عيد الاستقلال.. ملحمة الكفاح الوطني ووحدة العرش والشعب    المنتخب المغربي يعزز خياراته الهجومية بعودة سفيان رحيمي    تحديد موعد جديد لديربي الوداد والرجاء وسط جدل حول الحضور الجماهيري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الاعلان الرسمي عن افتتاح ملعب الحسيمة الكبير بايت قمرة    تجار القرب يعلنون تكتلهم لمواجهة توغل الشركات الكبرى بالأحياء السكنية    رفض نقابي يصاحب مصادقة الحكومة على قوانين اجتماعية ومطالب بالتراجع عن دمج "CNOPS" في "CNSS"    الدرهم المغربي يرتفع أمام الأورو بنسبة 1,47%    حقوقيون ينبهون إلى أن مشروع قانون المالية يعمق واقع الهشاشة والإقصاء ويستنكرون استمرار التضييق على الحريات    مسابقة فريدة للأطفال الرضع بالصويرة    قلة الأطباء والأَسرّة وطول المواعيد.. وزير الصحة يؤكد أن خدمات الطب النفسي بالمغرب تبقى أقل من المطلوب    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    حقوقيون يستنكرون استمرار تعليق رواتب 18 أستاذا رغم الأحكام القضائية    إسرائيل تعلن اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله ببيروت    روسيا تشن هجوما جويا "واسع النطاق" على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا    احباط تهريب 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    تدشينات بإقليم سيدي قاسم بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال    بير أوباميانغ يؤكد : الحقيقة لقد واجهنا منتخبا مستواه بعيد كثيرا عن باقي المنتخبات الافريقية    عبد الحميد أبرشان يرشح نفسه لرئاسة مقاطعة طنجة المدينة    موعد مباراة المغرب ضد ليسوتو بالتصفيات الأفريقية والقنوات الناقلة    مشروع قانون المالية 2025 : عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة يبلغ 171 مرفقا برسم سنة 2024    المغرب يطلق أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية باستثمار 1.3 مليار دولار    إسبانيا تطلق برنامجًا جديدًا لعقود العمل الموسمية 2025    بعد الانتصار على الغابون.. المنتخب المغربي يضيف لرصيده 5 نقاط ويقترب من المركز 12 عالميا    المغرب يرسل قافلة مساعدات ثانية إلى فالينسيا لإزالة مخلفات الفيضانات    التهراوي: هامش ربح الصيدلي والموزع محدد أساسي لأسعار الأدوية في المغرب    أياكس الهولندي يستعيد شعاره الكلاسيكي بعد غياب 34 عاما    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    جوليا نشيوات.. من ضابطة استخبارات إلى مستشارة للأمن الداخلي في إدارة ترامب    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية        بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    ترامب يعين "كارولين ليفيت" متحدثة باسم البيت الأبيض في إدارته الجديدة    لقاء بالداخلة يناقش مبادرة الحكم الذاتي    مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بونيفاس: نحن شهود على بداية نهاية العصر الغربي

باسكال بونيفاس أحد أبرز المحللين الإستراتيجيين الفرنسيين وهو حاصل على دكتوراه في القانون الدولي العام من معهد الدراسات السياسية في باريس.
عمل منتصف الثمانينات مع المجموعة البرلمانية الاشتراكية بالجمعية الوطنية الفرنسية. أسس معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس) وهو مديره. عمل أستاذا بمعهد الدراسات الأوروبية بجامعة باريس الثامنة، وهو عضو في اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة والمختصة بنزع الأسلحة. له أزيد من أربعين كتابا تناقش القضايا الإستراتيجية كالسياسة الخارجية لفرنسا والقضايا النووية والتوازنات الإستراتيجية الرئيسية والصراع في الشرق الأوسط وأثره على المجتمع الفرنسي والتوازن الدولي للقوة ودور الرياضة في القضايا الدولية.
