على خلفية أزمة مشكل ما بات يعرف ب «منازل تيغزى التي يطالب سكانها بالحق في امتلاكها»، احتضن مقر إحدى الجمعيات المحلية لقاء هاما، حضره إلى جانب كاتب عام عمالة إقليمخنيفرة وقائد المنطقة ورئيس الجماعة القروية للحمام، ممثلون عن ودادية السكان والأملاك المخزنية والوكالة الحضرية، حيث تمت مناقشة ملف القضية من مختلف جوانبها القانونية والإدارية وعلاقتها بالأطراف المعنية، مع السعي إلى الخروج بمقترحات وتصورات تشدد على عقد لقاء مع المصفي القضائي الذي قيل إنه عبر في وقت سابق عن استعداده لتدارس ملف النازلة في سبيل إيجاد حل ممكن لطي المشاكل القانونية المتعلقة بموضوع المساكن. وخلال ذات اللقاء تمت مطالبة ممثل الأملاك المخزنية بمباشرة التدابير والإجراءات اللازمة لرفع اليد على بعض العقارات بأثمنة تفضيلية، ولم يفت الكاتب العام للعمالة الإلحاح على تحقيق أمجاد قرية تيغزى التي كانت، وإلى وقت قريب، عبارة عن «باريس صغيرة»، داعيا إلى تحرك مكثف ومسؤول من أجل الشروع في الاشتغال على تشخيص حاجيات وانتظارات القرية لاستعادة «نموذجيتها»، ولم يفته الحث على تحديد تاريخ قريب لإعداد طاولة حوار تجمع ودادية السكان بمصالح الجماعة والوكالة الحضرية والأملاك المخزنية ومهندسين معماريين من أجل الخروج بمخطط لتهيئة القرية، وبما يمكّن المصفي القضائي والأملاك المخزنية من رفع اليد عن المنازل والعقارات موضوع النزاع، ويسهل الحصول على تنازلات الجهات المعنية التي يمكن بها إيقاف متابعة السكان المعروضة ملفاتهم أمام القضاء بتهمة البناء دون تراخيص. رئيس «ودادية تيغزى للسكن والتنمية»، لم يفته استعراض ملف المشكل وانعكاس تقادمه على مناحي الحياة بالقرية، وكيف أن سكان هذه القرية يعانون حاليا من أوضاع مزرية تحت سقوف مساكن غير لائقة بفعل «الخطوط الحمراء» المشهورة باستمرار في وجه كل من يود إصلاح مسكنه على أساس عدم توفر قاطنيها على ما يثبت ملكيتهم لهذه المساكن، وبعد استعراضه لأهداف الودادية المتجلية أساسا في تشكيل مخاطب لمتابعة ملف القضية وإيصال نداءات الساكنة للسلطات الإقليمية والمركزية، تساءل حول مدى العمل لتسوية وضعية 12 مسكنا لم تشملها إحصاءات المصفي القضائي، وكانت الودادية قد عممت بلاغا أوضحت فيه ظروف تأسيس الودادية بغاية تحمل الملف الصعب، وطرق أبواب المسؤولين بالطرق القانونية، والمساهمة في التنمية الشاملة للقرية، وفي المخطط التصميمي المستقبلي لهذه القرية من أجل إعطائها رونقا يليق بتاريخها المهدور. إلى ذلك تدخل رئيس الجماعة القروية لإعطاء جانبا من وضعية القرية المنجمية، دونما أن تفته الإشارة لحوالي 300 مسكن تقع في حدود الأملاك المخزنية بسؤال حول حل قانوني لوضعيتها، فيما ركزت مداخلة قائد المنطقة على الملفات المعروضة أمام القضاء، مقابل مطالبة مختلف المتدخلين بضرورة الخروج بخلاصات مفيدة تخلص القرية من عنق الزجاجة التي تحبسها، سيما في وجود إجماع سكاني على الرغبة في إنهاء المشكل الذي عمر طويلا، ومن خلال مداخلات الحاضرين استعرض أحدهم عدد المعنيين بالأمر، وهم 107 من عمال المناجم، 6 من رجال تعليم و27 أرملة و87 مشتر بتنازل مكتوب من الشركة المنجمية، ثم 29 محلا تجاريا. أما ممثل الوكالة الحضرية فاكتفى بتذكير رئيس الجماعة القروية بنقطة كان قد تم إدراجها في دورة سابقة حول رخص الإصلاح والبناء، والقول بصعوبة الحديث عن أي تقدم بالملف أو بمخطط «خلق قرية نموذجية» إلا بعد معالجة المشكل القائم. وتأتي هذه