ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرضيات ومطالب حركة 20 فبراير: نظرة أولية
نشر في هسبريس يوم 10 - 05 - 2011

نسعى خلال من هذا المقال إلقاء نظرة أولية على الوثائق المؤسسة "حركة 20 فبراير" كما خرجت للرأي العام قبل تاريخ 20 فبراير، وتكوين فكرة عامة حول مضامينها وخلفياتها الإديولوجية، مع إشارات مقتضبة لما قد يكون بينها من توافق أو اختلاف وحتى تناقض.
وما اضطرني للخوض في هذا الموضوع هو الخلافات الكثيرة التي تنشب بين أعضاء حركة 20 فبراير بسبب ما يسمى " أرضية حركة 20 فبراير"، فغالبا ما يقوم بعض رموز الحركة بالإحالة على الأرضية دون أن يمكنوا المخاطبين من نسخة مطبوعة منها، أو حتى رابط الكتروني، أو حتى إخبارا شفويا ببعض مضامينها، حتى أنني كثيرا ما واجهني بعض المواطنين وحتى نشطاء من داخل حركة 20 فبراير مستفسرين عن أرضية الحركة ومطالبها الرئيسية.
وفي الواقع فإن سؤال أرضية المطالب يشكل معضلة كبيرة في مسار التغيير بالمغرب، فالمواطن العادي الذي يسمع عن حركة 20 فبراير لا يهتدي لطريقة ميسرة للوصول إلى مطالب حركة 20 فبراير، وحتى لو لجأ إلى محركات البحث على الانترنت فإن كل ما سيجده هو مجموعة من الحوارات والمقالات التي تتضمن حديثا عن بعض المطالب في أحسن الأحوال.
أما الباحث المجد أو المستعمل المتمرس لتقنيات الانترنت فإنه سيعثر على صيغ عديدة لمطالب حركة 20 فبراير، صيغ متباينة الشكل والمضمون، وتصل حد التناقض أحيانا، تناقض مع بعضها البعض أو مع مبادئ الديمقراطية التي من المفترض أن الحركة تدافع عن أسسها، بل قد نجد التناقض في نفس الوثيقة الواحدة بين مضامينها.
وسنلقي معا نظرة على خمس وثائق ظهرت كلها قبل تاريخ 20 فبراير، وكلها يمكن اعتبارها أرضية لحركة 20 فبراير، مع احترام الترتيب الزمني لنشر هاته الوثائق.
البلاغ التأسيس لحركة حرية وديمقراطية الآن
تعتبر الوثيقة الصادرة يوم 27 يناير 2011، والتي تحمل اسم "البلاغ التأسيسي لحركة حرية وديمقراطية الآن" الوثيقة رقم واحد في تاريخ حركة 20 فبراير، ومن خلالها أعلن قرار "تنظيم مظاهرات يوم 20 فبراير في كل المدن المغربية أمام العمالات أو الولايات وتمثيليات السلطة المركزية"، وفي هذه الوثيقة التي لا تتجاوز صفحة واحدة، نجد مقدمة وصفية قصيرة ولائحة مطالب مجملة في خمس نقاط.
ما يثير الانتباه في هذه الوثيقة هو المطلب الثاني الذي جاء كالتالي: "حل البرلمان والحكومة و الأحزاب التي ساهمت في ترسيخ الفساد السياسي"، والواضح أن لفظة الأحزاب هنا عامة وليست موجهة لحزب معين، ومن البديهي أن هذا المطلب مناقض لمبادئ الديمقراطية التي تطالب الوثيقة بترسيخها، وكما يمكن إرجاع سبب إدراج هذا البند في لائحة المطالب ضعف التكوين السياسي لمهندسي الوثيقة، اعتباره دليلا على استقلالية هؤلاء الشباب، وهاته التكهنات تجد ما يدعمها في يأتي.