ومن كتبه: فهم العالم (2010)، ولماذا كل هذه الكراهية؟ (2010)، ونحو الحرب العالمية الرابعة (2009) وهو كتاب ينتقد فيها أطروحة صدام الحضارات لصامويل هينتنغتون، وقد صدرت طبعته الأولى سنة 2005، وكتاب من يجرؤ على نقد إسرائيل؟ (2004)، وتحديات العالم العربي "بالاشتراك مع ديديه بيون (2004)، وفرنسا ضد الإمبراطورية (2003)، وحروب المستقبل (2001)، ودروس 11 سبتمبر (2001)، وهل لا تزال فرنسا قوة عظمى؟ (1998). وغير ذلك من تآليفه.
منذ الضجة التي أثارها كتابه الشهير من يجرؤ على نقد إسرائيل؟ (ترجمه إلى العربية: أحمد الشيخ، المركز العربي للدراسات الغربية القاهرة، 2004) برز بونيفاس كأحد الباحثين الفرنسيين الأكثر جرأة على نقد السياسية الخارجية الفرنسية والغربية بشكل عام في التعامل مع القضايا العربية.وهو يسعى مستصحبا رؤية علمية تقوم على تفكيك الواقع "الجغرافي/السياسي" من أجل استشراف التغييرات العالمية الممكنة. حاول إظهار هذا الأمر في كتابه الأخير "فهم العالم" الذي استشرف فيه نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم.
وفي سياق اهتمامات بونيفاس الفكرية والسياسية أجرى معه مركز الجزيرة للدراسات الحوار التالي:
ذكرتم في كتابك الجديد "فهم العالم" أن "العالم تغير.. فلم يعد عالم يقوده قطبان.. ولم يعد أيضا عالما يعكس الصورة المبسطة والمتداولة والتي تقول إن العالم اليوم يقوده ويهيمن عليه الأمريكيون..." برأيك ما هي الصورة الجديدة إذن لعالمنا في الوقت الحاضر؟
"
أصبح التنافس على أشده من أجل الهيمنة على عالم انطلاقا من تأثير بالصورة، حدث ذلك عندما برزت قناة "سي أن أن" لتظهر بعدها "الجزيرة" كبديل جديد ينتمي إلى مجال ثقافي مغاير تماما للثقافة الغربية الإعلامية المهيمنة. وتلا ذلك دخول الصينيين والروس بدوهم إلى هذا الميدان عبر إطلاقهم لقنواتهم الدولية، وفي أمريكا اللاتينية أطلقت قناة دولية من أجل نفس هذا الغرض
"
باسكال بونيفاس: إن أول درس بدأنا نستخلصه هو أن العالم الذي كان مهيمنا عليه من لدن الغربيين أي خاضع لفردانية قوة العالم الغربي، والتي كانت هي القاعدة منذ خمسة قرون، وهي القوة المتمثلة في أوربا في البداية ثم الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك, هذا العالم صار بصدد التلاشي والاختفاء من أمام أعيننا.
ولئن كان من الصعب علينا في المرحلة الراهنة أن نجزم بشكل مطلق في أبحاثنا بأن العالم يتجه نحو مفهوم "تعدد القطبية" (mutipolaire)، لأن القوة الأمريكية ما زالت متفوقة على بقية القوى إلا أننا –مع ذاك- لا نستطيع القول بأن هناك منظومة واحدة تحكم العالم تحت شعار القطبية الواحدة (unipolaire) لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد وحدها قادرة على قيادة العالم ولا تحديد أجندة التغييرات العالمية ولا حل المشاكل المطروحة لوحدها. وبالتالي فنحن أمام وضعية جديدة وعالم يتجه نحو تعددية قطبية تتعدد فيها مراكز القوى.
هل نستطيع القول إننا نشهد بداية النهاية "للعصر الأمريكي" في قيادة العالم؟
- ليست هي بداية النهاية للعصر أمريكي في قيادة العالم فحسب ولكنها بداية نهاية منظومة سيطرة الغرب بمفهومه الواسع بحد ذاته ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية مضافا إليها أوروبا. فلم يعد هذا الغرب، وبالقوة وحدها، قادرا على فرض إرادته على بقية أنحاء العالم مثلما كان عليه الأمر منذ بدايات القرن التاسع عشر.
