وضع صحي متأزم بالجهة الشرقية .. توالي الوفيات بين المرضى الوافدين على مستشفى الفارابي بوجدة أكد الدكتور قادة صدر الدين الكاتب العام لنقابة الأطباء، المنضوية تحت لواء الفدرالية الديمقراطية للشغل في تصريح لجريدة "الاتحاد الاشتراكي" بأن ما وقع مؤخرا بمستشفى الفارابي من انقطاع لمادة الأوكسجين مدة ثلاثة أيام لا يقع حتى في الدول المتخلفة جدا، والخطير في المسألة -يقول الدكتور قادة- "أن تنقطع هذه المادة الحيوية دون سابق إنذار بوجود مسؤولين بمستشفى كبير كمستشفى الفارابي لا يعرفون ما يجري داخله، مما تسبب في فوضى لم نشهدها من قبل". في حين ذكر الدكتور العامري اختصاصي في أمراض العظام بأن مستشفى الفارابي "يعيش أوضاعا مزرية على جميع المستويات وهو بحاجة إلى مسؤولين يكونون على دراية بكيفية إدارة وتسيير المستشفى، والذي وقع فيه تراجع منذ 1996 إلى الآن بنسبة 80% على مستوى الخدمات، وبالرغم من وجود أشخاص يريدون العمل إلا أن غياب التجهيزات ونقص الموارد البشرية وانقطاع الأوكسجين كما وقع مؤخرا يحول دون ذلك، لذا يجب إغلاق هذا المستشفى". وفي مسألة انقطاع الأوكسجين، صرح المواطن محمد بختاوي للجريدة بأن زوجته أنجبت توأما (ولد وبنت) يوم 10 يناير .غادرت الأم المستشفى رفقة الطفلة يوم 13 يناير، في حين تم الاحتفاظ بالصبي لأنه كان يعاني من بعض المضاعفات فكان الأب يطمئن على ابنه فيتم إخباره بأنه في صحة جيدة إلى يوم الخميس 18 يناير حين قام الأب بزيارة ابنه فأخبر بأن هذا الأخير قد مات، فصدم لسماع الخبر وذهب لرؤيته في مستودع الأموات "لقيت فمه ازرق" -يقول بختاوي- وبدأ يتساءل عن سبب وفاته لتخبره إحدى الممرضات بأنه مات نتيجة غياب الأكسجين. وتساءل محمد بختاوي والحسرة تملأ قلبه على فلذة كبده الذي كان ينتظره "مادام الأوكسجين منقطعا بالمستشفى لم لم يتم الاتصال بي لأخذ طفلي؟". انقطاع الأوكسجين بمستشفى الفارابي ينضاف إلى العديد من الأمور التي أضحت تشكل وصمة عار على جبين المسؤولين عن قطاع الصحة محليا ومركزيا، وجاءت لتزيد الأوضاع سوءا وتساهم في تعميق جراح المرضى الذين يلجون هذه المؤسسة الاستشفائية طلبا للعلاج ولسان حالهم يقول "الداخل مفقود والخارج مولود". عمليات تؤخذ فيها مواعيد لمدة سنة، وبعض المواعيد تؤخذ في السكانير لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر وعندما يصل الموعد، المحظوظ فقط من يلج باب الغرفة حيث الجهاز "السحري" أما من لا حول له ولا قوة فيعود من حيث أتى كما هو حال مواطنة قدمت من قرية بضواحي مدينة تاوريرت صادفناها صباح الجمعة أمام قاعة السكانير وصرحت للجريدة بأن ابنتها تعاني من مرض في الرأس أعطي لها موعد شهر لإجراء السكانير وعندما وصل الموعد يوم الخميس 18 يناير أحضرتها إلى المستشفى وبقيت في الانتظار إلى المساء دون جدوى، اضطرت بعدها إلى الرجوع من حيث أتت لتعود صباح الجمعة والفتاة في حالة يرثى لها، وبدأت الأم في التوسل لكل من وجدته أمامها ذلك الصباح علها تجد مسؤولا رحيما يرأف لحالها، إلا أنها اصطدمت باللامبالاة وصوت يقول لها "مكاينش السكانير والا معجبكش الحال ضربي راسك مع الحيط" وأردفت قائلة "فين نديها راها مريضة بالراس ما تهضر ما تكلم، وحتى أنا مريضة راني كالعة البزولة، واش المسكين بحالنا معندو حق" وعينها على كاميرا قناة الأولى التي حلت بالمستشفى لتحقق في مسألة وقوع وفيات بسبب انقطاع الأوكسجين، إلا أن عين الكاميرا تجاهلت الأم المسكينة وغيرها من المرضى الذين حاولوا إيصال صوتهم المبحوح عبرها إلى المسؤولين لإنزال شآبيب الرحمة على المرضى المغلوبين على أمرهم، وفي الوقت الذي أعطى طاقم القناة الوقت الكافي لمدير المستشفى ليقول ما يريد، استمع على مضض لمسؤول نقابي عدد في تصريحه خروقات واختلالات كثيرة يشهدها المستشفى إلا أنه تم إدراج القليل منها فقط. هذا، ويتحدث الكثير من موظفي المستشفى عن أمور فظيعة تقع داخله، في حين أن المسؤولين ينعمون بالراحة في مكاتبهم المكيفة، متسائلين عن جدوى وجود مدير بالمستشفى ومدير جهوي بما لهما من سلطة ولا يقومان بحل المشاكل، مؤكدين على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة عند وقوع وفيات وفتح تحقيق لأن صحة المواطن وحياته يحفظهما الدستور الجديد. ويقول محمد بكاوي الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة العمومية (فدش) متصرف من الدرجة الأولى بالمستشفى "مدير المستشفى لم ير قسم المستعجلات قط مذ وطأت قدماه مستشفى الفارابي منذ أزيد من 4 سنوات إلى يوم الجمعة 19 يناير، كما لم ير قسم الجراحة فما الجدوى منه؟ يأتي في الصباح ليذهب إلى مركز تكوين الممرضين ليعطي الدروس هناك مقابل 250 درهما عن كل ساعة، وأنا هنا أؤكد حالة التنافي التي يؤكدها الدستور فهو موظف دولة ويذهب إلى المدرسة ليدرس ويأخذ أموال أخرى وهنا تقع حالة التنافي، وهذه الأمور يقوم بها موظفون آخرون بكل آسف"، مشيرا الى أنه بالرغم من الوقفات الاحتجاجية والإضرابات التي قاموا بها "لم يستجب لنا أي أحد سواء على المستوى المحلي أو المستوى الوزاري، حتى ننتظر أن يتوفى مواطن بخطأ بسيط أو انقطاع الأوكسجين أو انقطاع بعض الأدوية المتوفرة في جميع الدول حتى الأقل تنمية منا، لا نريد هذا ونحن نؤكد وللمرة الألف أننا نريد للمستشفى أن يقدم خدمات في مستوى تطلعات المواطن". وذكر محمد بكاوي بالخصاص الشديد الذي تعرفه بعض الأقسام في ما يخص الموارد البشرية، وخصوصا الأطباء كقسم الحروق الذي تديره ممرضتان بدون طبيب يصف الدواء للمريض ويوجه الممرضتين إلى الواجب القيام به مع أن "الأطباء موجودون داخل الإدارة ويقومون بمهام إدارية، ومن الأحرى القيام بمهام تطبيبية والقانون الأساسي يؤكد ذلك، الطبيب من أجل التطبيب وليس منأجل التسيير". وشدد محمد بكاوي على أنه إذا لم يتم إنقاذ مستشفى الفارابي، فسيشهد وفيات عدة. وقال "تصوروا معي مريضا ينام داخل مصلحة العظام 14 يوما من 4 إلى 18 يناير بدون ملف طبي، وأخصائي العظام شاهد على ذلك، ويموت المريض داخل القسم ولا يفتح تحقيق داخل المستشفى بل يتم تزوير أوراقه وملفه بأنه كان في وضعية قانونية وهذا أمر خطير" لذا يضيف الكاتب الجهوي "نريد من السيد الوزير والمفتشية العامة لقطاع الصحة أن تحقق في الأمر ونريد تغييرا جذريا، لا نريد مسؤولين ينتمون إلى هذا الحزب أو ذاك، لا نريد مسؤولين ينتمون إلى العائلات بل نريد فتح ملفات الترشيح للمسؤولية وأن ننظر في من لديه رصيد يمكنه من تحمل هذه المسؤولية وأن نربط المسؤولية بالمحاسبة، لا نريد تغيير مدير المستشفى بل نريد محاسبته، وإن تم تغييره بدون محاسبة فسنقوم بإضرابات وبوقفات احتجاجية إلى حين