هل جاءت الأزمة المالية الخانقة بأروبا، لتطلق رصاصة الرحمة على قطاع الصحافة؟ القطاع الذي ظل يترنح منذ عشر سنوات، في أزمة وجود تقنية تدبيرية مالية، متفاقمة. بل إن الأرقام المسجلة في السنتين الأخيرتين، جد مقلقة في أغلب البلدان الأروبية، التي تعاني أزمة مالية واقتصادية خانقة مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا. ونفس الأمر يسري على الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومما تورده يومية «ليبراسيون» الفرنسية، في ملف خاص حول هذه الأزمة التي تطال قطاع الصحافة بأروبا في شقيها المكتوب والمرئي والمسموع، فإن 5 آلاف وظيفة قد ألغيت في قطاع الصحافة الإسبانية منذ سنة 2008، مثلما أن تقليص المساعدات التي كانت تقدمها الحكومة الإيطالية لقطاع الإعلام، قد وضع عشرات العناوين الصحفية في أزمة حقيقية، وبعضها مهدد بالزوال مثل الجريدة المحترمة «إلمانيفستو». فيما عنوان صحفي محترم وشهير باليونان من حجم يومية «إلفتيروتيبيا» على حافة الإفلاس وأن 800 من العاملين بها مهددون بالعطالة. فيما تعيش يومية «فرانس سوار» الفرنسية الشهيرة أزمة حقيقية بسبب إلغاء دعم الورق الذي كان تستفيد منه والذي كانت نتيجته تسريح 89 موظفا من موظفيها، وأن 120 أجيرا في جريدة «لاتريبون» الفرنسية مهددون بالتسريح بدورهم كيفما كان مشتريها القادم، بعد أن طرحت للبيع. وأمام هذه الوضع المقلق والكارثي على قطاع الصحافة الأروبية، بسبب الأزمة المالية والإقتصادية الخانقة بأروبا وأمريكا، فإن رئيس نقابة الصحفيين والموزعين بإسبانيا، قد صرح قائلا: «إننا نوع مهني في طريقه للإنقراض»، وهو تصريح قاس وعنيف، أمام درجة العنف المادي الذي يطال ممارسي مهنة الصحافة بأروبا منذ عشر سنوات على الأقل. وذهبت الباحثة الإجتماعية المتخصصة في مجال الإعلام، جون ماري شارون، إلى أن كبريات الشركات التي تصدر عددا من الصحف وتشرف على عدد من القنوات التلفزية، تسعى لإعادة تنظيم ذاتها بالشكل الذي يعزز من مردوديتها المالية ويقوي من أدوارها المهنية. بينما تسجل ذات المتابعة الإحصائية المقلقة، أنه بالولاياتالمتحدةالأمريكية، منذ 2007، قد أعلنت 15 جريدة محلية إفلاسها. وأن ثلث الصحفيين الأمريكيين قد طالتهم البطالة، خلال العشر سنوات الأخيرة، ضمنهم 11 ألفا فقط خلال سنوات الأزمة المالية الأخيرة، أي منذ 2009 . والكثير من الصحف هناك، اتجهت إلى تعزيز مواقعها الإلكترونية، كحل للأزمة، وأن منها من نجح في ذلك، خاصة أن سوق الإشهار أصبحت مرتبطة أكثر بالصورة على الويب، وأن تلك المقاولات نجحت في الموازنة بين الصدور الورقي والحضور الإلكتروني، مما اعتبر حلا ذكيا منها، نوعت من خلاله من مصادرها التمويلية، دون الإرتهان لمنطق السوق التقليدية للصحافة أو الإكتفاء بالإعتماد على الدعم الذي تقدمه الحكومات من الميزانيات العامة للدولة. هذا الأمر غير متحقق، مثلا في إيطاليا، مما جعل كبريات الصحف الإيطالية في خطر وجود حقيقي، خاصة صحف اليسار الشيوعي، التي ظلت تعتمد بقوة على حجم الدعم الرسمي للدولة. وثمة حديث اليوم، على ضرورة توحيد الدول الأروبية لخطتها الإنقاذية الخاصة بمشهدها الإعلامي. لكنه مشروع لا يزال جنينيا، وأن كل دولة تسعى لإيجاد حلول محلية خاصة بها. بعضها متطرف بسبب السياسة المالية التقشفية المتبعة، مثل ما يحدث في إيطاليا، حيث إن رئيس الحكومة الجديد، ماريو مونتي، من موقعه كخبير مالي متخصص، بنزوعه الليبرالية، قد قرر تقليص دعم النفقات العمومية كلها، وضمنها تقليص الدعم المخصص للصحافة سنة 2012 من 70 مليون يورو إلى 53 مليون يورو. علما أن رقم 70 مليون قد ظل معمولا به فقط منذ سنة 2010 ، وأنه كان واحدا من الحلول لإنقاذ قطاع الصحافة الإيطالية، بصفته خدمة عمومية. وأن الحرب ظلت مفتوحة بين أهل القطاع وجزء من الجسم السياسي الإيطالي وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق بيرلوسكوني، الذي لم تكن له مودات قط مع الصحفيين. ونفس ما يسجل في روما يسجل أيضا في أثينا، حيث الأزمة المالية العمومية أشد وقعا، مما أصبح يهدد ميزانيات أكثر من 50 بالمئة من المؤسسات الإعلامية اليونانية. ومن الحلول التي قررتها الحكومة اليونانية، من موقع إدراكها لأهمية الصحافة مجتمعيا، أنها ستقلص بنسبة 20 بالمئة، من الضرائب المفروضة على الإشهار الخاص بقطاع الصحافة، مما سيشجع المعلنين على الزيادة في الإستثمار في مجال الإشهار بالإعلام اليوناني سواء المكتوب منه أو الإلكتروني أو المتلفز. بينما الوضعية أكثر تشددا في الجارة إسبانيا، حيث تواصل مسلسل تسريح العاملين بقطاع الإعلام بشكل صاروخي خلال العشر سنوات الأخيرة بمدريد، وأن قنوات تلفزية محلية وعددا من الإذاعات الجهوية والصحف المحلية قد أغلقت أبوابها حتى قبل تفجر الأزمة الإقتصادية ببلد دون كيشوت دولامانشا. مما يعكس أزمة حقيقية في شكل التدبير الخاص بقطاع الإعلام بشبه الجزيرة الإيبيرية. والمثير هو أن من أول القرارات التي اتخدها الوزير الأول الجديد ماريانو راخوي هو تقليص 200 مليون يورو من ميزانية التلفزات العمومية بإسبانيا، مما سينعكس سلبا على فعالية العمل الصحفي في هذا القطاع الحيوي. التحدي، إذن، مطروح على الجسم الصحفي في العالم، وضمنه المغرب، على مستوى ابتداع الحلول التي تعزز من المكتسبات لا الحلول التي تنسف الدور الحاسم للإعلام كأداة للخدمة العمومية ولصناعة الرأي العام.