ولكن عندما تتحدثون عن مفهوم الإدارة الجديدة للعالم المتعددة الأقطاب فعلى أي أساس يدار العالم اليوم؟ ألم تعد القوة العسكرية وحدها قادرة على تنظيم شؤون العالم وتحديد الطرف المهيمن؟
- القوة العسكرية لوحدها لم تعد كافية لإدارة العالم وإلا لكان الأمريكيون قد انتصروا في العراق، ومثال العراق بالذات، والفشل الأمريكي فيه، كشفا عن أن القوة العسكرية ما زالت تمثل عاملا مهما إلا أنه عامل أصبح غير كاف لحل المشاكل الموجودة. ولكن يجب أن تترافق معه عوامل ووسائل أخرى ولهذا السبب فإن القوة أصبحت في حد ذاتها متعددة الأشكال (multiforme).
لم تعد الهيمنة العسكرية محددة لمستقبل موازين القوى بل اتخذت أبعادا أخرى اقتصادية وفكرية واتخذت قيمة وبشكل خاص معلوماتية. ونلاحظ في هذا الجانب أن التنافس أصبح على أشده من أجل الهيمنة على عالم انطلاقا من تأثير بالصورة، حدث ذلك عندما برزت قناة "سي أن أن" لتظهر بعدها "الجزيرة" كبديل جديد ينتمي إلى مجال ثقافي مغاير تماما للثقافة الغربية الإعلامية المهيمنة. وتلا ذلك دخول الصينيين والروس بدوهم إلى هذا الميدان عبر إطلاقهم لقنواتهم الدولية، وفي أمريكا اللاتينية أطلقت قناة دولية من أجل نفس هذا الغرض.
فاليوم أصبحت "القوة" عسكرية واقتصادية وتقنية وبالخصوص معلوماتية وهي قوة مرتبطة بعالم الأفكار ونشرها عبر الصورة التي ربما تلخص بشكل أكثر مجالات القدرة على التأثير.
لو تحدثنا عن هذه التغييرات وأثرها على منطقة الشرق الأوسط فما هو الملف المرشح أن يكون ذا أولوية في المرحلة الجديدة؟
- تبقى قضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالطبع الملف الأكبر، فالهدف هو تحقيق سلام عادل ومبني على قرارات الشرعية الدولية. وبرأيي الخاص فإن السلام لا يجب أن يكون مفروضا بالقوة، كما أنه ليس رهين واقع عسكري معين أملاه المنتصر على المنهزم. هذا الأمر في اعتقادي يمثل الرهان الأكبر في المرحلة المقبلة؛ لأن هذا الصراع طال أكثر من اللازم وبالرغم من كونه جغرافيا فإنه يبقى ذا آثار محدودة، لكنه يلقي بظلاله السياسية والنفسية على الوطن العربي والإسلامي وحتى على المستوى العالمي. القضية الفلسطينية أصبحت في هذا العالم رمز الظلم وغياب العدالة ضد العالم العربي. كما أنها تكشف أيضا عن ازدواجية المعايير الغربية التي تتحدث عن الديمقراطية وعن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والتي لا تطبق إلا عندما يتعلق الأمر بمصالح دولية وسياسية معينة، وهي المبادئ التي يقع تجاهلها عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب الفلسطيني.
والقضية الفلسطينية استند عليها الكثير لتبرير سلوكياته، فكانت حجة العديد من الحركات العنيفة مثلما هي حجة بعض الأنظمة في إدامة الوضعية التسلطية على شعوبها. وفي هذا السياق فإن الإرهاب، وإن استند على دوافع عديدة، فإن القضية الفلسطينية مثلت له حجة من أجل بث إيديولوجيته في العالم العربي والإسلامي. فابن لادن ومن وراءه القاعدة وإن لم يكونا معنيين بدرجة أولى بمصير الفلسطينيين فإنهما اتخذا هذه القضية وسيلة للتجنيد والتشكيك في سعي الأنظمة العربية لأجل المصالح العربية وللتضامن مع الفلسطينيين.