الأمر الثاني الذي تفردت به هاته الوثيقة ولم يتم تكراره فيما سيأتي بعدها من أدبيات حركة 20 فبراير، هو القبول بلجنة معينة تشرف على تعديل الدستور، حيث نجد نص المطلب الأول كما يلي: "إلغاء الدستور الحالي و تعيين لجنة تأسيسية من كفاءات هذا البلد النزيهة لوضع دستور جديد يعطي للملكية حجمها الطبيعي"، ومن خلاله يتضح أن مهندسي الوثيقة لم تكن لهم أي فكرة عن "هيئة منتخبة" أو "دستور ديمقراطي".
البلاغ التأسيسي لم يكتف من المنظومة السائدة بتبني منهج التعيينات، لكنه أضاف إليه منهج التوافقات وخصوصا في البند الخامس الذي طلب "تعيين حكومة مؤقتة تقوم بالتدبير المؤقت، في انتظار وضع الدستور و توافق الهيئات و الفعاليات النزيهة من كافة فئات الشعب على ما يجب القيام به، في إطار التعاقد المجتمعي الجديد بين الملكية والمجتمع".
التعويم الوارد في المطالب السياسية والناتج عن غياب الثقافة السياسية في "اليلاغ التأسيسي لحركة حرية وديمقرايطة الآن"، يوازيه فرز ضيق وتعميم مخل في المطالب الاجتماعية، حيث لا نجد الإشارة بالاسم لأي مطلب اجتماعي باستثناء البطالة حسب ما ورد في المطلب الثالث الذي يستهدف: "القيام بإجراءات فورية حقيقية وملموسة للتخفيف عن معاناة الشعب المغربي و إحداث صندوق عاجل للتعويض عن البطالة".
أما إذا رجعنا إلى ديباجة البلاغ فسنجد الغاية من "تنظيم التظاهرة" هو "مطالبة المؤسسة الملكية بإحداث التغييرات الضرورية في النظام السياسي بما يمكن كل فئات الشعب المغربي من حكم نفسها، وإحداث قطيعة حقيقية و نهائية مع ممارسات الماضي. و الاستفادة من خيرات البلد و تحقيق التنمية الحقيقية للجميع"، وهو ما يعني أن البلاغ لم يكن ثوريا في عمقه ولا موجها ضد سلطات الملك، وحتى أنه لم يغفل الإشارة إلى بعض منجزات "العهد الجديد" حيث يشير في مقدمته إلى :"إن النظام الملكي بملكه الجديد قد أعرب في بداية حكمه عن نيته في تحديث المجتمع المغربي و قام بمبادرات في هذا الاتجاه من قبيل التحقيق في ما يسمى بسنوات الرصاص و توسيع هامش ملحوظ في الحريات، وتبني لغة جديدة في التعامل مع متطلبات الشعب المغربي، لكن هاته المبادرات بقيت دون استمرارية، إن لم نقل حدثت ردة حقيقية و هروب الى الأمام من طرح الإشكالات الحقيقية للسلطة في المغرب".
وخلاصة القول أن "بلاغ حركة حرية وديمقراطية الآن" جاء تعبيرا عن وضعية اجتماعية وسياسية يعيشها الشباب المؤسسون، وانعكاس لتطلعهم إلى الشغل والتنمية مع خلط محير بين مفاهيم الإصلاح ومبادئ المنظومة المحافظة التقليدية، كما افتقد إلى النفس الثوري والوعي الديمقراطي، وجاء بمطالب إصلاحية لا ترتقي إلى المستوى الذي أفرزته النقاشات بعدها والذي جسدته شعارات يوم 20 فبراير، والتي كانت أقرب سقفا إلى الوثائق المطلبية الأخرى.
الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير من أجل الكرامة
الوثيقة المطلبية الثانية الممهدة لحركة 20 فبراير صدرت ثلاثة أيام بعد وثيقة "بلاغ حركة حرية وديمقراطية الآن"، وصدرت تحت اسم "الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير من أجل الكرامة... الانتفاضة هي الحل" وحملت توقيع المدون فتح الله الحمداني باسمه المستعار "سليم ماضي"، بتاريخ 30 يناير 2011.