محاسبة المسؤولين على الانهيار الذي يشهده قطاع الصحة بمدينة وجدة والإقليم ككل". تطرق المسؤول النقابي أيضا في تصريحه للجريدة إلى ما يعرفه قسم مصلحة الولادة من اختلالات حيث تم تغييرها أربع أو خمس مرات وتم ترميمه في إطار مشروع "ميدا" من طرف الاتحاد الأوربي بنفس المواصفات الموجودة في أوربا وهو الآن يعرف أشغالا تم خلالها هدم حائط وبناء آخر في نفس المكان وتغيير باب بباب... في حين أن النساء تنجبن أبناءهن على الأرض في غياب طاولات بمقاييس دولية تحفظ للصبي مكانه حتى لا يسقط على الأرض وتحفظ للمرأة كرامتها. غياب التدفئة أيضا يعد من الأمور التي تمت الإشارة إليها، ففي هذا الفصل وما تشهده المدينة من برودة قاسية، التدفئة غائبة بالمستشفى لأن ميزانية هذه الأخيرة لا تسمح بشراء "المازوت" وهو الأمر الذي اعتبر عارا في حق مستشفى جهوي يستقبل المرضى من مختلف أنحاء الجهة الشرقية. الدكتور قادة صدر الدين تطرق في تصريحه إلى ما يعرفه المستشفى من خصاص مهول في الموارد البشرية وفي التجهيزات والآليات وضعف الطاقة الاستيعابية، وعدم مسايرتها للكم الهائل من المرضى الذين يقصدون المستشفى، في حين يستحوذ أحد الأطباء على جناح يستوعب 12 سريرا ليتخذه مسكنا، وتحويل الكثير من القاعات التي كانت تستخدم في السابق للتطبيب والعلاج لتصبح مكاتب للأطباء، مما أدى إلى التقليل من عدد الأسرة ليصبح مستشفى الفارابي مملوءا طيلة الأسبوع وتقع المشاكل عندما تأتي حالة مستعجلة فلا يجدون مكانا شاغرا لها. كما أشار أيضا إلى الخصاص المهول في الأطر الطبية وشبه الطبية ببعض المصالح الحساسة كالمستعجلات والإنعاش والجراحة والولادة... وأضاف بأنه في ظل الظروف الحالية يتم تحميل مسؤولية ما يقع بقطاع الصحة للنقابيين والأطباء والممرضين في حين أن "المشكل هو مشكل إداري لأنه ليس لدينا مسؤولون ومنظرون يضعون الإنسان المناسب في المكان المناسب لمواكبة تطلعات الشعب المغربي". كما أشار إلى مسألة التعويضات وقال في هذا الإطار "نجد طبيبا أو مسؤولا يقضي وقته بمكتبه، يحصل على منحة سنوية بالملايين وطبيبا يقضي سنة كاملة من الاشتغال بالمستعجلات ويعطى منحة تقدر ب10 دراهم في اليوم، الشيء الذي يجعلنا نلمس شيئا من التقصير من طرف الطاقم الطبي وشبه الطبي لأنه ليست هناك تحفيزات للإطار حتى يكثف من جهده ويتفانى في عمله". هذا فقط غيض من فيض الوضعية الكارثية التي يعرفها مستشفى الفارابي والأوضاع المزرية التي يعيشها، وأصبحت حديث المرضى والأصحاء والأطر الطبية وشبه الطبية من أصحاب الضمائر الحية، في حين أن المسؤولين يرون عكس ذلك ويعتبرون ما يتم تداوله مزايدات نقابية بالرغم من العديد من الوقفات الاحتجاجية التي نظمها أطر وموظفو المستشفى والمجتمع المدني، والوقفة الاحتجاجية التي نظمها المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أمام مستعجلات مستشفى الفارابي على إثر وفاة الصحافي المرحوم الشيخ مبطيل نتيجة الإهمال واللامبالاة بعد إصابته في حادثة سير، حيث عبر مكتب الفرع عن إدانته الشديدة للحالة الكارثية التي وصل إليها المستشفى، وخصوصا قسم الإنعاش والعناية المركزة، كما استنكر الإهمال الكبير والاستهتار بأرواح المواطنين، ودعا في هذا الإطار إلى فتح تحقيق للوقوف على ما آلت إليه الأوضاع بالمستشفى وخصوصا بقسم الإنعاش.