إذن القضية الفلسطينية كانت ذريعة للقاعدة من أجل بث أفكارها وبالتالي فإن إيجاد حل لهذه القضية هو في رأيي سحب هذه الذريعة من إيديولوجيا القاعدة وبالتالي إضعافها، مثلما هو الحال بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية حيث يكون إيجاد حل للقضية الفلسطينية آذنا بسحب الذريعة منها في إدامة حالة التسلط السياسي، فكثيرا ما جعلت من القضية الفلسطينية ذريعتها.
ألا تعتقدون أن الملف الإيراني غطى على الملف الفلسطيني في الوقت الراهن وأصبح يحظى بالأولية في الأجندة الغربية اليوم على حساب ملف الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام وحتى على الخوف اليومي الذي يعيشه الغرب من تنظيم القاعدة؟
- فعلا لقد غطى ملف النووي الإيراني في عالم الإعلام الغربي على غيره، وأخذ أهمية أكبر من الملف الفلسطيني. وهناك توجه سياسي/إيديولوجي في أوروبا يقول إنه يجب الحديث عن إيران، إذ كلما تحدثنا عن إيران فإننا نتحدث بشكل أقل عن معاناة الفلسطينيين. أصحاب هذا التوجه يقولون إنه عندما يقع التركيز على أن إيران تمثل الخطر رقم واحد فإنه سيقع تطرق للمشكل الفلسطيني من زاوية نظر أخرى غير متعاطفة مع الفلسطينيين وبالتالي أكثر راحة بالنسبة لإسرائيل عن طريق إظهارها في مظهر المهدد والخائف. ولكن هذا التوجه الإيديولوجي لا يجب أن يحجب عنا أن إيران تمثل مشكلا حقيقيا، وقدرة "الجمهورية الإسلامية" على امتلاك الأسلحة النووية سيكون بمثابة الكارثة الإستراتيجية في المنطقة. وهو أمر لا يعني فقط أمن دول المنطقة ولكن يعني أمن العالم بشكل عام.
ومن هذا المنطلق فإن وراء الحديث عن إيران عوامل ودوافع حقيقة ووراءه أيضا دوافع مصطنعة وإيديولوجية. فالبعض يستعمل إيران تعلة عن طريق تضخيم الخطر الإيراني حتى يخف الحديث عن معاناة الفلسطينيين ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا من القول إن هناك مشكلا إيرانيا.
أمام التعاطي الغربي مع المشكل الإيراني فإنك لم تخف في تقرير لك صدر في مارس/ آذار 2008 قدرة ودهاء الإيرانيين على استغلال الوضع الإقليمي لصالحهم وبالتالي الالتفاف على الضغط العالمي الموجه إليهم. بل إنك عنونت تقريرك قائلا: "المنتصر الوحيد من الحرب على العراق هو إيران"، أما زلت تحمل نفس التوجه في التحليل؟
"
هناك توجه سياسي/إيديولوجي في أوروبا يقول إنه يجب الحديث عن إيران، إذ كلما تحدثنا عن إيران فإننا نتحدث بشكل أقل عن معاناة الفلسطينيين. أصحاب هذا التوجه يقولون إنه عندما يقع التركيز على أن إيران تمثل الخطر رقم واحد فإنه سيقع تطرق للمشكل الفلسطيني من زاوية نظر أخرى غير متعاطفة مع الفلسطينيين وبالتالي أكثر راحة بالنسبة لإسرائيل عن طريق إظهارها في مظهر المهدد والخائف
"
- نعم أحافظ على هذا التوجه في التحليل، وهو التوجه الذي يقول إن المنتصر الإقليمي من الحرب على العراق كان إيران والمستفيد الرئيسي على الصعيد العالمي كان الصين. لماذا؟ لأن الولايات المتحدة ضعفت قوتها خلال الحرب على العراق: ضعفت على الصعيد الإستراتيجي عندما وصلنا إلى محصلة أن أكبر قوة عسكرية لم تستطع الحسم عسكريا أمام جماعات مسلحة متفرقة، والأهم هو النكسة الأخلاقية التي سادت الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة هذه الحرب. بالمقابل فإن الصين التي لم تشارك في الحرب على العراق واصلت نموها وواصلت عملية انفتاحها الخارجي على العالم، ومعرض "شنغاي العالمي" ما هو إلا أحد رموز التطور والقوة الصينية الحالية، وقبل ذلك تنظيمها للألعاب الاولمبية مؤكدة على هذا النجاح. مع التأكيد أيضا أن الصين هي الدولة الوحيدة التي استطاعت حتى الآن الخروج من الأزمة المالية العالمية بسلام.