التحركات بعد مضي أسابيع قليلة عن «انتفاضة» سكان القرية المنجمية بتيغزى في مسيرة احتجاجية حاشدة تم تنظيمها، خلال شهر دجنبر الماضي، في سبيل إثارة انتباه «من يهمهم الأمر» لحقهم المشروع في امتلاك المنازل التي يقطنونها منذ عدة عقود، والمطالبة بالتسليم القانوني لها بناء على الخبرة المنجزة من طرف القاضي المنتدب من لدن المحكمة الابتدائية لآنفا، بما فيها 12 منزلا تابعا لإدارة الأملاك، هذه الدور التي ظلت ملفات ملكيتها عالقة منذ إغلاق المناجم ودخول الشركة المنجمية ?مناجم عوام سابقا- في التصفية القضائية ابتداء من 1993 مع اعتبار هذه المنازل ملكا لمن يسكنها. المسيرة الحاشدة التي انتهت بوقفة احتجاجية أمام محكمة مريرت، ردد فيها المحتجون عدة شعارات ومطالب بوقف المتابعات القضائية المرفوعة في حق مجموعة منهم بتهمة البناء بدون ترخيص، وألقيت خلالها عدة كلمات نددت بما تم وصفه ب»الحروب النفسية»، ولم يفت مصادر من المحتجين التهديد بدعوة مختلف المكونات المجتمعية والشعبية إلى المشاركة المكثفة في المعارك والأشكال النضالية التي سيتم الإعلان عنها في أية لحظة بغاية الاستجابة لمطالبهم، حيث لم يكن السكان ينتظرون الزج بهم في المحاكم، إلا لأنهم قاموا بإحداث بعض التغييرات والترميمات الضرورية للحفاظ على منازلهم المتآكلة والآيلة للانهيار، نظرا لتقادمها من جهة، وجراء التساقطات المطرية المتساقطة في السنتين الأخيرتين من جهة أخرى. وفي الإصلاحات والترميمات التي قام بها السكان ما يكون قد رأى فيها بعض «المتربصين» فرصة الهجوم عليهم، وما الدعاوي القضائية المرفوعة ضدهم إلا شكلا سافرا من الجور والاستفزاز، حسب رأيهم، ولم يفت مصادرنا التأكيد على أنه حتى في حالة «كون الإصلاحات المنزلية تحتاج للترخيص القانوني من لدن السلطات المختصة محليا، فإن هذه السلطات امتنعت عن هذه تسليم هذه التراخيص للسكان وتهربت بوضوح من مسؤوليتها»، إلى جانب «تملص القاضي المصفي من مسؤولياته هو الآخر»، والمتمثلة في حسمه تفويت المساكن للسكان رغم مرور 15 سنة. ويذكر أن «الإفلاس المفتعل» للشركة المنجمية عام 1993 ودخول شركة مناجم جبل عوام التصفية القضائية من باب مزاعم الإفلاس التي اتضح زيفها من خلال التأكيد على وجود احتياطي واسع من المعادن قابل للاستغلال لأكثر من 25 سنة أخرى، ما أرخى بظلال التأزم على حياة الساكنة التي لم يكن مصدر عيشها إلا من خلال أياديها العاملة بالمناجم، والمنازل موضوع المسيرة الاحتجاجية يقطنها قدماء المنجميين ومتقاعدوهم، وأرامل وأسر المتوفين منهم، وعمال لا يزالون يباشرون عملهم بالشركة المنجمية تويسيت إلى جانب سكان آخرين، علما أن منطقة تيغزى هي «نتاج لسياسة تعميرية سكنية نهجتها الشركة المنجمية لجبل عوام منذ أواخر الخمسينات في إطار السكن الوظيفي»، كما جاء في تصريح لأحد المهتمين بالموضوع، مع ضرورة الإشارة مجددا إلى أن الشركة المنجمية آنذاك (مثل الحالية) كانت تباشر استغلال الثروات المعدنية التي تزخر بها المنطقة على حساب حاجيات وتطلعات الساكنة والوضع المزري التي آلت إليها أوضاع هذه المنطقة بفعل مظاهر التهميش والعطالة والإقصاء والحكرة، وزادت الأمور حيفا وجورا في الخروج بقرارات تهدد السكان ب»الترحيل» و»التشريد» وهم الذين لم يتوقفوا عن المطالبة بتفويت المساكن وفق المساطر والقوانين الجاري بها العمل على مستوى المملكة، غير أن مطالبهم ونداءاتهم ظلت عرضة للتجاهل لأهداف لم تجد لها أي تفسير أو تعليل منطقي.