تنساب الكلمات كأنها شهب تومض في ليلة ظلماء. من اجل فرح انساني متآلف في نغمات تتصاعد إيقاعاتها وتتماوج? هدير رياح وأشرعة حيراء. وحكاية حمودة الإنسان والسيف. زجليات تختزل عبق التاريخ في لحظة فن أصيلة، تسمو بالمشاعر الى مقصورات التحرر والتوحد في الذات والآخر? انها تنويعات على مشهد مجموعة لمشاهب التي نفتت في الساحة الغنائية المغربية نفسا منعشا، اعتبر حينها زفة مباركة اضيفت الى الغناء الطليعي المغربي، الذي دشنته مجموعة ناس الغيوان قبل ذلك بعدة شهور. فقد استمرت هذه المجموعة في تغذية عطش جمهورها بأنماط شعرية ولحنية مستوحاة من واقع وتطلعات جيل بأكمله. وهو ما يفسر تواصل التعلق بهذه المجموعة حتى بعد رحيل احد عمالقتها: محمد باطما? ولايمكن ذكر هذا الرمز من مؤسسي وأقطاب لمشاهب شعرا ولحنا وغناءا دون استحضار ذلك "الولد" المسجى عرقا والذي تقفز الى أعمق سويدائنا صيحاته كلما صادفنا سحنته في مكان ماداخل متاهة الدارالبيضاء او طالعتنا احدى قناتينا بفلتة ذكية من انغام الامس واليوم فتراه يصعد بصوته علَّ جدار الصمت يتحطم. الآن والرجل يقتعد كرسي الغياب، صار معنى آخر في الوجود أرسخ فنيا، لأن ما تبقى منه اليوم هو أثره الفني عنوانا عن الرجل الذي كانه. وهذا هو معنى الخلود. تفنى الأجساد بما حملت من تعب السنين ولا تفنى قيمتها التي تنحتها في قلوب الناس وذاكرة الأيام. بهذا المعنى فإننا نتمثل الفنان السوسدي في أبدية رسالته الفنية كإنسان. وحين نعيد هنا نشر جزء من حوار طويل كنا نشرناه معه في ليالي رمضان غير بعيد، فإننا نتمثله بمعنى آخر اليوم، بمعنى الوصية التي يتركها فينا الإنسان الراحل. المدخل الهندي كمعظم الاخوة الفنانين، قدمت الى عالم الموسيقى من المسرح، ففي سنة 1968، كنت أمارس التمثيل مع مسرح الخلود بالحي المحمدي، حيث قدمنا عروضا جيدة لاقت استحسانا من طرف الجمهور من بينها مسرحية "البطالة" ومسرحية "الجاسوس" لم يكن حينها يتجاوز عمري الثماني عشرة سنة، بعد هذه الفرقة، انضممت الى مجموعة حسن السوداني حيث كنت أؤدي مقاطع من الموسيقى الهندية وسط المشاهد المسرحية، وكانت هذه المقاطع تجد تجاوبا من قبل الجمهور خصوصا الشباب الذي كان مولعا في ذلك الوقت بالسينما الهندية، التي كنت مشدودا لها انا ايضا، حيث كنت أتتبع كل أفلامها ولا أجد عناء في ترديد المقاطع الموسيقية التي تتخللها وكان اصدقائي يستغربون ذلك. اتذكر انه في سنة 1969 اقام البرنامج التلفزي الوقت الثالث آنذاك، مسابقة فنية بين دار الشباب الحي المحمدي ودار الشباب سيدي معروف. تخللت المسابقة عروض مسرحية وأخرى خاصة بالمونولوج والرقص بالاضافة الى الموسيقى، وفي هذا الإطار شاركت بأغنية "ضوستي" الهندية وحصلت على 3 نقط وهي أعلى نقطة تمنح لأحسن صوت. في سنة 1971، كانت مجموعة ناس الغيوان قد عرفت طريقها الى الجمهور. وأصبح الشارع يتغنى بأعمالها الفنية. في هذ الإطار اتصل بي صديقي الفنان الشادلي امبارك الذي أبلغني أنه يعتزم تأسيس فرقة موسيقية على غرار ناس الغيوان