أما على المستوى الإقليمي فإن إيران استطاعت أن تتخلص من منافسها الإقليمي الممثل في العراق، فضلا عن كونها أصبحت ذات تأثير سياسي كبير في نفس البلد في الوقت الحالي عن طريق تأثيرها على الرصيد الأكبر من الناخبين الذين يبادلونها نفس الإيدولوجيا المذهبية الشيعية وبالتالي أصبحت تقريبا اللاعب الإقليمي الرئيس في هذا البلد في السنوات الأخيرة.
في الملف العراقي بالذات أما زلتم تؤكدون على نفس التحليل الذي تقولون فيه إن "الأمريكيين دخلوا في حلقة مفرغة" في هذا البلد؟
- لا لم يعد تحليلي نفسه في الوقت الحالي، أعتقد أن الدائرة المفرغة بدأت في الانفتاح مع قرار أوباما الانسحاب من العراق بالرغم من كونهم (الأمريكيون) كانوا قادرين على الخروج من هذه الحلقة المفرغة قبل ذلك بكثير.
فلو قرر الأمريكيون الانسحاب من العراق بعد مايو/ أيار 2003 مباشرة أي بعد انتصارهم عسكريا وإطاحتهم بنظام صدام حسين لما كان هناك مأزق أمريكي في العراق كما هو الأمر عليه في الوقت الحالي ولكان من الممكن النظر إليهم كمحررين لا كمحتلين كما ينظر إليهم اليوم. فمنذ قرارهم الانسحاب من العراق تمكن الأمريكيون من الخروج من الحلقة المفرغة والفخ الذي نصب لهم.
المسكوت عنه في قولك إنك لا تتوقع أن تغامر الولايات المتحدة الأمريكية في بلد آخر عسكريا كإيران مثلا لمنعها من الحصول على أسلحة الدمار الشامل؟
- أعتقد أن وجود الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض لا يمكن من الخوض بسهولة في مغامرة عسكرية جديدة، وأي سيناريو للهجوم على إيران لن يكون سوى سيناريو كارثي، لأن عملية عسكرية ضد إيران -ولو كانت محدودة وممثلة في ضربات جوية على المنشآت النووية الإيرانية دون الحديث عن عملية غزو- هي لوجستيا عملية شبه مستحيلة وسوف تؤدي إلى خلق فوضى عارمة في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الوسط بشكل عام وهو ما سيؤدي إلى وضع إستراتيجي غير آمن في المنطقة.
لكننا يجب أن نقول إن خطر احتمال مثل هذا السيناريو أقل بكثير مما كان عليه في عهد الرئيس جورج بوش الابن.
هناك من يذهب إلى القول إن التدخل الأمريكي في العراق -على الأقل- أوجد تنافسا انتخابيا وديمقراطية ولو نسبية، فماذا تقولون؟
- دعنا نقول إن ديمقراطية تحت الاحتلال ليست ديمقراطية حقيقة هذا فضلا عن أن تواصل العمليات الانتحارية والأبعاد الطائفية للقائمات الانتخابية، كل هذا لا يمنع الأمل بأن يكون في العراق بعد الاحتلال ديمقراطية حقيقية. طبعا نسبة العنف في الانتخابات الأخيرة أقل مقارنة بالسنوات الماضية، والحضور الأمريكي في المدن، والتدخل في العملية الانتخابية أقل مقارنة مع السابق.
