ظلت التحاليل التي توالت لتفسير ظاهرة الثورات في الدول العربية حبيسة الشرط الديمقراطي فقط، لكن أزمة تشغيل الشباب هي العنصر الحاسم في انفراط العقد الاجتماعي الضمني للتنمية في صيغتها الاستبدادية، الذي ميز مصر وتونس واليمن، والذي مازال هو النموذج المهيمن في بلدان أخرى (الأردن، المغرب، سوريا... إلخ). واليوم تطرح المعادلة السياسية كالتالي: الأزمة أسقطت القادة المستبدين، والإصلاحات الدستورية ستفتح المجال الديمقراطي، والحكومات الجديدة ستقاس نتائجها على ضوء قدرتها على خلق مناصب شغل وإعطاء الأمل للشباب. وإذا ما أجهضت الانتظارات الشعبية، فإننا سنواجه توالي حركات الاحتجاج التي ستحمل هذه المرة متطرفين أو شعبويين استبداديين جدد إلى السلطة. وفي هذه التركيبة قد يكون العنف في الموعد بمستويات تفوق بكثير ما عرفناه سنة 2011. فأزيد من ثلث السكان و 47% من السكان النشيطين تتراوح أعمارهم اليوم ما بين 15 و 30 سنة نشيطين بالمعنى الجامد للكلمة، لأن الشباب اليوم هم أول ضحايا البطالة. والأرقام الرسمية تقلل لامحالة من المشكل، لكن بطالة الشريحة من 15 إلى 24 سنة تتراوح ما بين 20% و 25% في أغلب دول المنطقة. وتشمل بالخصوص خريجي الجامعات. وحسب البنك العالمي، خصصت الدول العربية على المدى الطويل ما بين 5% و 6% من ناتجها الداخلي الخام لقطاع التربية مقابل 3% في المعدل في دول أمريكا اللاتينية أو شرق آسيا. هذا الاستثمار أدى إلى تحسن ملموس في نسب محو الأمية والتمدرس الابتدائي والثانوي. واعتبر الوصول الى التعليم ولاسيما التعليم العالي بمثابة المفتاح السحري للاندماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب. لكن تزايد عدد الشباب خريجي الجامعات، وعدم ملاءمة استراتيجيات التنمية والأزمات الاقتصادية جعلت هذه الوعود مجرد سراب. وإذا ما استمرت التوجهات الحالية دون تدهور لوضعية التشغيل، سيتعين خلق 22,5 مليون منصب شغل حتى سنة 2020 ونسبة نمو اقتصادي تفوق 8% سنوياً في المعدل خلال 15 سنة لضمان توازن في أسواق الشغل. بمعنى آخر، أن 12 مليون عاطل إضافي سيجدون أنفسهم غير مدمجين اجتماعياً في هذه المنطقة (مع نسبة مهمة من حاملي الشهادات). إن سياسات التشغيل المطبقة سابقاً في المنطقة العربية كانت غير فعالة. وقليلة هي الاجراءات التي صححت أو حققت إدماجاً للشباب وترجمت بمكاسب ملموسة بالنسبة لهم على مستوى التشغيل أو الدخل. لكن هذه الحصيلة الهزيلة ليست سبباً للتراجع. فالعديد من الدول المشابهة من حيث مستوى النمو في أمريكا اللاتينية أو في آسيا لم تحبطها النتائج الهزيلة المحصل عليها من خلال برامج سوق الشغل الموجهة للشباب. فقد تم إطلاق مبادرات واسعة مؤخراً في عدة دول تحدد على العموم حقوق والتزامات الشباب. وبإمكان السياسات العمومية في المنطقة العربية أن تستلهمها, خاصة وأن بعض الاجراءات بدأت تعطي نتائج. ويمكن اعتبار أربعة مبادىء أساسية. أولا ,البرامج التي كانت فعالة هي تلك التي نفذت على المستوى المحلي وبعلاقة وثيقة مع المشغلين. والبرامج التي أخذت في الاعتبار ممارسات المشغلين المحليين في التوظيف أو تلك التي حاولت توجيههم، بتحفيز المشغلين على الانخراط في هذه البرامج كانت فعالة بشكل خاص. ثانياً، الاجراءات التي حققت أفضل النتائج كانت أيضاً تلك التي عرفت كيف تمزج بشكل ملائم الدراسات والتكوينات العملية, وهذه الاجراءات شملت عدة جوانب حسب جرعات ملائمة. ثالثاً، اجراءات التكوين الأكثر فعالية هي تلك التي تولي اهتماماً للأساليب البيداغوجية المطبقة، سواء كان التعليم في وسط مدرسي أو في وسط مهني. ووحدهم المدرسون والمكونون المؤهلون والمتحمسون بشكل جيد، قادرون على رفع التحديات البيداغوجية التي تطرحها هذه البرامج. رابعاً، هذه الاجراءات الفعالة استطاعت الحصول على معلومات حول النتائج المحققة واستغلال هذه المعلومات من أجل السير نحو نتائج أفضل. هذا المبدأ يلهم برامج التكوين من أجل التشغيل التي نفذت في عدة دول، وقياس النتائج معترف به كوسيلة لمتابعة وتعزيز الفعالية. هذه هي المبادىء الكبرى التي يتعين أن تلهم الاجراءات التي يبقى هدفها هو مساعدة الشباب على الاندماج الفعلي في أسواق الشغل في الدول العربية. بالتأكيد، ليست العناصر الوحيدة التي يجب أخذها في الاعتبار، ولكنها أساسية في وضع وتطبيق برامج فعالة. و »الثورات« في العالم العربي ليست سوى إرهاصات لغضب أعمق لدى شباب بدون آفاق، لكنه قرر بشكل لا رجعة فيه، المطالبة بحقوقه. ومنع استمرار أو تصاعد العنف الاجتماعي في العالم العربي، يعني إعلان الحرب على بطالة الشباب عبر سياسة تنموية مكثفة.