وقد حاولت "الأرضية التأسيسية" تجاوز قصور " البلاغ التأسيسي" رغم أنها نقلت عنه الكثير من عناصره، لكنها اجتهدت في البناء عليه واستدراك أخطائه، ولذلك جاءت أرفع نضجا وأكثر تفصيلا، كما أنها فصلت في بعض المطالب الأكثر أهمية.
وفي التفاصيل، فإننا إذا أخدنا مطلب " إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين" فقد ورد رابعا في الوثيقة الأولى وخامسا في الثانية دون أي اختلاف لفظي، كما ساير مهندس الوثيقة من سبقه في المطالبة بحل الحكومة والبرلمان، ولكنه تجنب الدعوة إلى حل الأحزاب، ودعا بالمقابل إلى " تعيين حكومة انتقالية، تناط بها مهام اتخاذ مبادرات عاجلة من أجل التخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية بخفض الأسعار والزيادة في الأجور وفنح صندوق عاجل للتعويض عن البطالة وتشغيل جميع حاملي الشهادات المعطلين فورا بدون قيد أو شرط".
ومقارنة بالوثيقة الأولى، فقد تميزت مطالب الوثيقة الحالية بدقة الصياغة وارتفاع السقف متوجة بمطلب "إلغاء دستور 1996 وتهييء الظروف لانتخاب هيئة تأسيسية من طرف الشعب تناط بها مهام إعداد دستور يعرض للاستفتاء، نقترح أن يقوم على أسس حديثة تأخد فيه الملكية شكلها الحديث كرمز لوحدة الأمة، دون صلاحيات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية"، ونلحظ هنا أول استعمال لعبارة الهيئة التأسيسية المنتخبة، والإشارة كذلك لمطلب الملكية البرلمانية وإن لم ترد بعبارة صريحة.
كما نلحظ في أرضية حركة "الانتفاضة من أجل الكرامة" سبقها إلى طرق موضوع هام شكل فيما بعد أحد أهم مطالب حركة 20 فبراير متمثلا في المطالبة بمحاكمة من المتورطين في قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وإن كان جاء بشكل ضمني فقط عبر إشارة عامة وردت في البند الخامس، الذي سعى إلى " تطبيق القانون على الجميع بمحاكمة كل من ثبت تورطه من المسؤولين في جرائم ضد الشعب المغربي".
وحتى تكتمل الرؤية، فإن فتح الله الحمداني يصرح أنه أول من أنشأ أول مجموعة تدعو للاحتجاج الواسع في المغرب تحت اسم "انتفاضة 11 فبراير " ثم حولها اسمها فيما بعد إلى "انتفاضة 27 " قبل أن تتعرض للقرصنة ، كل ذلك كان قبل بلاغ حركة حرية وديمقرايطة.
وإذا كان فتح الله الحمداني سبق إلى الدعوة للتظاهر فإن "حركة حرية وديمقراطية الآن" سبقت إلى إعداد أول أرضية مطلبية، والتي قام الحمداني بتنقيحها وتصويبها، وتفصيلها، كما أضاف إليها بعضا من نفحاته الأدبية، ولفحاته الثورية خصوصا، إذ حمل المؤسسة الملية المسؤولية المباشرة في تردي الأوضاع، حسبما ورد في الديباجة "إن هذه الوضعية التي رسمنا تجلياتها نعتبر الملكية من تتحمل المسؤولية الأولى في تكريسها، ما دام أنها الماسكة الحقيقية بكل خيوط التأثير في جميع القرارت التي تحدد مصير الشعب، ومادام أنها المسؤولة عن تعيين فاقدي المصداقية والفاسدين في مراكز القرار".
الحمداني أيضا أول من استعمل عبارة "شباب 20 فبراير" التي وردت في ديباجة أرضيته في فقرة نصها : "نحن "شباب 20 فبراير" صوت الشعب المغربي من أبناء صفرو و سيدي افني و الحسيمة و غيرها .... نحن شباب يصرخ من الان : نريد حقنا في العدالة ... حقنا في تكافؤ الفرص ... حقنا في رفع الوصاية عن الشعب ... حقنا في الديموقراطية الكاملة غير المنقوصة ".
