الأمن والأمان..ولِمن يكذّب هذا، فالعراق وأفغانستان والضربات الأمريكية في باكستان والتحرش بإيران وسوريا والسودان ولبنان، خيرُ شاهد.