شهد يوم 27 يناير 2011 ميلاد أولى الوثائق التأسيسية لحركة 20 فبراير بالمغرب تحت عنوان «حرية وديمقراطية الآن». وبرغم التعويم والغموض والتناقض والقصور الذي طبع هذا البيان، إلا أنه شكل لحظة محددة ومؤسسة لتراكم مشرق ارتقى بأداء الحركة إن على مستوى التوثيق ، التنظيم ، التعبئة ،الإشعاع والفعل الميداني. هكذا ولدت أول وثيقة تضع الحركة في سياقها الدولي بداية مشيرة إلى «التحولات المتسارعة العالمية التي تتجه إلى إعطاء الشعوب المكانة التي تستحقها، و تكريس أولوية الديمقراطية والحرية والإرادة الشعبية». ليكون البيان/ المبادرة بمثابة دعوة «لتنظيم تظاهرة عارمة من أجل مطالبة المؤسسة الملكية بإحداث التغييرات الضرورية في النظام السياسي بما يمكن كل فئات الشعب المغربي من حكم نفسها، وإحداث قطيعة حقيقية ونهائية مع ممارسات الماضي. والاستفادة من خيرات البلد وتحقيق التنمية الحقيقية للجميع ». وكان التاريخ المحدد لتنظيم هذه المظاهرة هو يوم 20 فبراير 2011 ابتداء من العاشرة صباحا في كل المدن المغربية أمام العمالات أو الولايات و تمثيليات السلطة المركزية. لينتقل البيان التأسيسي مباشرة إلى رسملة النفس الإصلاحي للنظام الملكي بالمغرب,الذي كان قد أعرب في بداية حكمه عن نيته في تحديث المجتمع المغربي و قام بمبادرات في هذا الاتجاه من قبيل التحقيق في ما يسمى بسنوات الرصاص و توسيع هامش ملحوظ في الحريات، وتبني لغة جديدة في التعامل مع متطلبات الشعب المغربي». مسجلا اثر ذلك افتقاد المبادرات الإصلاحية للاستمرارية ، مستعملا مصطلحات «الردة و الهروب إلى الأمام من طرح الإشكالات الحقيقية للسلطة. البيان التأسيسي جاء متناغما مع الواقع التراكمي للعمل السياسي حين أشار إلى مناداة «الفعاليات الحرة في المغرب بضرورة تمييز واضح للسلط، وضرورة ربط ممارسة السلطة بالمسؤولية السياسية والقانونية، والقضاء على نظام الريع الذي يراكم الثروة لدى فئات دون أن تقدم مقابلا حقيقيا في الاقتصاد، مما ساهم دوما في مزيد من إفقار الشعب المغربي و دفعه إلى اليأس و ظهور نزعات التطرف الديني». لتأتي الأرضية المطلبية متناغمة مع مطالب الطبقة الديمقراطية، لكنها متناقضة داخليا تفتقد للتماسك والتناغم، وتترجم عطايا معرفية ولغوية سيتم العمل على تداركها في الوثائق التأسيسية اللاحقة. فتحدث البيان عن إلغاء الدستور الحالي وتعيين لجنة تأسيسية من كفاءات هذا البلد النزيهة لوضع دستور جديد يعطي للملكية حجمها الطبيعي. حيث تحضر لغة التعيين عوض الانتخاب واللجنة عوض الجمعية. بعد ذلك تحدث البيان عن مطلب حل البرلمان والحكومة والأحزاب التي ساهمت في ترسيخ الفساد السياسي. وإذا كان مطلب حل الحكومة والبرلمان قابلا للاستيعاب، إلا أن مطلب حل الأحزاب السياسية كان موضوع مساءلة, نظرا للاديموقراطيته من جهة، ولطابع التعويم والتعميم الذي طبعه من جهة أخرى. اثر ذلك طالب البيان التأسيسي «بالقيام بإجراءات فورية حقيقية وملموسة للتخفيف عن معاناة الشعب المغربي وإحداث صندوق عاجل للتعويض عن البطالة». وهو ما اعتبر اختزالا مجحفا لمعاناة المغاربة في مشكل فئوي حدد في البطالة التي تهم الشباب أساسا وهو وقود الحركة. لينتقل البيان إلى المطالبة بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، ثم تعيين حكومة مؤقتة تقوم بالتدبير المؤقت، في انتظار وضع الدستور و توافق الهيئات و الفعاليات النزيهة من كافة فئات الشعب على ما يجب القيام به، في إطار التعاقد المجتمعي الجديد بين الملكية والمجتمع. وبالتالي حضر منطق الإصلاح والتعاقد والتوافق والوفاء لنضالات شرفاء الوطن، وغاب منطق الثورة والقطيعة. ثلاثة أيام بعد ذلك صدرت وثيقة «الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير من أجل الكرامة... الانتفاضة هي الحل» يوم 30 يناير 2011. مستعملة لأول مرة لفظ «شباب 20 فبراير» وحاملة نفسا ثوريا ولغة أكثر قوة من بيان «حرية وديمقراطية الآن». حيث حمل المؤسسة الملكية مسؤولية الأوضاع بالبلد .«إن هذه الوضعية التي رسمنا تجلياتها نعتبر الملكية من تتحمل المسؤولية الأولى في تكريسها، ما دام أنها الماسكة الحقيقية بكل خيوط التأثير في جميع القرارت التي تحدد مصير الشعب، ومادام أنها المسؤولة عن تعيين فاقدي المصداقية والفاسدين في مراكز القرار», مطالبا بالعدالة ، تكافؤ الفرص ، رفع الوصاية عن الشعب ،و«الديموقراطية الكاملة غير المنقوصة». وإذا كانت وثيقة 30 يناير قد تقاطعت مع سابقتها في اغلب المطالب، إلا أنها جاءت أكثر صرامة على مستوى توظيف المفاهيم والصياغة اللغوية، كما تفادت بعض أخطاء سابقتها من قبيل حل الأحزاب السياسية وتعيين اللجنة التأسيسية، مفصلة في المطالب السياسية والاجتماعية , ممثلة في «اتخاذ مبادرات عاجلة من أجل التخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية بخفض الأسعار والزيادة في الأجور وفتح صندوق عاجل للتعويض عن البطالة وتشغيل جميع حاملي الشهادات المعطلين فورا بدون قيد أو شرط و إلغاء دستور 1996 وتهيئ الظروف لانتخاب هيئة تأسيسية من طرف الشعب تناط بها مهام إعداد دستور يعرض للاستفتاء، نقترح أن يقوم على أسس حديثة تأخذ فيه الملكية شكلها الحديث كرمز لوحدة الأمة، دون صلاحيات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية». لتليها بعد ذلك أرضية «الشعب يريد التغيير» التي اختلط بها الإيديولوجي بالشعبوي، وحمل مجهودا فكريا حاول التقعيد لمشروع إصلاح دستوري يتناغم ومقومات التغيير السياسي المنشود. بعد ذلك صدر بيان «شباب 20 فبراير». يوم 14 فبراير 2011 عن شباب الرباط وسلا الذين مهدوا لائتلاف المجموعات الثلاث التي وقعت بلاغا مشتركا طالبت من خلاله بإقرار دستور ديمقراطي يمثل الإرادة الحقيقية للشعب، الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة ثقافة وتاريخ،حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب،قضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن، ثم إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين.