I: ملاحظات منهجية 1) بالرغم من أن فهرس البرنامج الحكومي يوحي بالترابط بين التوجهات الاستراتيجية و الأهداف القطاعية. فإن تحليلا أدق لمضامين البرنامج لا يبرز ذلك. ففي بعض الحالات يكتفي البرنامج بذكر إجراءات في صورة فقرات ذات طابع إنشائي (الفقرة المخصصة للقطاع البنكي في الصفحة 39) و في حالات أخرى يعرض البرنامج إجراءات في صورة تدابير محددة (إجراءات تقوية و حماية الأسرة الواردة في الصفحة 81) 2) يسجل البرنامج اختلالات منهجية خطيرة تتعلق بغياب الاعتبار الأفقي لمقاربة النوع الاجتماعي بشكل يسجل تراجعا حتى عن ما تم تحقيقه في ظل الولاية الحكومية السابقة ، و يكفي هنا فقط الإشارة إلى مؤشرين : فمن جهة أولى لا يشير البرنامج الحكومي في الفصل المخصص لتعزيز الحكامة الاقتصادية و المالية في أي من فقراته إلى مصير و مآل برنامج الميزانية المبنية على النوع الاجتماعي و آفاق استكماله على مستوى القطاعات الحكومية التي لم تعمل به بعد أو نقله على المستوى الترابي. و من جهة ثانية يسجل البرنامج الحكومي تكريس الطابع القطاعي لموقع المرأة و الطفل في الصفحات 80 إلى 82 و تحت بند معنون ب» العناية بالأسرة و المرأة و الطفولة» في نوع من تكريس الصورة النمطية للدور الاجتماعي للنساء. 3) يسجل البرنامج الحكومي اختلالات منهجية خطيرة تتعلق بغياب الاعتبار الأفقي للمقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان في مختلف التدابير و الإجراءات المقترحة في البرنامج الحكومي , و على سبيل المثال تكفي المقارنة بين المحاور الست لمرجعية الميثاق الاجتماعي الواردة في الإحالة الذاتية رقم 1 للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و المبنية على أساس فكرة الولوج إلى الحقوق من جهة و بين ضعف الفقرات الواردة في المحور الرابع من البرنامج الحكومي. 4) لا يستثمر البرنامج الحكومي مختلف الوثائق البرنامجية الهامة التي أنتجتها المؤسسات الدستورية الوطنية كالمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و كذا الهيئات الدستورية لحماية حقوق الإنسان و النهوض بها كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان. و لا يحيل البرنامج الحكومي على وثائق أساسية كالخطة الوطنية لحقوق الإنسان و الأرضية المواطنة للنهوض بحقوق الإنسان. 5) إن ضرورة تضمن البرنامج الحكومي للخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مجالات النشاط الوطني حسب الفصل 88 من الدستور ، لا يعني بأي حال من الأحوال التساهل المنهجي في بناء الربط المنطقي بين الرؤية و التوجهات الإستراتيجية و الأهداف العامة والخاصة و الإجراءات و مؤشرات الإنجاز و التتبع و التقييم. و من المثير للانتباه أن هذا التمرين الذي أصبح معتادا في استراتيجيات المؤسسات الوطنية المختلفة و القطاعات الحكومية لا نجد أي صدى له في البرنامج الحكومي. 6) لا يقترح البرنامج الحكومي إطارا منهجيا واضحا لالتقائية السياسات والبرامج القطاعية موضوعاتيا و ترابيا. II: ملاحظات في المضامين: 7) بالرغم من المعطى الدستوري الجديد المتمثل في تكريس تعددية مكونات و روافد الهوية الوطنية ، لم تتم صياغة توجهات السياسات العمومية الثقافية بشكل يحدد الإجراءات و التدابير التي سيتم اتخاذها لدعم و إبراز هذا التعدد . و يصدق هذا بشكل خاص على الروافد الإفريقية ، الأندلسية و العبرية و المتوسطية. باستثاء إشارة عامة إلى «استثمار تنوع مكونات و روافد الثقافة المغربية و تعددها و غناها» في الصفحة 14 من البرنامج الحكومي. 8) لا يستثمر البرنامج الحكومي الوثائق البرنامجية الأساسية التي تم إنتاجها من قبل مؤسسات وطنية ذات مهام دستورية ، فبالرغم من الإشارة العامة إلى التزام ب»مواصلة و تطوير الإستراتيجية الوطنية الخاصة بالتربية على حقوق الإنسان فإن البرنامج لا يشير بشكل واضح إلى التزامات الحكومة المتعلقة بتطبيق «الخطة الوطنية لحقوق الإنسان» و «الأرضية المواطنة للنهوض بحقوق الإنسان». 9) وفي نفس الاتجاه فإن الالتزام الوارد في البرنامج الحكومي بالعمل «على تعزيز قيم المواطنة الصالحة» بالإضافة إلى طابعه العام ، لا يحيل إلى مجموع الأعمال و الآراء الاستشارية التي أنجزها المجلس الأعلى للتعليم سابقا- و الذي تحول الآن إلى «مجلس أعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي»- خاصة تلك الأعمال المتعلقة بالمواطنة و السلوك المدني. 10) إن الالتزامات المتعلقة بالسياسات اللغوية الخاصة باللغة الأمازيغية تبقى ذات طابع عام. فباستثناء الأهداف ذات القيمة الدستورية التي حددها المشرع الدستوري فيما يتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية ? و التي تلزم جميع المؤسسات المعنية بتطبيقها- فإن البرنامج لم يحدد أية مجالات ذات أولوية تتعلق بتفعيل الطابع الرسمي علما أن الحكومة بوصفها مؤسسة دستورية ليست ملزمة فقط بمجرد التذكير بالهدف ذي القيمة الدستورية و إنما بتحديد كيفية أجرأته خلال ولايتها من خلال السياسات العمومية اللغوية و التعليمية و الثقافية. 11) بالنظر للطابع المحافظ لبعض مكونات الحكومة فيما يتعلق بالسياسات اللغوية ?خاصة حزب الاستقلال كما يتضح من خلال برنامجه الانتخابي فيما يتعلق بالسياسات الإرادوية لتعميم استعمال اللغة, خاصة في الأنشطة الاقتصادية و التجارية- فمن المحتمل ألا تقوم الحكومة بتحديد توجه واضحة للسياسات العمومية فيما يتعلق بالهدف العام ل»تعزيز الانفتاح اللغوي و الاهتمام باللغات الأجنبية» (ص14) 12) في المجال الإعلامي لا يستثمر البرنامج الحكومي خلاصات و توصيات الحوار الوطني حول الإعلام و المجتمع و لا يشير إليها. إن الإشارة المتكررة الواردة في الفقرات المخصصة للسياسات الثقافية و الفنية و الإعلامية إلى «الالتزام بالقيم الوطنية» و إلى «السينما...مرآة للهوية المغربية» (ص16) تخلق تخوفات جدية - بالنظر للطابع المحافظ لمكونين من مكونات الحكومة على الأقل- لتحول البرنامج الحكومي إلى مشروع مضاد للحريات الثقافية و الأكاديمية علما أن الإجراء 130 من البرنامج الانتخابي لحزب العدالة و التنمية ينص على ما يلي : 130. Adoption d›une politique transversale englobant les différents secteurs médiatiques, culturels, éducatifs, sociaux et religieux: ?Mise en ?uvre d›un mécanisme de coordination entre ces différents secteurs pour le retour, la diffusion et l?enracinement des valeurs morales indispensables à la renaissance de notre Nation تم اعتماد برامج ثلاثة أحزاب من الائتلاف الحكومي وهي برنامج: حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية. ملاحظات بخصوص الأهداف المرقمة انطلاقا من الجدول المقارن يمكن إبداء الملاحظات الآتية: I- لم يستجب البرنامج الحكومي للعديد من الوعود التي تضمنتها برامج الأحزاب المشكلة للحكومة. نذكر منها ? على وجه الخصوص: - رفع معدل الدخل الفردي ب 40% في الخمس سنوات القادمة. - رفع الحد الأدنى للأجر. - رفع الحد الأدنى للمعاشات. - تخفيف العبء الضريبي على الدخل عن الفئات الدنيا والمتوسطة. - تسريع وتيرة التشغيل (850 ألف فرصة شغل منها 100 ألف في القطاع العام سنويا). - إحداث ضريبة 3% على الدخل المرتفع. - الرفع من الاستثمارات الموجهة إلى العالم القروي ب 30%. - تقليص تكاليف الصحة والعلاج إلى 25% من دخل الأسر. - تقليص كلفة الاتصالات إلى 50%. - دعم نقدي لحاملي الشهادات بعد التخرج لمدة 100 يوم للباحثين عن الشغل. - تقليص معدل بطالة حاملي الشهادات ب 3 نقط. - الرفع من مستوى الاستثمار العمومي إلى 25% من الناتج الداخلي الخام. - تخفيض الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الأساسية. - إحداث دخل أدنى للإدماج يقدر ب 1000 درهم شهريا لفائدة الأسر المعوزة. II- لم يتضمن البرنامج الحكومي أرقاما في العديد من القطاعات. وهي: - التجارة والتكنولوجيا. - التربية الوطنية. - الطاقة. - الثقافة والإعلام. - القطاع الإداري والوظيفة العمومية. - السياسة الخارجية وشؤون المهاجرين. - الأسرة والمرأة. - الشباب. (علما بأن خاتمة البرنامج الحكومي تقول بأنه برنامج إرادي بأهداف مرقمة!!). III- تضمن البرنامج الحكومي أهدافا بدون تحديد الوسائل والآليات الإجرائية للتنفيذ، منها: الاقتصاد: تحقيق العدالة الضريبية عبر الرفع من مردودية النظام الضريبي عبر توسيع الوعاء (كيف؟)، وتحسين أداء الإدارة الضريبية (كيف؟). التجارة والتكنولوجيات: التقليص من انتشار القطاع غير المهيكل (كيف؟). السكن والتعمير: إنتاج السكن الاجتماعي والسكن الموجه إلى الفئات المعوزة بقيمة عقارية إجمالية منخفضة (لم تحدد القيمة وكذا عدد الوحدات السكنية؟). السياحة: دعم التنمية والقدرة التنافسية للمؤسسات السياحية الصغيرة (كيف؟). IV- لا يصرح البرنامج الحكومي بالتزام الحكومة بالتعهدات الدستورية للمملكة المغربية (الواردة في تصريح الدستور) فيما يتعلق ب: * حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء. V- فيما يتعلق ب «ربط المسؤولية بالمحاسبة» (الباب الثاني) لم يفصل التصريح في الآليات العملية الكفيلة بتفعيل هذا المبدأ. اللهم إشارة التصريح بشكل عام إلى «تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها وتفعيل توصيات تقاريرها...» VI- يصرح المشروع الحكومي ب «تخفيض البطالة إلى 8% في أفق 2016. غير أن البرنامج الحكومي لا يضع الآليات والإجراءات الملموسة الكمينة ببلوغ هذا الهدف. فهل ببرنامج «مبادرة» الذي يهم «التشغيل في الجمعيات العاملة في مجالات القرب» (بدون رقم محدد)، وببرنامج «تأطير» الذي يضع منحة لإعادة التأهيل لكل متدرب من حاملي الشهادات، وببرنامج «استيعاب» الذي يهم إدماج الاقتصاد غير المهيكل» (بدون رقم محدد) سيتم تخفيض البطالة إلى هذا الرقم. علما بأن نسبة النمو المصرح بها (5.5%) لا يمكنها -حتى في حالة بلوغها- تحقيق هذا الهدف حسب الخبراء الاقتصاديين. بالإضافة إلى هذا، تم تغييب مصادر التمويل الكفيلة بترجمة البرنامج الحكومي على مستوى كل القطاعات. VII- اختزال مفهوم الهوية: أشار الدستور إلى تنوع وتلاحم مقومات الهوية الوطنية بمكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوي الحسانية، والفنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، وهو ما أغفلته الفقرة المتعلقة «بتعزيز الهوية المغربية» من البرنامج الحكومي والتي اجتزأت من الدستور مقطعا واحدا دون باقي المقومات. VIII- إغفال الراهن الاقتصادي العالمي والجهوي الذي يأتي في سياقه البرنامج الحكومي، وعدم استحضار أسئلة الانعكاسات والتوقعات المحتملة المرتبطة بهذا الوضع. إذ لا يمكن أن نتصور برنامجا حكوميا معزولا عن محيطه الاقتصادي. كما أن علاقة المغرب بالاتحاد الأوربي على وجه الخصوص تفرض استحضار هذه الأبعاد.