أصبحت آلات لعب القمار الآلية تجتاح ، في واضحة النهار، عددا من مقاهي المدينة أمام صمت المسؤولين، رغم استعمالها غير القانوني و غير المرخص به، مما أضحى يقلق آباء وأولياء التلاميذ ويؤثر سلبا على مستقبل أبنائهم الذين يقضون جل وقتهم في التنقل بين المقاهي بحثا عن فتات هذه الآلات التي يطلق عليها «رياشة» نسبة إلى كلمة الغنى باللغة الفرنسية، وكناية عما تسببه للمقامر من إفلاس، حسب اللغة العامية، حيث يتسمرون كل يوم أمامها ، تاركين وراءهم مدارسهم ودراستهم ... فهل ستتحرك الجهات المسؤولة لوضع حد لهذا التسيب قبل فوات الأوان؟ يتساءل الآباء ، مطالبين الجهات المعنية بإعطاء تعليمات صارمة لمختلف السلطات المحلية والأمنية بفاس للقيام بحملات تمشيطية واسعة ومحاصرة قاعات الألعاب والمقاهي المعروفة بأنشطة مشبوهة، وحجز كل المعدات التي تستعمل في القمار في أماكن للقمار بدون ترخيص. وصرح أحد الآباء للجريدة «إننا على أعتاب تجذر ثقافة قمار دخيلة، تهدد بأوخم العواقب... ونحن اليوم ندق ناقوس الخطر لنثير انتباه المسؤولين على الصعيد المركزي ، للمخاطر التي يحملها هذا النعيم المزعوم، الذي يسجن أسراه في قفص أحلام زائفة عسى أن تتحول دراهم إلى آلاف لتفاجئهم في الأخير الحقيقة المرة وإصابتهم بمرض الإدمان، لكن بعد فوات الأوان» ، ومن ثم يجب العمل على إنقاذ مئات التلاميذ والطلبة الذين يقضون سنوات بيضاء بسبب ترددهم المزمن، على قاعات اللعب، وينقطعون عن الدراسة لأيام...، ليسقطوا بعد ذلك في خانة المجرمين والمنحرفين بعد عجزهم عن توفير 50 درهما يوميا من أجل وهم الربح الوفير، الذي يمكن أن تدره عليهم «الرياشة»، بمنطق لغة القمار، فالربح لا يكون بعيدا عن الخسارة، حيث وفي كل مرة يزداد الضغط لتوفير المزيد من الأموال! انجذاب لا يقاوم إلى دوامة اللعب المتكرر قاصرون وراشدون وجدوا متعتهم في ملازمة «الآلة»، التي يمكن أن تحن عليهم خلال لحظات معدودة برزق خفي، بدل الإلحاح المتكرر على أوليائهم، لنيل أعطيات لا تنال رضاهم، حيث أصبحوا يتوجهون عن طواعية للوجهة الهدف ... المحببة والمنبوذة في الآن ذاته، شباب ينخرطون بكل قوة في شغبهم البريء، مجموعة منهم اختارت التفرج بانتظار دورها، بينما آخرون جلسوا يتهامسون، بالقرب من هذه الأماكن، التي تحولت بقدرة قادر إلى مقاهي وملاهي «VIP» والتي استوطنتها الآلة العجيبة في غفلة عن أعين رجال الأمن، بعدد من أحياء الحاضرة الإدريسية، ليس بعيدا عن بعض المؤسسات التعليمية وأخرى وجدت راحتها بالقرب من إحدى الملحقات الإدارية بأكدال، مما يطرح أكثر من سؤال! وضع أثار حفيظة بعض فعاليات المجتمع المدني، التي حذرت من وقوع ما أسمته ب«الكوارث الأخلاقية» مع تفشي هذه الظاهرة، داعية إلى تفعيل لجان المراقبة وتعميمها، حيث أرجع بعضهم قلة تحركات هذه اللجان، إلى غموض غير مفهوم وتجاهل للقانون ، مما يشجع استمرار لعب القمار غير المشروع في بعض المقاهي الفاسية المعروفة سلفا للعموم، ويستمر معها نزيف جيوب اللاهثين وراء السراب. وفي نفس السياق، وحول طبيعة هذه الظاهرة ومخاطرها، علق أحد الآباء للجريدة قائلا، « قد لا يحتاج المرء إلى المثل القائل «لا دخان بدون نار» لتصديق ما تتداوله الأوساط الفاسية حول انتشار الأماكن السرية لتعاطي القمار في العديد من الأحياء، إذ يلعب الفساد الإداري دور المظلة الآمنة»، مشيرا إلى أن الخطورة تكمن في ارتفاع عدد الشباب المترددين على هذه الأماكن، مضيفا «إننا أمام جريمة محرمة شرعا وقانونا ، كما تعتبر من الجرائم المركبة لما يصاحبها من أنشطة موازية مخلة بالآداب والأخلاق العامة ... وتزداد خطورتها في غزوها اللافت للنظر وفي تمتعها بحماية خاصة، مما يؤشر على عملية غض طرف كبيرة من قبل السلطات المحلية ويوحي بوجود شبكة منظمة وراء الظاهرة». واختتم المتحدث تعليقه، قائلا «إننا لا نستغرب انتشار هذه الآلات في مثل هذه الأسواق السوداء، بل الذي نخشاه أكثر ، في ظل اتساع مثل هذه الظواهر، أن ينهار نظام الأسرة وينهار السلم الاجتماعي بسب ما ينتهي إليه المقامر عادة من إفلاس وإدمان على المخدرات، واللجوء إلى الرشوة والسرقة...»! وفي حوار مع طبيب مختص، أكد لنا، أن أعراض إدمان القمار تشبه أعراض إدمان المخدرات، تنتقل من الأرق إلى الهيجان العصبي وتقلب المزاج، مؤكدا «أن مسألة المقامرة تسيطر بأكملها على تفكير المقامر بصورة عامة، بغض النظر عن وسيلة القمار »، مضيفا في قراءته للحالة، «أن هناك مؤشرا واضحا آخر يشير إلى التعلق بالقمار بشكل يستدعي القلق، وهو الهوس بتعويض الخسائر وزيادة مبالغ المقامرة بصفة مستمرة من أجل التعويض، وغالبا ما يقنع مدمنو القمار أنفسهم بأنهم مسيطرون على الوضع، لكن الواقع غير ذلك».