ويريدني ان انضم إليها، وبالفعل تأسست هذه المجموعة التي كانت تضم كلا من نور صالح وسعيد وعبد الرحيم بالاضافة الى عبد ربه والشادلي وأطلقنا عليها اسم "أهل الجودة" ، انجزنا ضمن هذه المجموعة عدة اعمال منها "ليام تشيبني وانا صغير" ، "سيدي جابر" ، "الغادي بي" و"الكناوي" وسجلنا اسطوانتين تضم الاغاني التي ذكرت. وقمنا بعدة حفلات بالمسرح البلدي بالدارالبيضاء. بعدها التحقنا بمسرح الاستاذ الطيب الصديقي الذي شاركنا معه في عدة اعمال نقوم بالتمثيل والغناء ومن ضمن الاعمال التي شاركنا فيها مسرحية "كان يامكان" رفقة الفنانين احمد الصعري، عبد اللطيف هلال، تاه تاه، العمري الصغير، حميد الزوغي، والمرحوم عبد الرحيم اسحاق. كانت تجربة رائعة استفدنا منها كثيرا حيث صقلنا مواهبنا المسرحية على الخصوص. لكن هذه التجربة المسرحية لم تدم طويلا، حيث غادرنا ارض الوطن بعدما وقعت المجموعة (اهل الجودة) عقدة مع احد المتعهدين للقيام بجولة فنية في الجزائر. أقمنا خلالها عدة حفلات بمختلف المدن الجزائرية واستمرت هذه الجولة مدة ثلاثة أشهر. وكانت فرصة تعرفنا خلالها على هذا البلد الجار وفنانيه وتراثه الشعبي الجميل. بعد عودتنا الى أرض الوطن، غادرت انا والشادلي فرقة اهل الجودة، لأننا كنا نبحث عن فرقة احترافية تضم عناصر لها تجربة في هذا المجال، خصوصا وان نضجنا الفني بدأ يتطور. وبالفعل عرض علينا ان ننضم الى فرقة "الدقة" التي كانت في بداية مشوارها، تضم أسماء احترافية كحميد المكناسي ومحمود كينيا وسعيد، انتجنا مع مجموعة "الدقة" عدة اعمال منها "ألف ليلة وليلة" و"الغادي بي" وقمنا معها بعدة عروض فنية، كان آخرها سنة 1973، حيث سافرنا الى الديار الهولندية للقيام بجولة فنية، وهناك قررنا انا والشادلي ان نطور موهبتنا فأقمنا هناك بغية دراسة الموسيقى والمسرح والسينما، وقد صادف وجودنا في الديار الهولندية، تواجد مجموعة لمشاهب التي كانت تقوم بجولة فنية، وكانت تضم في تلك الفترة احمد الباهري، محمد الباهري، الشريف، سعيدة والمرحوم محمد باطما. وخلال لقاءاتنا معهم اتفقت مع سي محمد انا والشادلي على العمل سوية بمجرد عودتنا الى أرض الوطن. وهو ما تم حين حضر عندي الاستاذ "البختي" رئيس المجموعة إذاك ورافقه الى الشريف بحي بلفدير وتم الاتفاق معه على العمل سوية بعناصر جديدة واغاني جديدة.. التلفزة لم تبث أغنيتي «الغادي بعيد» و«الصايك تالف» خلال اللقاء الذي جمعني مع الأستاذ البختي والشريف في بيت هذا الأخير، وضعنا تصورا شاملا للمجموعة في الحلقة الجديدة التي نريد أن نظهر بها، بما في ذلك الملابس والآلة التي سيتم العزف عليها، وقد اقترحت عليهما استقدام الفنان الشادلي ليعزز المجموعة، خصوصا وأن له أزجالا وألحانا رائعة، كما تم الاتفاق على أن نقوم بأعمال جديدة. فقد كان الهدف أن تخرج المجموعة بشكل قوي حتى تكون لها مكانة لائقة عند الجمهور، ويتسنى لها أن "تنافس" أعمال الغيوان وجيل جيلالة، المجموعتان اللتان اكتسحتا الساحة الفنية، ويصعب بالتالي على أي مجموعة