أرضية "الشعب يريد التغيير"
خلو هذا "البيان" أو "البلاغ" أو "الأرضية" من عنوان أو تعريف يدفعنا إلى البحث له عن اسم، فلا نجد له أنسب من مسمى "نص"، إذ لافتقاره إلى عناصر التوثيق من توقيع وتاريخ فلا يستحق وصف "وثيقة"، لكننا مع ذلك مضطرون لإلقاء نظرة عليه لثلاثة أسباب: أولا لأنه تعرض لتداول واسع حتى أنه يتفوق على ما سبقه شهرة كما يتفوق طولا، وثانيا لأنه فصل في المسألة الدستورية بشكل لا يتيح مقارنة بينه وبين ما سلفه، وثالثا لطرقه قضايا محورية لم تتعرض لها الأرضيتان السابقتان، مثل الأمازيغية ومدنية الدولة.
أما في ملامح هذا النص، فليس الطول ميزته الوحيدة، لكنه يتميز أيضا بكونه نشر دائما مرفقا ب"نداء عبد الكريم الخطابي" وب"أرضية حركة 20 فبراير من أجل الكرامة"، كما أنه الوثيقة التي سحبت من الصفحة التي نشرت عليها أول مرة، وكأن أهلها يتبرؤون منها فلا يكاد الباحث يجد لها أصلا أو مصدرا مرجعيا على شبكة الانترنت، وكل ما بقي منها على مجموعة فيس بوك " الشعب يريد التغيير" هو إشعار من موقع فيس بوك بأن المستند قد حذف:
http://www.facebook.com/home.php?sk=group_173554492689567&view=doc&id=173589556019394
في "نص" الشعب يريد التغيير تمتزج لغة الإيديولوجية مع لغة الشارع في خلط عجيب، فمن معجم الشارع استعملت الوثيقة عبارات مثل : "الحكومة الفاسقة"، "الكروش الجشعة"، "الوجه القذر"، "انتشار الدعارة"، ديبلوماسية مريضة، "المنحرفين جنسيا"، "المافيا المخزنية"... عبارات في قمة الدلالة.
وبالمقابل نجد النص مشبعا بعبارات تخبر عن أصلها الإديولوجي وخلفيتها المعرفية، لكنها مزروعة في نسيج من الخطاب الشعبوي الشبابي ممزوجة به، عبارات وجمل مثل "التفاوت الطبقي الكبير بين فئة لا تشكل أكثر من 5% من الشعب المغربي التي تتحكم في 90% من ثروات البلاد و بقية الكادحين"، أو " بناء اقتصاد وطني متحرر من هيمنة الإمبريالية واقتصاد الريع".
غير أن أجزاء أخرى من النص يستحيل تجاهل حمولتها، لأنها تحمل بصمات إديولوجية واضحة، نمثل لها بنموذجين اثنين لا أكثر: " التنصيص على سمو الاتفاقيات الدولية التي يوقعها المغرب على القوانين الداخلية." و "دستور ديمقراطي بلورة ومضمونا وتصديقا، يعترف بالأمازيغية كلغة رسمية وثقافة وطنية".
مسألة الدستور أولاها النص اهتماما كبيرا بما يفوق 300 كلمة، تناقش المدخل إلى "الدستور الديمقراطي" شكلا ومضمونا، حيث تشترط له ثلاثة أسس شكلية، تبتدئ ب "تجاوز طابع المنح في الدساتير الحالية، واعتبار الدستور تجسيدا لإرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر كل السلط، وبالتالي "ضرورة وضعه من طرف مجلس تأسيسي منتخب بشكل ديمقراطي ونزيه، أو من طرف أية هيئة مماثلة" قبل "عرضه على استفتاء شعبي وديمقراطي نزيه".
أما في تصدير الدستور فقد اشترط التنصيص ضمن ديباجة الدستور على الحقوق والحريات الأساسية وعلى سمو سمو الاتفاقيات الدولية وعلى سيادة الشعب والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل و دسترة الأمازيغية و منح الجهات ذات الخصوصية أقصى حد ممكن من التسيير الذاتي وحذف الفصل 19 والتنصيص على أن الدولة المغربية مدنية تضمن حرية العقيدة، وإلى هنا فقد اكتفينا بالعناوين ومن يهمه التفاصيل فليراجع النص الأصلي.