ونلاحظ أن العراقيين في نفس الوقت بدؤوا يسترجعون جزءا من سيادتهم ولكنهم لم يصبحوا بعد بلدا ذا سيادة كاملة والتي هي أحد شروط تحقيق الديمقراطية في بلد ما.
إذا تحدثنا عن الديمقراطية في العالم العربي، أما زال ممكنا الحديث عن هذا المصطلح؟
- لأن الأمر غير واقع فعليا تبقى الديمقراطية مشروعا للإنجاز، نعم يجب الحديث عن الديمقراطية في العالم العربي وهذا لا يجب أن يحجب عنا الرؤية والقول إن هناك هوامش مهمة من الحرية في العالم العربي بالرغم من سيطرة الأنظمة التسلطية. ولكن في نفس الوقت لا أعتقد شخصيا أنه يمكن إحلال الديمقراطية في هذه المنطقة بفعل التدخل الخارجي وبشكل أقل ديمقراطية مفروضة نتيجة تدخل عسكري لأن الديمقراطية كانت وستظل نتيجة تفاعلات داخلية.
من المهم أيضا القول إن السياق الجغرا/سياسي وتواصل الصراع العربي الإسرائيلي تتخذه بعض الأنظمة في أحيان كثيرة ذريعة لعدم التقدم نحو عملية "الدمقرطة" وهي نفس الذريعة التي تتخذها بعض الأنظمة عندما يتعلق الأمر بالحصار والضغوطات الخارجية. ولكن عندما ننظر إلى بقية العالم وخصوصا أمريكا اللاتينية مثلا والتي تحولت وبشكل كبير إلى نظم ديمقراطية وإفريقيا التي تتطور فيها الديمقراطية وآسيا التي تشهد دفعة قوية نحو الديمقراطية فإن الديمقراطية في العالم العربي هي بشكل عام في تأخر عن بقية الأقطار.
ما العائق الأساسي برأيك الذي يحول بين العالم العربي وبين التوجه نحو الديمقراطية؟
- لا يوجد عائق واحد هناك عدة عوائق: الصراع العربي – الإسرائيلي يمثل في هذا الإطار تعلة من أجل الحد من الديمقراطية. وهناك أيضا نفوذ القوى الكبرى، ونلاحظ كذلك توجها عاما في الأنظمة التي ليست ملكية إلى نظام الوراثة في الحكم، كما نجد أيضا أن الحرب على "الإرهاب الإسلامي" قد اتخذت أيضا تعلة جديدة من أجل الحد من الحريات والتقدم نحو الديمقراطية وهو أمر كان شبيها في سنوات خلت في العديد من البلدان عندما كانت مقاومة الشيوعية تعلة للحد من الديمقراطية وهو نفس الأمر الذي يحدث اليوم للأسف. كل هذا يلخص ربما العائق أو العوائق العربية الحائلة دون تحقيق نظام ديمقراطي.
على ذكر التطرف الإسلامي المرتبط بالعنف وتنظيم القاعدة تحديدا أي نظرة مستقبلية تحملها لهذا التنظيم؟
- في الوقت الحالي نلاحظ أن القاعدة في حالة انحسار وقدرتها على الضرب أصبحت محدودة ولا أقول في نفس الوقت إنها انتهت وأن ليس لها من قدرة في المستقبل على القيام بعمليات. ولكن نلاحظ جيدا أن قدرتها على التحرك أصبحت محدودة، طبعا من الممكن أن نسمع غدا عن عملية تفجير هنا أو هناك ولكن في الإجمال نلاحظ أن قدرتها أصبحت محدودة. ولكني على المستوى البعيد أقول إنه إذا تمكنا من غلق الملف الفلسطيني نهائيا وإذا تمكن المجتمع العربي من "دمقرطة" نفسه وتحرير المجتمع المدني داخله فإن هذا أفضل باب يمكن أن نقاوم من خلاله الإرهاب.
مركز الجزيرة للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.