مضاهاتهما.. في سنة 1974، بدأنا التداريب في النادي، وأخذنا نقترب من بعضنا ونحاول أن نتجاوب، حتى تتيسر الاعمال التي نحن بصددها، وبالفعل تمكنا من تسجيل الشريط الأول الذي يضم أغاني: أمانة، الخيالة، الطالب، الواد، ولأن الاستديوهات كانت جد قليلة في المغرب ولاتتوفر على الآليات المفترض تواجدها من أجل انجاز عمل فني في المستوى، فقد اضطررنا إلى تسجيل هذا الشريط في بيت السيد عبد الرحمان العلمي، وقد حمل الشريط اسم "امانة" وهو عنوان الاغنية التي كتبها المرحوم محمد باطما: بين لكديات كان الميعاد يسترنا الليل قدر الله وسط الباب آبابا حسينا بالخديعة مامنا هراب آبابا وتم كانت لفجيعة واخا جا للواد برحالو كانت الحملة قوية الغايب فينا تدفن حاله مايتفهم لغازو القوية الشريط كان مفاجئا للجمهور، فهو يستمع إلى مجموعة أخرى تختلف طريقتها عن طريقة الغيوان وجيلالة سواء على مستوى الألحان أو الكلمات، واعتبر الجمهور المجموعة هي جديد الظاهرة الغيوانية أو الوجه الآخر لها. بدأنا نتلقى عبارات الاعجاب والتنويه من طرف الجمهور الذي وجدنا مختلفين عما ألف، خاصة أن المجموعة ترافق أغانيها آلة الموندولين، وهي آلة حديثة بالنظر إلى ذلك الوقت ولم تكن تستعمل إلا في الغرناطي وماشابه هذا اللون الغنائي، ولم يكن انتشارها كبيرا في المغرب، وكل شباب ذلك الوقت الهاوي للموسيقى كان يعزف على البوسق أو البانجو على اعتبار أنهما الآلتان ظهرتا مع المجموعتين "النموذج" أي الغيوان وجيل جيلالة. كان علينا بعد إصدار هذا الألبوم، أن نمر من امتحان صعب وهو إحياء حفل لجمهور الحي المحمدي، أي الحي الذي ننتمي إليه، فهناك إما أنك ستأخذ "التأشيرة" أو تعود ادراجك وتعيد حساباتك، لأن هذا الجمهور لايجامل خصوصا وأننا من أبنائه ولن يجد أحد حرجا في معاتبتنا إن كان عملنا رديئا، ولايرقى إلى المستوى الذي ظهرت به ناس الغيوان وجيل جيلالة بسينما السعادة عانقنا الجمهور بحب كبير وردد معنا الاغاني التي نؤديها ومرت الامور كما نتمنى.. في هذه الفترة اتصل بنا المخرج المرحوم حميد بنشريف فصورنا معه "كليب" خاص بأغنيتي "الغادي بعيد" و"الصايك تالف" وبين العملين قام الفنان البشير سكيرج بتأدية مونولوجات ضاحكة، هذا العمل لم تبثه التلفزة إلا مرة أو مرتين في تلك السنة، ولم تعد بثه منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ولا أدري ماهو السبب. بدأ صيت لمشاهب ينتشر داخل أرض الوطن وراج شريطنا في السوق، فقررنا القيام بحفل ثان لجمهور مدينة الدارالبيضاء وبالضبط بالمسرح البلدي المأسوف على هدمه.. ذكرى بوجميع والمضايقات التي تلتها مشاريع كثيرة فكرنا في تحقيقها، بعد عودتنا من الصحراء، منها القيام بجولة في ربوع الممكلة، ولهذا تجند الأستاذ البختي رئيس المجموعة رفقة الفنان الحسين بنياز الذي كان سيرافقنا في هذه الجولة مع الفنان أحمد السنوسي، انكب إذن الأخوان البختي وبنياز على القيام بالإجراءات الإدارية، كالحصول على التراخيص وطبع التذاكر وكراء القاعات.، فيما ذهب كل واحد من أعضاء الفرقة الى العمل على إعداد أغان جديدة لإصدار ألبوم جديد، في هذه الأثناء كان الإخوان في مجموعة ناس الغيوان يفكرون في إحياء الذكرى السنوية للمرحوم بوجميع، وكان من الضروري إحياء هذا الحفل بالحي المحمدي حيث مقر إقامة بوجميع وأهله وأصدقائه، فاقترحوا علينا الفكرة ولأن الوقت كان ضيقا للقيام بالإجراءات الإدارية لإحياء هذا الحفل بسينما السعادة، أمدهم الأستاذ البختي بالتصريح الذي كان يتوفر عليه حيث كانت سينما السعادة من بين القاعات التي سنحيي فيها حفلا في إطار الجولة التي كنا نعتزم القيام بها. شارك في هذا الحفل بالطبع الغيوان، جيلالة، بزيز وباز، لمشاهب بالإضافة الى الفرقة الهاوية فرقة "لمشاعل" و"لرفاك".. افتتح الاحتفال بجيل جيلالة وبعدهم بزيز وباز ثم لمشاهب صعدت بعدنا فرقة لمشاعل، وأدت أغنية تسيء الى المؤسسات، ذهلنا جميعا للأمر ولم نعرف ماذا نفعل الى أن فوجئنا بأضواء السينما وقد انطفأت، وببعض رجال السلطة يصلون إليها، لتبدأ لعبة الكر والفر مع المسؤولين، بدأت الاستدعاءات تبعث الى كل المجموعات المشاركة والى بزيز وباز، بحكم أن بختي رئيس مجموعة لمشاهب والتصريح كان في اسمه واسم بزيز وباز، لم يعد يبارح هو وبزيز الكوميسارية، استنطاقات متوالية حول مجموعة لمشاعل ومن استقدمها الى الحفل وإلى غير هذا من الأسئلة (..)، بدأنا نسمع أن فلانا من فرقة الغيوان قد تم استنطاقه وآخر قدموا إليه وهو في المقهى، وأن أشخاصا يسألون عنا في الحي، بدأ الرعب يتملكنا، خصوصا لما قدموا الى الشادلي وحمادي وهما في المقهى وأخذوهما للإجابة عن بعض الأسئلة، كما طلبوا منهما أن يدلانهما على مسكن بزيز. وحتى نبعد الشبهة عنا أنا ومحمد باطما رحمة الله عليه، فكرنا، قمنا بحلق الشعر، وأصبحنا نرتدي ملابس فاخرة، وطلبنا من بعض الأصدقاء أن يرافقونا أينما ذهبنا حتى إذا تم إلقاء القبض علينا، يخبرون أهلنا، إنها فكرة ليست ذكية لكن هذا ما اهتدت اليه عقولنا في ذلك الوقت، بعد أيام سمعنا أن أعضاء مجموعة "لمشاعل" تم اعتقالهم، وظننا أن الأمر قد انتهى، لكن عندما كنا على خشبة المسرح البلدي حيث كانت هذه المحطة، هي بداية الجولة التي اعتزمنا القيام بها، فوجئنا برجال الشرطة قربنا على الخشبة، وهنا قال لنا أحد المسؤولين الأمنيين المعروفين الى حدود الآن، "هاد البنادرية كاع غادي نجمع بوهم ونحركهم"، أخذ منا الخوف مأخذه ولم نستطع تأدية الأغاني التي كان يطالب بها الجمهور في تلك اللحظة، حيث غنينا أغاني قديمة، خصوصا وأن صاحبنا ذاك قال لنا من ضمن ماهددنا به "إذ لم تطيعوا سأقوم باستدعائكم يوميا من الثامنة صباحا الى الثامنة مساء لتقضوا يومكم في الكوميسارية"، بعد انتهاء الحفل، أخذوا جميع أعضاء الفرقة في سيارة "جيب"، وذهبوا بهم الى إحدى الشقق، حيث ألقيت عليهم أسئلة في جو ملطف كما طلبوا منهم أن يؤدوا بعض الأغاني، حسب ما حكي لي، أما أنا فقد "ضربتها بسلتة"، فور انتهائنا من العرض. مرت أيام معدودة، وكنت بسينما شهرزاد أتابع أحد الأفلام، فإذا