وعلى ذكر النص الأصلي، أود التنبيه هنا على شيء هام اكتشفته بعد كتابة الفقرات أعلاه، فالكلمات الثلاثمائة والخمسة وثلاثون التي تتناول المطلب الدستوري في هذا النص بما مجموعه صفحة كاملة تم اقتباسها حرفيا من أدبيات حزب النهج الديمقراطي وبالضبط من وثيقة تسمى: "ورقة حول الدستور"، منشورة بموقع الحزب، وموقعة في الدار البيضاء بتاريخ 07/05/2005 .
إن محرري هذه ( الأرضية) قد أبدعوا في كتابة موضوع إنشائي بعنوان: "لماذا المطالبة بالتغيير "، مؤلف من صفحتين مليئتين بلغة الشارع لتحفيز الجماهير وتفريغ حنقهم على الأوضاع في البلاد، والتي خصصوا لتفصيلها ما قدره صفحة تقريبا تحت عنوان: الأوضاع في المغرب"، مفصلة إلى 18 نقطة تفصيلية، لكن كلما فعلوه على مستوى المطالب هو تبنيهم الحرفي "ورقة الدستور" خاصة النهج الديمقراطي، مع تغيير واحد فقط: لقد وضعوا مصطلح"مدنية" مكان "علمانية" في المطلب التالي: " التنصيص على أن الدولة المغربية علمانية تضمن حرية العقيدة. "
صحيح أن النص قد ساق بعض المطالب بعد الحديث عن الأوضاع في المغرب، والانطباع الأول يقول أنها قد تكون مستنسخة من بعض أدبيات الحركة الأمازيغية أو اليسار الجذري أو حتى منظمات مناهضة للعولمة، لكن بما أننا لا نعرف أساسها ولا منطلقها، فسيكون مضيعة لوقتنا أن نسهب في شرحها وتحليلها.
بيان "شباب 20 فبراير"
يعد البيان الصادر يوم 14 فبراير 2011 والموقع بعبارة "شباب 20 فبراير" الرابع بين الأرضيات التأسيسية حسب الترتيب الزمني، وقد صدر هذا البيان قبل أن يعلن الاندماج بين المجموعات الافتراضية للثلاثة، والتي ناقشنا أرضياتها سابقا وهو ما يعني أن هذا البيان كان بمثابة إعلان ولادة مجموعة جديدة تحت اسم " شباب 20 فبراير"، كما يعني أن هاته المجموعة وباستعمالها لهذا الاسم غدت المتحدث الرئيسي باسم حراك 20 فبراير.
وعلى خلاف التجارب السابقة فإن هذه المجموعة لم تنطلق من الشبكات الاجتماعية، بل تشكلت من مجموعة من الشباب من محور الرباط سلا، ومن أبرزهم أسامة الخليفي من وتيفراز، وهذان الاثنان من سيتكفلان بإقناع زملائهم في المجموعات الثلاث بتوقيع بلاغ مشترك بين هاته المجموعات تحت مسمى "شباب 20 فبراير"، وهذا البلاغ صدر بتاريخ 16 فبراير 2011 ، أي بعد بيان "شباب 20 فبراير" بيوم أو يومين.
ومن ناحية الشكل يمكننا أن نقول أن بيان شباب 20 فبراير قد جاء مختصرا، محبوكا ببراعة، سليما من الثغرات المعرفية والأخطاء اللغوية، أما من ناحية المضمون فإطلالة أولية نكتشف حضور الخلفية السياسية وتضخيم دور الإصلاح الدستوري مقارنة بالأرضيات السابقة، ولنلق نظرة لنتأكد.
