قد لا يحتاج المرء إلى المثل القائل لا دخان بدون نار لتصديق ما تنشره عدة وسائل إعلام بين الفينة والأخرى حول انتشار الأماكن السرية لتعاطي القمار في العديد من المدن المغربية. ذلك أن نار القمار بادية للعيان أشعلها تنامي الكازينوهات المرخصة في المغرب، والتي قد تفوق سبعة كازينوهات منتشرة في الجهات الأربعة للبلاد. وكما هو معلوم، ليس هناك اقتصاد مهيكل رائج لا تكون له سوق سوداء موازية، خاصة في الدول المتخلفة، إذ يلعب الفساد الإداري دور المظلة الآمنة. لكن الخطير فيما كشفته صحف ومجلات مؤخرا، استنادا إلى مصادرها، ما يتعلق بظاهرة القمار السري ارتفاع عدد الشقق والفيلات المخصصة للقمار بعدة أحياء بالبيضاء. وتكشف الظاهرة أننا أمام جريمة مركبة فيها القمار المحرم شرعا وقانونا على المغاربة المسلمين والسرية والخمور والنشاط الليلي وتوظيف فتيات أجنبيات في ذلك... والظاهرة الجديدة، إن صحت، تتطلب وباستعجال إحلال زلزال إداري بالبيضاء شبيه بزلزال الحسيمة الأخير الذي أسقط بالعديد من رؤوس الفساد في تلك المدينة الجميلة. وتؤكد عدة مؤشرات أن الظاهرة لا تقتصر على مدينة الدارالبيضاء بل على الأقل تهم كل المدن التي تم استنبات كازينوهات فيها، ذلك أن الظاهرة الجديدة، حسب الصحيفة، تستهدف عينة من القوم يخشون انفضاح تعاطيهم للقمار بارتياد الكازينوهات وهم أشخاص، يدعون الانتماء إلى جهاز الاستخبارات، إضافة إلى شخصيات من رجال المال والأعمال وكبار الموظفين. وتكمن خطورة الظاهرة، التي تفرض طبيعتها أنها تتمتع بحماية خاصة، في عدة جوانب نستخلصها مما أوردته فقط إحدى هذه المنابر هي يومية الصباح فيما يلي: أولا: تتحدث الصحيفة عن 7 أحياء راقية في الدارالبيضاء تنتشر فيها فيلات القمار، وهذا في حد ذاته إن صح يؤشر على عملية غض الطرف كبيرة من قبل السلطات المحلية. ثانيا: يكشف الخبر بطريقة غير مباشرة وجود شبكة منظمة وراء الظاهرة، استغلت أولا حاجة هؤلاء المقامرين ممن ذكرنا طبيعتهم إلى التستر على أنشطتهم. وتنسق ثانيا بين مختلف فيلات القمار، تفاديا للمنافسة بين الشقق والفيلات وتوزيع الأدوار فيما بينها بدقة، وذلك بجدولة المواعد وتبادل المعلومات حول بعض الشخصيات والزبناء المفلسين! ثالثا: بحكم الرواج المفترض في مثل هذه الأماكن والمبالغ التي يتم إتلافها بها وغياب مصاريف تتعلق بالضرائب فإنه من المتوقع أن المتورطين في تنظيمها يجنون أرباحا خيالية، وتؤكد الصحيفة أنه يتراوح رقم الأرباح، الخاصة بمالك الشقة، بين 6 و20 مليون سنتيم في الليلة الواحدة، وهي أرقام غير مستبعدة بالمرة في مثل تلك الأنشطة، خاصة أنها لا تقتصر على ألعاب القمار بل أيضا على الأنشطة الموازية لها. رابعا: إذا صح خبر الجريدة فنحن أمام فضيحة كبيرة للسلطات المحلية في الدارالبيضاءن فقد تحولت تلك المحلات إلى كازينوهات حقيقية لا يمكن التذرع بسريتها في عدم تفكيك شبكاتها، حيث اجتهد أصحاب هذه الفيلات في ضمان كل شروط الراحة لزبنائهم، ومنها الوجبات الغذائية وكل أنواع الخمور، وعمد بعضهم إلى جلب فتيات من جنسيات أوروبية، خاصة فرنسا، للعمل نادلات ومرافقات للزبناء! لكن لا ترصدها أعين الشيوخ والمقدمين فضلا عن عيون رجال الأمن بكل أصنافهم! خامسا: نحن أمام أنشطة لا تشوش عليها زحمة الحركة بالنهار، بل إن فيلات القمار تبدأ طقوس اللعب في حدود الساعة الثامنة من مساء كل يوم، وتستمر إلى وقت متأخر من الليل، وقد تمتد إلى الساعات الأولى للصباح. وهذا التوقيت وما يفرضه النشاط من حركة المقرات المعنية، به دليل إضافي على وجود فساد إداري قد يسنده تورط شخصيات من العيار الثقيل في حمايته والارتواء من ثديه. إننا لا نستغرب انتشار مثل هذه الأسواق السوداء في ظل الرعاية الرسمية لصناعة القمار وألعاب الرهان، إذ تنشط قرابة سبعة كازينوهات في المغرب أغلب روادها مغاربة ويستقطب بعضها مسابقات دولية، ويتجاوز عدد زبناء ألعاب الرهان الثلاثة ملايين مغربي ضمنهم مدمنون خطرون. بل الذي نخشاه أكثر في ظل اتساع مثل هذه الظواهر أن ينهار نظام الأسرة وينهار السلم الاجتماعي تبعا لانعكاس القمار على الأسرة والمجتمع بسب ما ينتهي إليه المقامر عادة من إفلاس وإدمان على المخدرات، واللجوء إلى الرشوة والسرقات. المطلوب وباستعجال زلزال ثان بالبيضاء على شاكلة زلزال الحسيمة. حسن بويخف