بالأضواء تشتعل داخل القاعة، وسمعت شخصا ينادي باسمي بواسطة الميكروفون، لما خرجت وجدت شخصين ومعهما البختي، اعتقدت أن الأمر يتعلق ببحث جديد، لكن طمأنني البختي الذي تفهم حيرتي حين قال لي "جلالة الملك الحسن الثاني يريدنا اليوم من أجل إحياء ذكرى المسيرة الخضراء"، توجهت على الفور الى المنزل وغيرت ملابسي، رافقنا أيضا الى هذا الحفل بزيز وباز ولطيفة أمل وعبد العاطي أمنة والثلاثي أمنة. أول مرة كنا سنرى فيها الملك وجها لوجه، في الطريق كنا نفكر في هذا اللقاء خصوصا وأن الدهشة والارتباك لازماننا على طول الطريق، أدينا التحية لجلالته، رحب بنا وكان يخاطبنا ب "وليداتي"، أحسسنا فعلا أننا أمام أب يعرف أبناءه جيدا. دفء اللقاء أزال عنا الدهشة قبل أن نقدم أمامه عرضنا. المجموعات الغنائية شرفت الفن المغربي في كل المحافل اود في الاخير ومن خلال جريدة الاتحاد الاشتراكي، ان اتقدم بالشكر الى كل الاخوان الذين ساهموا في تأسيس مجموعة لمشاهب وكانوا وراء خروجها الى الساحة الفنية، وكذا الاخوة الذين عملوا على استمرارها الى جانب باقي المجموعات، واخص بالذكر هنا كل اعضاء مجموعة لمشاهب. بالاضافة الى الاستاذ البختي والباهري محمد واخيه احمد وسعيدة وكذا عبد السلام بلكشور وابن يعقوب، والمحبين الذين لم يبخلوا عنها بأي شيء. لقد كانت تجربة لمشاهب، تجربة متميزة، عبرنا من خلالها كشباب،عما يشغلنا وداخلها تعلمنا عدة اشياء واصبح لنا نضج موسيقي. وصقلنا موهبة الكتابة التي كانت تسكننا ونحن صغارا، حتى أصبح داخل لمشاهب تخصص في مجال الكتابة. فالشادلي مثلا اصبح مختصا في الكتابة عن قضايا الأمة العربية، وانا تخصصت في ابراز المشاكل الاجتماعية، وسي محمد كانت كتابته قريبة من الفلسفة والحكمة. كما تربى على ايدي المجموعة عدد من الشباب الذين اصبح لهم حس فني جميل، واصبحوا يعرفون كيف ينتقون الجيد من الردئ، وهذا شيء جميل. كلما استعدت شريط مسار الحياة الفنية بالمغرب، اتذكر العربي باطما وعمر السيد وبوجميع ومحمد الدرهم والطاهري وعبد الرحمان باكو ومحمد باطما والشادلي، والآخرين، وما استطاعوا ان يقوموا به. لقد حولوا الاتجاه الذي كان العمل الفني يسبح فيه. فبفضل هؤلاء "المغامرين" اصبح الشباب يهتم بالتراث. وهنا اذكر جيلالة والدور الذي لعبته في تقريب فن الملحون الى الشباب. والغيوان التي احالت الشباب على مختلف الايقاعات والالوان الفنية التي تزخر بها بلادنا من كناوة الى العيطة وغيرها. وما اسهمنا به نحن في المجال الموسيقي وتشجيع الشباب على الموسيقى، هؤلاء العمالقة الذين منهم من رحل الى دار البقاء ومنهم من يعاني الان كالاستاذ علال يعلى شفاه الله. فهذه المجموعات كلها، كانت تعتمد على امكانياتها الخاصة، بل حتى الامكانيات كانت منعدمة احيانا. ومع ذلك رسمت طريقها في تحد كبير وكلنا نتذكر الانتقادات اللاذعة التي وجهت الى الغيوان في بداية مشوارها والتي كانت احيانا محبطة، ومع ذلك أصرت على مواصلة المسير، الى أن اقتنع منتقدو التجربة، بأن هؤلاء "الاولاد" يقومون