" في ظل ما يعيشه الشعب المغربي اليوم من احتقان اجتماعي والإحساس بالإهانة والدونية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب تجميد الأجور والارتفاع الصاروخي للأسعار، والحرمان من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الأساسية ( الصحة ، التعليم ، الشغل، ...السكن ...) كل هذا في ظل اقتصاد تبعي ينخره الفساد والغش والرشوة والتهرب الضريبي ومناخ حقوقي يتسم بالقمع الممنهج لحرية الرأي (الاعتقالات المتتالية، منع حق التظاهر ، قمع حرية الصحافة. وإيمانا منا ك "شباب 20 فبراير" أن تراكم المعضلات الاجتماعية يرجع بالأساس إلى الاختيارات السياسية وبنية النظام السياسي المغربي المناهض لمصالح أبناء الشعب الفقراء، فإننا نطالب" انتهت الديباجة وسنمر للمطالب.
أما في لائحة المطالب المكونة من خمس نقاط تم ظهرت آثار العناية القصوى في صياغة مطلبين اثنين، الأول الذي ينص على "إقرار دستور ديمقراطي يمثل الإرادة الحقيقية للشعب" والرابع الذي يبتغي " الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة ثقافة وتاريخا".
وإلى جنب هذين المطلبين استقرت المطالب الأربعة المتبقية بما نصه: "حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب"و "قضاء مستقل ونزيه" و"محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن" ثم "إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين".
وقد اعتبر البيان أن من شأن تحقيق المطالب السابقة أن يسهم في "الاستجابة لتطلعات عموم أحرار هذا الوطن العزيز وتوفير شروط العيش الكريم" وأن يضمن " حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور" و"الإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية" و" تمكين عموم المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية وتحسين مردوديتها."
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن بيان " شباب 20 فبراير" قد تم من خلال الندوة الصحفية التي احتضنها مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاريخ الخميس 17 فبراير 2011، والتي أشرفت عليها رئيسة الجمعية خديجة الرياضي وبعض رفاقها في المكتب التنفيذي إلى جانب المتحدثين أسامة الخلفي وتهاني مضماض، ابنة المناضل الحقوقي داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورئيس فرعها بسلا الطيب مضماض.
الأرضية "المدسوسة"
هذه الأرضية عبارة عن بيان مجهول المصدر صدر بتاريخ 16 فبراير 2001 ، وحمل عنوان: "مسيرة 20 فبراير 2011، من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية"، وزع هذا عبر مجموعة "ماروك بريس" البريدية قبل أن يجد طريقه إلى بعض المواقع والمنتديات الالكترونية تحت اسم "مطالب حركة 20 فبراير" أو "أرضية حركة 20 فبراير"، دون أن يحمل أي توقيع أو حتى إشارة لمصدره.
واقتصر مهندسو الوثيقة على تقديم أنفسهم بعبارات عامة ومبهمة بقولهم" لأن مسألة الإصلاح هي مصير وطن ومسئولية شعب بكامله، فإننا نعلن عن مبادرتنا، نحن مجموعة من النشطاء الحقوقيين والنقابيين، بتنظيم مسيرة بالرباط للمطالبة بالديمقراطية يوم الأحد 20 فبراير 2011".
لكن من خلال نظرة أولية على الوثيقة نستنتج أنها صيغت من قبل شخص أو أشخاص محترفين، كما أنها الوثيقة الأكثر تفصيلا، سواء في المقدمة التي جاء عبارة عن مدخل تشخيصي لأوضاع المغرب مدمجة مع بعض التطلعات، أو في لائحة أهداف المسيرة التي جاءت على شكل ثلاث فقرات غير مرقمة، خصصت الأولى للأهداف السياسية، والثانية للأهداف الاقتصادية والثالثة للأهداف المتعلقة بالصحافة والإعلام.
وفي لائحة المطالب وعددها سبعة، فإن الوثيقة وافقت ما سبقها فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحل البرلمان والحكومة، وطالبت تغيرها تغييرها بحكومة "ائتلاف وطني" تعمل على توفير الشروط لانتخابات تشريعية في أجل لا يتعدى ستة أشهر، حيث جاءت الوثيقة بتصور متفرد للحكومة البديلة.
كما خصصت الوثيقة حيزا أكبر من كل ما سبقها لمسألة الانتخابات، حيث خصصت لها مطلبين اثنين يتمثلان:"إحداث هيأة مستقلة للسهر على العمليات الانتخابية" و "إحداث هيأة لمراجعة قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات، لتحقيق شروط التنافس الديمقراطي والتكافؤ بين الأحزاب. ووضع الآليات القانونية لضمان عدم تدخل السلطة التنفيذية في الانتخابات"، ويظهر هذان المطلبان وكأنهما نسخة منقحة ومزيدة من مطلبين وردا في وثيقة " الشعب يريد التغيير" التي اعتمدت أدبيات النهج الديمقراطي في جزء كامل منها.
وفيما يخص المسألة الدستورية، فقد استهدفت الوثيقة "إحداث هيأة لوضع مشروع دستور جديد للبلاد يتماشي مع قيم الديمقراطية الحقيقية ويتم من خلاله الاتفاق على القيم الأساسية التي ترتكز عليها الدولة ويستظل الشعب بها والمتعارف عليها ، ويمكن المغرب من نظام سياسي برلماني يضمن للشعب أن يستعيد حقوقه وحرياته في إبداء الرأي ويقرر ما يراه في إدارة شئون وطنه"، وكأننا بالبيان يتجنب "عبارة دستور ديمقراطي" ويستبدلها بجملة أطول.
أما فيما يخص حقوق الإنسان فإن الوثيقة تفردت بمطلب حيوي دون أخواتها (عفوا رفيقاتها)، إن مطلب " العمل على تنفيذ تطبيق كافة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة'، والذي جاء متبوعا بمطلب لم يحظ في الأوراق السابقة بمثل عناية هاته الورقة، مطلب " إحداث هيأة وطنية للتحقيق في كل جرائم الفساد والثراء غير المشروع وتبديد ونهب أموال الشعب وأصول الدولة وتقديم كل المتهمين للمحاكمة العادلة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة باسترداد ما نهب من موارد البلاد وثرواتها".
ومما لا يفوت ملاحظته هو أن لفظة " إحداث هيأة " تكررت أربع مرات في الوثيقة، وهي وصف يحتمل التعيين كما يحتمل" الانتخاب" وحتى أشكالا أخرى من الإحداث، فهل يدل ذلك على أن مهندسي الوثيقة سعوا إلى التوفيق بين مختلف الأرضيات السابقة فيما يتعلق بتشكيل الهيئات واللجان والمجالس، أم أن الغاية منها ترك الباب مفتوح لجميع التأويلات.
ورغم أن وثيقة بهاته الدرجة من الاحترافية يصعب أن تأتي من فراغ، فقد اتصلت بالرفيق أسامة الخليفي مستفسرا إياه عن موقفه من هاته الوثيقة، لكنه اكتفى بالتبرؤ منها، وهو ما يطيل عمر الإشاعات ، مثلما أسمعه عن بعض المناضلين من كون سياسي ومثقف يساري مشهور هو من حبر هاته الوثيقة انطلاقا من إحدى خمارات الرباط.
ربما تبقى عدة أسئلة عالقة حول أصل هذه الأرضية وحول هوية من قام بدسها في الفضاء الافتراضي ، لكن الأكيد أنها الأفضل نضجا والأكثر اعتدالا والأفضل تفصيلا لما يمكن أن يصلح مطالب لحركة 20 فبراير، وهو ما يؤهلها لتكون منطلقا لصياغة أرضية جديدة لحركة 20 فبراير، تستمد شرعيتها من اتفاق نشطاء الحركة بمختلف تلاوينهم وتوجهاتهم السياسية والإديولوجية، وقوتها من احتضان مطالب جميع الحركات الاحتجاجية والفئات المتضررة، وجاذبيتها من براعة أسلوبها وحسن تدبيجها وإخراجها.
* مؤسس صفحة حركة 20 فبراير
[email protected]
http://www.benjebli.com
http://www.facebook.com/benjebli.said


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.