بعمل فني رائع سيظل راسخا على مدى التاريخ، فلا يمكن اليوم الحديث عن الفن المغربي، دون ذكر كل هذه المجموعات، واشير هنا، ايضا الى ان الاعلام في السبعينات وحتى اواسط الثمانينات لم يوف هذه المجموعات حقها، ففي تلك الحقبة كانت في اوج عطائها ومع ذلك كان الاعلام وخصوصا المرئي، يغض الطرف عنها، ولا يمررها احيانا الا مكرها، لقد مثلت هذه المجموعات المغرب احسن تمثيل ولا ادل على ذلك مشاركتها في كل عواصم الارض الى جانب فنانين كبار. وجدوا المساعدة من خلال المؤسسات التي تحتضنهم، اما نحن فكنا نشارك هكذا وبعفوية وبدون اية اشارة في وسائل اعلامنا. وهذا راجع لعدة اسباب منها ما نتحمل فيه نحن قسطا ضئيلا لعدم معرفتنا بشؤون الادارة الفنية، اما القسط الاكبر فتتحمل فيه المسؤولية الجهات التي تعاقبت على الشؤون الثقافية. فهذه المجموعات، رفضت ان تكون مجرد فولكلور يؤثث للسياحة وما الى ذلك. بل قدمت نفسها لجمهور العالم على أنها فرق موسيقية ليست اقل شأنا من باقي الفرق العالمية. وهنا اذكر الاغراءات التي كانت تقدم لمختلف هذه المجموعات من قبل مؤسسات اقتصادية خارجية، من اجل التخلي عن طريقتها في الاشتغال، والتعاطي لاعمال فنية أخرى هي في صالح تلك المؤسسات. وقد استفاد من هذه العملية بعض الفنانين حين رفضت مجموعاتنا ذلك. وحتى لا أكون مجحفا، اعترف اننا اليوم اصبحنا نشهد بعض الاعتراف من قبل وزارة الثقافة بالفنان المغربي، ولأدل على ذلك الدعم الذي يقدم لمختلف الفرق المسرحية، وهو ما لم نكن نشهده من قبل، ودعوة الفنانين للمشاركة في مختلف المهرجانات المقامة في بلادنا، على الخلاف تماما مع السابق حيث كانت تعطى الاولوية لبعض الاجانب والمشارقة، ومع ذلك يجب ان تتظافر الجهود للعناية بثقافتنا وفننا. فلا يعقل ان تفتقد معظم مدننا لقاعات المسرح، كما لا يعقل الا يكون لكل مدينة مهرجان خاص بها على غرار باقي دول العالم، فمن شأن الثقافة ان تلعب دورا حيويا في التنمية التي يصبو اليها المغرب، لا ادري مثلا لماذا لا تستغل بعض البنايات الاثرية في العمل الثقافي، فمن شأن ذلك ان يطور السياحة، ففي تونس مثلا تستغل القصور القديمة والساحات الاثرية لهذا الغرض، الشيء الذي جعل السياحة تزدهر هناك بشكل لافت. كما ان الفنان التونسي لا يجد ابدا نفسه في حالة عطالة. اود ايضا ان اوجه من خلال هذا المنبر تحية الى الاخت سعيدة زوجة المرحوم سي محمد التي قبلت، وهي فتاة صغيرة ان تنضم الى المجموعة في الوقت الذي كان فيه محرما على النساء، ان يتعاطين للعمل الفني، فقد كان موقفها اذاك تحديا كبيرا، خصوصا وانها ستحمل بنديرا وتغني رفقة اعضاء كلهم رجال. لقد اعطت لمجموعة لمشاهب طعما خاصا. دون ان انسى ايضا الاخت سكينة التي كانت اول فتاة تعمل مع مجموعة غنائية (مجموعة جيل جيلالة)، تحية ايضا الى كل الفنانين المغاربة، مسرحيين وسينمائيين وتشكيليين، الذين صمدوا في وجه الصعاب، واستطاعوا ان يؤثثوا ساحتنا الفنية باعمال سيظل المغاربة يذكرونها. رمضان كريم لكل العرب والمسلمين.